الغرب يستعد لحملات انتخابية موبوءة بتضليل إعلامي يحركه الذكاء الاصطناعي

بينما تستعد عدة دول لتنظيم انتخابات حاسمة، خلال العام الجاري، يسود تخوف من التأثير السلبي للذكاء الاصطناعي، عن طريق الحملات المضللة المدعومة بتقنيات تحوير متقدمة. وإذا كانت حملات التضليل السابقة، على وسائل التواصل الاجتماعي، تعتمد نشر أخبار كاذبة ومضللة فقط، فإن الذكاء الاصطناعي يعطيها الآن دفعا جديدا.
واشنطن - يرجح محللون أن تفشل لوائح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الناشئة وجهود القطاع الخاص غير الملزمة المرتبطة بأدوات الذكاء الاصطناعي في السيطرة على تدفق محتوى الذكاء الاصطناعي على منصات التواصل الاجتماعي خلال انتخابات 2024 التي ستشهدها بلدان مختلفة، ما يفتح الباب أمام انتشار المحتوى المضلل. وكثفت الحكومات وشركات التكنولوجيا، خلال الأسابيع الأخيرة، تركيزها على التأثير السلبي المحتمل لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية على العمليات الانتخابية.
وطلبت المفوضية الأوروبية من ثماني منصات وسائط اجتماعية رئيسية في 14 مارس معلومات حول جهودها للتخفيف من مخاطر الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تتربص بالعمليات الانتخابية، بما في ذلك ما يسمى بـ”الهلوسة” (عندما تكتب روبوتات الدردشة ردودا خاطئة) و”التزييف العميق” (محتوى صوتي أو مرئي اصطناعي مزيف يهدف إلى خداع الجماهير).
وشهد مؤتمر ميونيخ للأمن في فبراير 2024 توقيع 20 شركة تقنية رائدة (بما في ذلك أمازون وأنثروفيك وميتا وفيسبوك وأوبن إيه آي وسناب وستابيليتي إيه آيوتيكتوك وإكس) على سلسلة من الالتزامات للتعاون على مكافحة محتوى الذكاء الاصطناعي الضار، وخاصة المرتبط بالانتخابات.
ووعدت بنشر التكنولوجيا التي تواجه المحتوى الضار المنتج بالذكاء الاصطناعي والهادف لتضليل الناخبين. وتعهدت كذلك بتطوير أدوات مثل العلامات المائية وتقنيات الكشف لتحديد المحتوى الاصطناعي، واختبار نماذج الذكاء الاصطناعي لتقييم كيفية اعتمادها لتقويض الانتخابات.
وجاء في تقرير نشره موقع ستراتفور أن المفوضية الأوروبية أرسلت طلبات للحصول على معلومات بموجب قانون الاتحاد الأوروبي للخدمات الرقمية إلى بينغ وغوغل وفيسبوك وإنستغرام وسنابشات وتيكتوك ويوتيوب وإكس. ومنحت الشركات مهلة حتى 5 أبريل للكشف عن كيفية إنشاء محتوى الذكاء الاصطناعي التوليدي ونشره على منصاتها وخدماتها، وكيفية تحدديها وتخففيها من التزييف العميق والمحتوى الاصطناعي الخبيث الآخر.
ويتبع الاتحاد الأوروبي بعض التشريعات لتنظيم المحتوى عبر الإنترنت وأدوات الذكاء الاصطناعي، لكن هذه القوانين مازالت في بداياتها أو غير مفعّلة. ولا يوجد إطار فيدرالي ينظم الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، أو قوانين تخص حالات استخدام المحتوى الاصطناعي.
ودخل قانون الخدمات الرقمية في الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ في أغسطس 2023. وشمل مجموعة من اللوائح للمنصات الكبيرة مثل شركات التواصل الاجتماعي وعمليات البيع عبر الإنترنت ومحركات البحث. ويفرض القانون على الشركات تحديد المخاطر النظامية المرتبطة بخدماتها وتحليلها وتقييمها حيث شمل هذا العمليات الانتخابية. كما يجبر هذا القانون الشركات على إزالة المحتوى غير القانوني مثل المعلومات الخاطئة والمعلومات المضللة، رغم أنه لا يمتد إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
واعتمد البرلمان الأوروبي في 13 مارس إطاره الأكثر شمولا، وهو قانون الذكاء الاصطناعي. لكن هذا القانون لن يدخل حيز التنفيذ حتى مايو أو يونيو، ولن تكون متطلباته للشركات قابلة للتطبيق بالكامل حتى منتصف 2026. ولا يوجد تشريع فيدرالي يحكم استخدام الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة أو قوانين تحظر تقنية التزييف العميق وتبقى احتمالات تمريرها منخفضة في المناخ السياسي المستقطب في واشنطن.
