الفارسة الغامضة في شوارع مقديشو تتحدى التقاليد

المفاجأة تكمن في أن هذا الفارس الغامض ليس رجلا بل امرأة شابة تُدعى شكري عثمان موسى تتحدى التقاليد المحافظة والقوالب النمطية السائدة.
الجمعة 2025/01/24
الفارسة الأولى

في مشهد غير تقليدي وسط شوارع مقديشو، تظهر امرأة ترتدي زي الفروسية التقليدي وتعتلي جوادها بكل ثقة، متحدية بذلك التقاليد والموروثات الثقافية التي غالبًا ما تقتصر على الذكور في هذا المجال لتصبح رمزًا للقوة والإصرار.

مقديشو - في شوارع العاصمة الصومالية التي تعجُّ بضجيج مركبات التوك توك والدراجات النارية، يبرز مشهد غير مألوف للصواليين يتمثل في ظهور فارس طويل القامة يرتدي الأسود ويمتطي جوادًا ويسير بخطوات واثقة. لكن المفاجأة تكمن في أن هذا الفارس الغامض ليس رجلاً، بل امرأة شابة تُدعى شكري عثمان موسى، التي تُعتبر أول فارسة في بلدها، متحدية بذلك التقاليد المحافظة والقوالب النمطية السائدة.

شكري، البالغة من العمر 25 عامًا، تفتخر بأنها تحقق حلمًا راودها منذ سنوات خلت. تقول بفخر “لقد كان هذا حلمي منذ زمن طويل.” تتجول الشابة الصومالية في شوارع مقديشو على ظهر حصانها الكستنائي، مرتدية قبعة رعاة البقر السوداء وعباءة طويلة من اللون نفسه، بينما تخفي نظارتها الشمسية الكبيرة جزءًا من وجهها. وعلى الرغم من أنها بدأت ركوب الخيل في منتصف العام الماضي، إلا أنها تطمح الآن للانضمام إلى الاتحاد الصومالي للفروسية وتمثيل بلدها في المحافل الدولية.

لم تكن رحلة شكري نحو تحقيق حلمها سهلة في مجتمعها المحافظ؛ حيث واجهت العديد من العقبات، بدءًا من صعوبة العثور على حصان مناسب وصولًا إلى تحدي التقاليد الاجتماعية والدينية الصارمة في مجتمعها. تقول شكري “أردت أن أظهر للجميع أن امتطاء الخيل أمر طبيعي تمامًا بالنسبة إلى النساء كما هو للرجال، وأن ذلك مسموح به في ديننا.”

وبعد أشهر من التدريب المكثف أصبحت شكري فارسة متمرسة وهي التي تعمل الآن مصففة شعر، وباتت تمتلك حصانًا “رائعًا”، كما تصفه. وتؤكد شكري أنها سعيدة جدًا بإنجازها، وتعتبر أن تجربتها في عالم الفروسية مصدر إلهام للنساء الأخريات في بلدها ليتعلقن بتحقيق هواياتهن وطموحاتهن.

◙ الشابة الصومالية تتجول في شوارع مقديشو على ظهر حصانها الكستنائي

مدرب شكري، يحيى معلم عيسى، يرى أن نجاحها يمثل مصدر إلهام لجميع الصوماليين. ويقول “نجاح شكري يُظهر أن الإرادة والعزيمة يمكن أن تتغلبا على أي عقبات.” كما أن شقيقتها، ناديفو عثمان موسى، تشير إلى أن صالون التجميل العائلي، الذي تعمل فيه شكري أيضًا، استفاد من شهرتها. وتقول ناديفو “يحب الزبائن التقاط الصور مع الحصان، بل من بين النساء والشابات من تحاول أن تمتطيه، ونحن فخورون جدًا بما حققته شكري.”

ويعتبر بعض سكان مقديشو أن مشهد شكري وهي تمتطي حصانها في شوارع المدينة يعبّر عن عودة السلام ببطء إلى العاصمة التي كانت تُعدّ في السابق واحدة من أخطر المدن في العالم. بعد عقود من الحرب الأهلية التي دمرت البلاد، يعمل الصومال جاهدًا على التعافي، رغم التحديات التي يواجهها، بما في ذلك تمرد حركة الشباب الإسلامية المتطرفة والكوارث المناخية المتكررة.

يقول عبدالفتاح عبدي حاجي نور، الذي عاد إلى العيش في مقديشو بعد سنوات قضاها في الخارج، “رؤية امرأة تمتطي حصانًا في العاصمة بمثابة شهادة على عودة السلام.” ويضيف “المدينة أصبحت أكثر أمانًا، وهذا المشهد يعكس ذلك.”

كان محمد آدم حسن واحدًا من بين العديد من المارة الذين تفاعلوا مع مشهد شكري في الشوارع. يقول محمد “هذا المشهد يجعلني أرغب في تعلم ركوب الخيل بنفسي، وربما التوقف عن ركوب التوك توك.” حتى رجال الشرطة تفاعلوا مع الفارسة الغامضة، حيث أراد بعضهم التقاط صور معها في خطوة رآها البعض نوعا من التسامح والتشجيع.

وعلى الرغم من التحديات التي لا تزال تواجهها تحتفظ شكري بتفاؤلها وتتطلع إلى مستقبل مشرق. فهي لا تطمح فقط إلى تمثيل بلدها في المسابقات الدولية، بل أيضًا إلى إلهام المزيد من النساء لتحقيق أحلامهن، بغض النظر عن الصعوبات. تقول شكري “أريد أن أُظهر للعالم أن المرأة الصومالية قادرة على تحقيق أي شيء تريده، طالما كانت لديها الإرادة والعزيمة.”

ورغم كل التحديات تثبت النساء الصوماليات يومًا بعد يوم أنهن قادرات على التغيير. من خلال التعليم والعمل والفن والرياضة بدأت النساء في الصومال يخلقن مساحة لهن في مجتمع كان يُنظر إليه على أنه ذكوري بامتياز. في النهاية، تُعدّ شكري عثمان موسى رمزًا للتحدي والإصرار، وهي تثبت أن الشجاعة لا تعرف جنسًا، وأن الأحلام يمكن أن تتحقق حتى في أكثر الظروف صعوبة. قصتها ليست مجرد قصة فارسة غامضة، بل هي قصة إرادة وتحدٍّ تبث الأمل في قلوب الكثيرين.

18