الغرب يترقب بروز المجازف الأول في مواجهة الصين

ترامب تسبب في تصدعات مع حلفاء الولايات المتحدة القدامى تعوق تحقيق موقف موحد من الصين.
السبت 2020/07/18
الصين قوية بما يكفي اليوم

واشنطن - يعد التعامل مع الصين أمرا معقدا للغاية فقد أصبحت لها مفرداتها الخاصة، فهناك “الارتباط والاحتواء والمواجهة والتقييد” وغيرها. وفي ظل كل هذا، تواجه الحكومات قوة لم تعد ببساطة ”صاعدة”. فالقيادة في عهد شي جين بينغ ترى أن الصين قوية الآن لدرجة أنها تستطيع أن تفرض بعزم أجندتها في الداخل والخارج لأنها بلغت حد قدرتها على الصمود أمام أي عقوبات تقف في طريقها.

وتقول وكالة بلومبرغ للأنباء في تقرير لها إن فرض تشي لقانون أمن قومي كاسح على هونغ كونغ رغم الغضب العالمي، ووقوع اشتباك عسكري مميت على الحدود مع الهند، ودبلوماسية بكين الشرسة في أثناء جائحة كورونا تعتبر مجرد أحدث الأمثلة على كيفية فشل السياسات الغربية إلى حد كبير في إبطاء تحرك الصين أو وقفه.

ومع إعطاء الولايات المتحدة لمبدأ ”أميركا أولا” الأولوية، وضعف الهيكل متعدد الأطراف القائم على أساس احترام القيم، بدأت الدول الآن تدرك بصورة متزايدة أنها تحتاج إلى إعادة تفكير. وحتى الآن تتركز الاستراتيجيات إلى حد كبير في معسكر من معسكرين: انتظار تحول الصين إلى دولة تتصرف بشكل أفضل من خلال جذبها إلى النظام العالمي بقواعده ومؤسساته، أو محاولة وقف تحركها في مساراتها من خلال الضغط الاقتصادي أو العسكري.

وقال فيرناندو شيونج، وهو نائب برلماني من دعاة الديمقراطية في هونغ كونغ “إن السياسات المفتوحة تجاه الصين من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كانت ذات هدف جيد ونفع متبادل، على أمل أن تنضم الصين إلى نظام العالم الحر أو على الأقل تتعلم التوافق معه، ولكن في ظل قوة اقتصادية وقوة عسكرية متزايدة، أصبح من الواضح أن تشي يعتقد أن النظام في ظل الحزب الشيوعي الصيني أفضل”.

كريستيان لامير: القروض ستؤدي حتما إلى زيادة نفوذ الصين
كريستيان لامير: القروض ستؤدي حتما إلى زيادة نفوذ الصين

ورأى بيتس جيل، وهو أستاذ لدراسات أمن آسيا – الباسفيكي بجامعة ماكواير في سيدني الذي يقدم استشاراته للشركات والأجهزة الحكومية، أنه بينما أدت جائحة كورونا إلى تسريع النقاش بشأن الصين ”تتمثل المشكلة في الافتقار إلى اتفاق حول الشكل الذي ينبغي أن يكون عليه العمل كفريق، فليست كل الحكومات ذات العقلية المتماثلة تكون متماثلة الآراء عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع التحديات التي تمثلها الصين”. كما أن التصدعات التي تسبب فيها ترامب مع حلفاء الولايات المتحدة القدامى تعوق أيضا تحقيق موقف موحد.

وطوال مدة كبيرة من فترة رئاسة ترامب، تجنب انتقاد الصين في ما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، وهو يتحول ما بين إعلان حرب تجارية والإعراب علانية عن إعجابه بالرئيس الصيني تشي. وفي الوقت الحالي تقوم الولايات المتحدة بتصعيد تصرفاتها من إجراءات أكثر قوة ضد عملاق الاتصالات هواوي إلى مطالبة وسائل الإعلام الصينية الرسمية بتسجيل نفسها كوكلاء أجانب إلى فرض عقوبات على كبار المسؤولين الصينيين.

