الغزو الروسي لأوكرانيا يزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط

لندن – ترخي العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بظلالها الكثيفة على الوضع في الشرق الأوسط حيث بدأ صدى المعارك بين القوات الروسية والأوكرانية يتردد في المنطقة.
فعلى الرغم من رجوع موسكو مؤخرا في تهديداتها بالإطاحة بالاتفاق النووي الإيراني المعروف رسميّا بخطة العمل الشاملة المشتركة، فإنها تواصل إعاقة أي تقدّم في هذا الشأن انتقاما من العقوبات المفروضة عليها بسبب أنشطتها العسكرية. وهذا بدوره يدفع إيران للرد بالمثل.
ففي العاشر من مارس أعلنت قوات حرس الثورة الإسلامية الإيرانية مسؤوليتها عن هجمات الصواريخ الباليستية التي استهدفت منشآت دبلوماسية أميركية في أربيل شمال العراق بحجة أن الأهداف كانت جزءا من “مركز استراتيجي” إسرائيلي. وبينما اُعتبِرت تلك الهجمات بوجه عام تحذيرا للحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق بعدم دعم حكومة مقتدى الصدر في بغداد التي تستبعد حلفاء إيران وتحديدا الإطار التنسيقي الشيعي، كانت طهران ترسل أيضا رسالة مفادها أنها لن تنتظر إلى الأبد تحقيق المفاوضات النووية لنتائج.
موقف إسرائيل من الحرب يُختبر فوزير الخارجية يائير لابيد انحرف عن موقفها ما قد يؤدي لانهيار الائتلاف الحاكم
ومما يزيد من خطورة الموقف أن إيران أقرب من أي وقت مضى إلى القدرة على الاختراق النووي. فيزيد ذلك الضغط على إسرائيل للتدخل عسكريّا لمنع إيران من الوصول إلى نقطة اللاعودة.
وفي الخامس عشر من مارس قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إنه “تلقى ضمانات مكتوبة” من الولايات المتحدة بأن تجارتها مع إيران لن تخضع للعقوبات المتعلقة بأوكرانيا. وإذا كان الأمر كذلك، فقد يسمح هذا بمواصلة محادثات خطة العمل المشتركة الشاملة. ولكن كلما طال الوقت الذي تستغرقه القوى العالمية لإبرام الصفقة مع إيران، زاد احتمال استمرار التوترات بين إيران وخصومها الإقليميين.
وحذر ديانيش كامات محلل سياسي يركز على قضايا الشرق الأوسط وجنوب آسيا، ويقدم استشارات كذلك في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للهيئات الحكومية والقطاع الخاص، من أنه إذا طوى النسيان الصفقة النووية تدريجيا، كما يخشى المسؤولون الأميركيون الآن، فإن الآثار الإقليمية المتتالية ستكون فادحة.
وقال كامات إنه “على سبيل المثال، من المرجح أن يُصعِّد وكلاء طهران هجماتهم ضد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، إذا لم تُحذَف قوات حرس الثورة الإسلامية الإيرانية من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية الخاصة بوزارة الخارجية الأميركية. فكان هذا أحد المطالب الرئيسية لطهران في مناقشات خطة العمل المشتركة الشاملة. وإذا لم يتحقق ذلك، فستستهدف طهران موقف المستثمرين من الإمارات والسعودية وتعيق قدرة البلدين على تصدير النفط”.
وإلى جانب هجمات الصواريخ الباليستية على أربيل، علَّقت إيران أيضا المحادثات الجارية مع المملكة العربية السعودية التي كان يلعب فيها العراق دور الميسِّر.
وصارت إيران تتفاوض بوحشية. ففي يناير هاجم الحوثيون المدعومون من إيران مواقع استراتيجية في الإمارات بطائرات مُسيَّرة وصواريخ. وفي التاسع عشر من مارس هاجم الحوثيون منشأة نفطية، ومحطة تحلية مياه، ومحطة كهرباء في جنوب السعودية.