وفي حين قدمت مجموعة من الولايات الأميركية مشاريع قوانين مرتبطة بتنظيم محتوى الذكاء الاصطناعي، وخاصة خلال فترات الانتخابات، تبقى العديد من هذه الجهود في بداياتها ومشتّتة بما يقوض نجاعتها. واتخذت بعض الوكالات التنظيمية الأميركية خطوات لتقييد استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. وحظرت لجنة الاتصالات الفيدرالية مؤخرا استخدام الأصوات المولّدة بالذكاء الاصطناعي في المكالمات الآلية في فبراير. لكن هذه الجهود ونطاق تطبيقها محدودان.
ولا تنطبق مثلا على المحتوى الاصطناعي الصوتي إذا انتشر على منصات التواصل الاجتماعي أو في إعلانات الحملات. ويحظر قانون الاتحاد الأوروبي المحتوى الرقمي غير القانوني ويعاقب عليه بغرامات تصل إلى 6 في المئة من حجم الإيرادات العالمية التي تجنيها الشركة. ويمكن منع الشركات من العمل في التكتل إذا لم تمتثل أكثر من مرة. وأعلن الاتحاد الأوروبي في 14 مارس عن تحقيق رسمي في موقع التجارة الإلكترونية الصيني علي إكسبرس حول الانتهاكات المحتملة لقانون الخدمات الرقمية في الاتحاد الأوروبي.
و ذكرت مجموعة المناصرة الأميركية غير الربحية بابليك سيتيزن أن المشرعين الأميركيين قدموا في 32 ولاية، من بداية2024 حتى الآن، 52 مشروع قانون لتنظيم التزييف العميق في الانتخابات. ومن المرجح أن تكون لوائح الذكاء الاصطناعي الأولية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إلى جانب تعهدات القطاع الخاص غير الملزمة، غير كافية لإجبار شركات وسائل التواصل الاجتماعي على الحد من زيادة محتوى الذكاء الاصطناعي التوليدي المنتشر على منصاتها على المدى القصير إلى المتوسط.
◙ الاتحاد الأوروبي يحاول أن يبرز أن لقانون الخدمات الرقمية أهمية بتحقيقاته المعلنة في ميتا وتيكتوك بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس وما تبعها من تضاعف المعلومات المضللة
ويحاول الاتحاد الأوروبي أن يبرز أن لقانون الخدمات الرقمية أهمية، بتحقيقاته المعلنة في ميتا وتيكتوك خلال أكتوبر 2023 بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس وما تبعها من تضاعف المعلومات المضللة وغيرها من “المحتوى غير القانوني” على منصتي التواصل الاجتماعي المذكورتين. لكن لم تمر سنة على وضع الاتحاد الأوروبي لائحته ولا تزال قدراته الكاملة على إنفاذها غير مختبرة إلى حد كبير. كما سيفشل قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي الأكثر قابلية للتطبيق في الإشراف على حالات استخدام الذكاء الاصطناعي وتخفيفها خلال انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو بسبب إرجاء إنفاذ القانون.
ولا يوجد أي تشريع فيدرالي يحكم استخدامات الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة يرقى إلى مستوى أي إشراف وتنظيم مجدّين في جهود التخفيف من الذكاء الاصطناعي في القطاع الخاص، وكيفية اعتماد مرشحي الرئاسة الأميركية لهذه التكنولوجيا قبل انتخابات نوفمبر. وحتى مع توقيع العديد من المنظمات في القطاع الخاص على تعهدات الذكاء الاصطناعي الدولية، يبقى من المرجح أن يؤدي الغموض في صياغة هذه الاتفاقيات وغياب متطلبات ملزمة إلى تقويض الجهود الملموسة الأساسية في مكافحة المعلومات المضللة التي تولدها الشركات.
وبينما تعهدت الشركات الغربية التي تقود قطاع الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك غوغل وميتا وأوبن إيه آي، بتقديم ضمانات على منشئي الذكاء الاصطناعي التوليدية، لم تُطرح العديد من أدوات الشفافية المقترحة بعد وربما لايزال من الممكن تجنبها باعتماد الحلول البديلة. وتعتمد هذه شركات (مثل ميتا) سياسات انتخابية أخرى، وتدعي أن مشرفي المحتوى يزيلون المعلومات الخاطئة حول “تواريخ التصويت ومواقعه وأوقاته وطرقه أو تسجيل الناخبين أو نسبة المشاركة” والمنشورات الكاذبة التي تهدف إلى التدخل في المشاركة المدنية لشخص ما.
ولكن هذه السياسات فشلت حتى الآن في الحد من انتشار المعلومات المضللة التي تفشت خلال العديد من الأزمات الدولية الأخيرة، بما في ذلك الحرب بين إسرائيل وحماس. ومن المرجح أن ينتشر المحتوى الاصطناعي على منصات التواصل الاجتماعي قبل انتخابات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بسبب هذه الضمانات غير الكافية. وسيعزز هذا من جاذبية المعلومات المضللة ويؤجج المظالم الاجتماعية في عدد من البلدان. كما من المرجح أن يفاقم محتوى التزييف العميق الأكثر إقناعا مخاطر السلامة والمخاطر اللوجستية الموجودة بالفعل في بعض الدول الغربية (كالدول الأوروبية التي تواجه احتجاجات المزارعين المتواصلة).