وبيّن شي ينهونغ مستشار الحكومة الصينية وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة رينمين في بكين أنه “بالنسبة للصين، يعتبر التزامها بأولوياتها الداخلية، على سبيل المثال، قرار المضي قدما في فرض التشريع الأمني في هونغ كونغ، والتأكيد على بناء الاعتماد على النفس في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، والالتزام بالنظام السياسي الخاص بالصين بغض النظر عن الهجمات الأميركية، هي في حد ذاتها أكبر رد على الولايات المتحدة وإدارة ترامب”.

ويعتقد مسؤولون من دول متعددة أن الحل الوحيد للتعامل مع الصين هو التكاتف معا بصورة أفضل، مع أميركا أو دونها. وبدأوا يفعلون ذلك بطرق جديدة ومهمة، خاصة الدول الوسطى مثل أستراليا وكندا والهند والمملكة المتحدة، والتي طالما سعت للموازنة بين اعتمادها الاقتصادي على الصين ومخاوفها الإستراتيجية بالنسبة لتصرفاتها.

وحاولت الولايات المتحدة مؤخرا إصلاح بعض علاقاتها، وقال مسؤول كبير في إدارة ترامب واثنان من كبار الدبلوماسيين الغربيين في الصين إن الدبلوماسيين يسعون لحشد حلفاء في آسيا وغيرها من المناطق. ويتمثل جزء من الدعوة الواضحة لذلك في الحد من الاعتماد الاقتصادي على الصين عن طريق فك الارتباط بسلسلة الإمدادات، مع زيادة الاستثمارات المحلية في التكنولوجيا المتقدمة والتصنيع.

 ومع ذلك لن يكون الأمر سهلا. وفي اجتماع جرى مؤخرا مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، اقترح جوزيب بوريل مفوض الأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي إجراء حوار خاص مع الولايات المتحدة يركز فقط على الصين، ولكن مسؤولا قريبا من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حذر من أنه لا يجب أن يصبح الاتحاد الأوروبي وسيطا بين واشنطن وبكين، وذلك لأن أوروبا لها أجندتها ومقترحاتها الخاصة.

وأشار تشارلز ليو، وهو دبلوماسي سابق، ومؤسس شركة هاو كابيتال، وهي شركة أسهم خاصة، إلى أن دور الصين في التصنيع العالمي ومصالح الحلفاء الغربيين المكتسبة يجعل من الصعب على ترامب أن يدعو بصورة مقنعة إلى انفصال كامل عن ثاني أكبر اقتصاد في العالم. ويعتقد المتابعون أن الصين تستغل الأزمة الاقتصادية العالمية لمزيد توسيع نفوذها وتستعمل في ذلك ورقة “الديون” أمام عجز الغرب عن وقف طموحها.

وحذر كريستيان لامير وهو مؤسس شركة استشارات إستراتيجية مقرّها لندن ولاهاي، وأحد كبار الباحثين في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن في تقرير نشره بموقع “سنديكيشن بيورو”، من الديون الصينية للدول النامية والفقيرة، حيث تروج بكين أنها ممول بديل لتخفيف الضرر الاقتصادي الذي تعاني منه هذه الدول.

 وقد سلطت الأزمات الاقتصادية في دول الشرق الأوسط مثل لبنان الضوء على حقيقة أن الدول الأفقر أو الأصغر في الشرق الأوسط قد تتطلع للحصول على قروض من الصين لتمويل استثمارات البنية التحتية وتخفيف أزماتها المالية، وبالطبع فإن بكين راغبة في التفكير في هذا السيناريو.

ويشير لامير إلى أن تلك القروض ستؤدي حتما إلى زيادة نفوذ الصين: فمن الطبيعي أن يحافظ المرء على علاقة جيدة مع جهة الإقراض الخاص به، وعلى هذا ستزيد الديون من نفوذ بكين.

ويستنتج لامير أن الخطر يكمن في أن القروض لن تقدم سوى القليل من الفوائد للدولة المدينة، وفي الوقت نفسه، ستحرص بكين، والتي لها تاريخ في تقديم قروض لمشاريع غير مجدية تجاريا للحصول على منافع سياسية، على ضمان استرداد أي خسائر متكبدة من خلال وسائل أخرى إذا لزم الأمر.

6