وفي الوقت نفسه، رفض الحوثيون أيضا المحادثات التي توسطت فيها دول مجلس التعاون الخليجي بشأن قضية اليمن، والتي كان من المقرر عقدها في الرياض هذا الأسبوع. فالجمعة شن الحوثيون موجة من الهجمات بطائرات مُسيَّرة وصواريخ على منشآت نفطية سعودية، من بينها موقع تخزين لشركة أرامكو في جدة. وتصاعدت أعمدة الدخان فوق المدينة حيث كان سائقو الفورمولا 1 يتدربون على سباق الجائزة الكبرى في السعودية.
وقال كامات “ثمة طرق عديدة أخرى يهدد بها الغزو الروسي لأوكرانيا بزعزعة استقرار المنطقة. بادئ ذي بدء، يمكن أن يعرض هذا الغزو الحكومة الائتلافية الهشة في إسرائيل للخطر، على الرغم من العلاقات الدينية والثقافية مع أوكرانيا”، مضيفا أنه “من المهم أيضا تقييم تأثير الغزو الروسي على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.
الغزو الروسي يمكن أن يمنح داعش فرصة مثالية لإعادة تنظيم صفوفه وإحداث فوضى في المنطقة
وحافظت إسرائيل لزمن طويل على علاقات جيدة مع روسيا ولم تدن حتى الآن الهجوم الروسي، وإنما سعت لإيجاد توازن بين واشنطن وموسكو.
وبموافقة ضمنية من الكرملين، تشن إسرائيل عمليات قصف جوي للميليشيات الإيرانية في سوريا. وجاءت هجمات الصواريخ الباليستية على أربيل من جانب قوات الحرس الثوري بعد أيام قليلة من قتل إسرائيل لاثنين من أفراد هذه القوات في سوريا.
لكن موقف إسرائيل غير المحدد من الأزمة الأوكرانية يخضع للاختبار. فوزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، الذي يشغل أيضا منصب رئيس وزراء إسرائيل المناوب، انحرف انحرافا ملحوظا عن الموقف الرسمي الإسرائيلي من الحرب؛ إذ صرح في منتصف مارس بأنه “لا يوجد مبرر” للغزو الروسي لأوكرانيا، في حين حث رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت الوزراء على التزام الصمت بشأن هذا الموضوع. وفي حال انهيار الحكومة الائتلافية، يمكن أن يمهد ذلك الطريق لعودة ظهور بنيامين نتنياهو رئيسا للوزراء، والذي سيتبع سياسة أكثر تشددا تجاه إيران.
وقال كامات إنه “يمكن للغزو الروسي أيضا أن يمنح داعش فرصة مثالية لإعادة تنظيم صفوفه وإحداث فوضى في المنطقة، ونظرا لأن موسكو قررت استرداد دينها من نظام الأسد من خلال التخطيط لنقل الآلاف من السوريين جوا إلى ساحة القتال في أوكرانيا، تلقى الجيش السوري ضربة في الداخل. فتشير بعض التقارير إلى أن ما يصل إلى 40 ألف سوري سجلوا أنفسهم للقتال في أوكرانيا، وهو ما يُعَد نسبة كبيرة من قوات نظام الأسد. وشمل ذلك، بحسب ما ورد في التقارير، الفرقة الرابعة المميزة التي تدربت في موسكو يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس بشار الأسد. ورغم أن ذلك لن يعرض بالضرورة سيطرة النظام على دمشق للخطر، فإنه قد يخلق فراغا في السلطة في مناطق أخرى”.
وشدد على أن “دولا مثل مصر والمغرب وتونس من المرجح أن تشهد استياء متزايدا في رمضان نظرا لزيادة فاتورة وارداتها الغذائية بسبب الحرب الروسية. فقبل أسابيع فقط من بداية الشهر الكريم، سارع المستهلكون في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى تخزين القمح بسبب الضربة المزدوجة لنقص الواردات وارتفاع تكاليف النقل. ومن ثم، قد تواجه الأنظمة في كل هذه البلدان اندلاعا محتملا لانتفاضات خبز، ما يؤدي إلى تكرار احتجاجات شبيهة بالربيع العربي في جميع أنحاء المنطقة”.