الغابة الزرقاء في مياه البحر المتوسط مهددة بالانقراض

تتكاثر في أعماق البحر المتوسط نبتة البوسيدونيا الخضراء التي تشكل غابة زرقاء تحت الماء، ولها منافع مشابهة لتلك التي تعود بها الغابات المدارية على مستقبل كوكب الأرض، لكن هذه الأعشاب مهددة بالانقراض في تونس بسبب التلوث والصيد الجائر، وهو ما ستنجم عنه اختلالات كبيرة في النظام البيئي وعواقب وخيمة على قطاع الصيد، بحسب العلماء.
تونس - يتعرض النظام البيئي في البحر المتوسط للخطر، إذ يواجه عشب بوسيدونيا أوسينيكا، الذي يطلق عليه اسم “رئة البحر المتوسط”، تحديات غير مسبوقة بسبب تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة في البحر وغزو أنواع غريبة والأنشطة البشرية المباشرة بالقرب من السواحل.
هذا العشب البحري الفريد من نوعه متوطن في البحر المتوسط ويلعب دورا أساسيا في الحفاظ على استمرارية الأنشطة البحرية ومكافحة تغير المناخ؛ حيث يزود مياه البحر بالأوكسجين ويلعب دور كاسرات أمواج داخله.
وتقول رملة بوهلال، وهي مهندسة في الصيد البحري والبيئة البحرية وعضو جمعية “أزرقنا الكبير”، “البوسيدونيا نبتة معروفة بأنها رئة البحر لأنها المصدر الأول للأوكسجين وهي ‘بالوعة كربون’؛ الكربون الذي يعتبر مشكلة من المشاكل التي نعاني منها، وتعتبر غذاء للكائنات البحرية، وتعشش فيها الأسماك وتضع فيها البيض، فهي ملجأ للكائنات البحرية”.
وأضافت “من المهم أن نعرف البوسيدونيا التي تستوطن البحر المتوسط، فهي تعمل بواسطة عروقها على المحافظة على الرمال من التيارات البحرية وتساهم في التوازن البيئي. وفي تونس عندنا أكثر من 50 في المئة من البوسيدونيا الموجودة في البحر المتوسط كله”.
وتشكل البوسيدونيا أحواضا وتغطي ما بين 2 و2.3 مليون هكتار في البحر المتوسط، وتنبغي حمايتها تماماً، بعدما زال ما بين 10 و30 في المئة من البوسيدونيا في المنطقة منذ قرن.
وتتعدى أهمية البوسيدونيا مجرد إنتاج الأوكسجين؛ فهي وفقا لدراسة نُشرت في مجلة “نيتشر جيو ساينسز” تمتص ثاني أكسيد الكربون بفاعلية أكثر ثلاث مرات من الغابات الاستوائية.
وذكرت بوهلال أن “البوسيدونيا التي تمتد على مئات الكيلومترات وعلى عمق يتراوح بين متر واحد و40 مترا تحت سطح البحر تواجه تغير المناخ، كما تواجه اليوم مخاطر انقراضها لأن سخونة الماء تمنعها من النمو، علما وأنها تزهر في الخريف والربيع، وتنتج ثمارا عائمة تطلق عند تفتحها بذرة تعطي الحياة لنبتة جديدة بمجرد ترسبها في قاع البحر”.
ويؤكد أحمد غديرة، رئيس جمعية “أزرقنا الكبير”، الدور البيئي المهم لهذا العشب وخاصة في تنظيم المناخ. وقال “قمنا بمتابعة الموقع الذي تم فيه استزراع البوسيدونيا في إطار مشروع ‘المياريم’ الذي يهدف أيضا إلى تركيز علامات للحد الأعلى للبوسيدونيا القريبة من الشاطئ”.
وتُظهِر أحدث دراسة للجمعية أن كل هكتار من البوسيدونيا في خليج المنستير وجزر قوريا يمكنه تخزين أكثر من 350 طنا من الكربون. والجهود جارية لحماية وإعادة إحياء البوسيدونيا وخاصة في تونس.
تحتاج دول المتوسط إلى سن قوانين تتعلق بالمراسي التي تقوم بتمزيق أجزاء كاملة من الغابات الزرقاء
ويعمل غديرة وأعضاء فريقه على الحفاظ على هذا العشب من خلال إعادة إحيائه إما من دون تدخل عن طريق مراقبة تطوره أو بالتدخل عن طريق الزراعة.
وأضاف غديرة “للمحافظة على هذه المنظومة التي تكتسب أهمية كبرى نركز على المتابعة المستدامة لمعشبات البوسيدونيا وإعادة إحياء النشاط الذي يتمثل في زراعة هذه العشبة التي نعتقد في ضرورة أن تكون مؤطرة تحت خبرة مجموعة من الخبراء والمختصين”.
وهذه الجهود بالغة الأهمية بالنظر إلى أن تونس، على عكس دول مثل فرنسا، ليست لديها قوانين تحمي النظم البيئية تحت الماء.
وأردف قائلا “تقدم لنا البوسيدونيا الخدمات المناخية التي لا تقدر بثمن؛ فهي قادرة على تخزين الكربون خاصة الكربون العضوي؛ حيث تتجاوز حتى قدرة تخزين غابة الأمازون للكربون وفق
آخر دراسة قامت بها جمعية ‘أزرقنا الكبير’ على مستوى معشبات البوسيدونيا في خليج المنستير وفي جزر قوريا ووجدنا أن عندها قدرة تخزين تتجاوز 350 طنا في الهكتار الواحد”.
ومع استمرار تهديد تغير المناخ لهذه “الرئة الخضراء” الأساسية للبحر المتوسط، يظل السباق مستمرا لحمايتها من أجل مستقبل الأجيال القادمة.
ويؤكد خبراء البيئة أن الأنشطة البشرية، كالتلوث وتأهيل الشريط الساحلي واستخدام مراكب الصيد بطريقة غير قانونية، عوامل تؤثر سلبا على نمو البوسيدونيا، بالإضافة إلى تصحر الشواطئ وانجراف الرمال نحو البحر.
ونبّهت شبكة عالمية من المدافعين عن البيئة في جزيرة كورسيكا الفرنسية إلى أهمية حماية البوسيدونيا، لما تتمتع به من فاعلية في مكافحة التغير المناخي أكثر من أشجار الأمازون.
وقالت كاترين بيانت، رئيسة التخطيط المكاني البحري في الصندوق العالمي للطبيعة بفرعه الفرنسي، “تحتاج كل دول المتوسط إلى سن قوانين تحظر رسو القوارب على أعشاب البوسيدونيا البحرية، لأن هذه المراسي تقوم بتمزيق أجزاء كاملة من هذه الغابات الزرقاء”.
ويؤكد الخبراء على أهمية الحصول على معرفة كاملة بوجود الأعشاب البحرية في البحر المتوسط والضغوط التي تتعرض لها، ومن ثم اتخاذ تدابير لحمايتها كتوحيد القوانين ورسم الخرائط ونصب العوامات بسرعة لتتمكن القوارب من الرسو من دون أن ترمي المراسي في المياه.