العنف عند الشباب لا تختزل أسبابه في المخدرات

الأجيال الجديدة تعيش اختلالا في منظومة القيم مع تنامي أنماط العنف الافتراضي.
الأحد 2021/01/10
الخروج عن القانون كمحاولة لإثبات الذات

تشهد الجرائم وقضايا العنف بين الشباب انتشارا متزايدا في معظم الأقطار العربية والأوروبية، وانتقلت أيضا إلى العالم الإلكتروني مع تنوع في الطرق والأساليب التي لا تقل خطورة عن العالم الحقيقي. ويؤكد خبراء الاجتماع، عكس ما هو شائع، أن المخدرات ليست السبب الرئيسي لهذه الجرائم، وأن هناك الكثير من الأسباب الأخرى التي لا بد من الوقوف عندها ومحاولة معالجتها.

تونس – شهد الصيف الماضي في أقل من 48 ساعة وفي أربع ولايات (محافظات) تونسية حدوث جرائم اغتصاب جماعي وخطف لأطفال لم يتجاوز سنهم 15 عاما. وأثبتت التحقيقات أن جميع مرتكبي هذه الجرائم هم من مدمني الأقراص المخدرة من نوع ”فرعون”، غير أن تبرير الجريمة بين الشباب بإلقاء التهم على المخدرات يبقى محل جدل.

وذكر مصدر من الحرس الوطني التونسي أن مخدر “فرعون” يعتبر من أخطر وأحدث أنواع المخدرات التي ظهرت في تونس في أواخر العام 2019. وتصنف ضمن حبوب الهلوسة حيث تُسبّب حالة من العدوانية لدى المدمن تجعله قادرا على ارتكاب جرائم بشعة على غرار الاغتصاب والسطو المسلح تحت تهديد السلاح والعنف والقتل دون إدراك لحجم الجريمة البشعة التي نفّذها، وذلك بسبب إحداث تغيرات خطيرة في كيمياء المخ.

لكن ماذا عن تلك الجرائم العديدة التي حدثت قبل العام 2019، والجرائم الكثيرة الأخرى التي لم يَثبُت أن مرتكبيها قد تعاطوا أي نوع من أنواع المخدرات وحبوب الهلوسة والحشيش؟

وليس من باب الصدفة أن غالبية الجناة هم من الشباب بحسب إحصائيات ودراسات دولية. لكن الأسباب متعددة وأحدها الحبوب المخدرة بأنواعها، غير أنه ليس السبب الوحيد كما تروّج لذلك الأوساط الشعبية. ويتبادر إلى الأذهان فور الحديث عن أي جريمة بشعة أن صاحبها من المدمنين على تناول المخدرات.

وقد زادت جرائم الشباب في المجتمع التونسي خلال السنوات الأخيرة وخاصة المتصلة منها بالسلب والسطو وقطع الطريق، إضافة إلى جرائم الاغتصاب بأنواعها ومنها الاغتصاب المقترن بالقتل. ويربطها خبراء اجتماع باختلال منظومة القيم وتنامي أنماط العنف الافتراضي وتغيير النمط الاستهلاكي في البلاد.

مبالغة في التقديرات

يرى البعض أن جرائم قتل الأبناء والآباء موجودة في جميع أنحاء العالم ولا تعتبر ظاهرة ولكن مواقع التواصل الاجتماعي وانتشار وسائل الإعلام هما ما سلّطا الضوء عليها وبالغا في تقدير حجمها.

وقال المختص في علم النفس عبدالباسط الفقيه إن “تسليط الأضواء على مثل هذه الحوادث المتكررة والاعتيادية أحيانا في جميع المجتمعات هو السبب في تضخيمها على هذا النحو”.

ونوّه الفقيه بأن “الإحصائيات تظهر ارتفاع وتيرة العنف مؤخرا لكنها لا تزال في حدود طبيعية دون انفجار”. وعزا أسباب تنامي معدلات الجريمة إلى عدة أسباب أبرزها، “ضعف روابط العلاقات العائلية، إضافة إلى الانقطاع المبكر عن الدراسة”.

حسين الخزاعي: الشباب يجب توجيههم ومتابعتهم من أهاليهم وليس مراقبتهم
حسين الخزاعي: الشباب يجب توجيههم ومتابعتهم من أهاليهم وليس مراقبتهم

وأضاف “أغلب الشباب لاسيما في مراحل المراهقة، باتوا ضحايا ظاهرة العنف الافتراضي عبر الألعاب والتطبيقات الإلكترونية دون رقيب”.

ويمثّل عنف الشباب مشكلة صحية عمومية عالمية، وهو يشمل العديد من الأفعال، بدءا من التنمّر والشجار مرورا بالاعتداءات الجنسية والجسدية الأشدّ خطورة وصولا إلى جرائم القتل.

ووفق تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لعام 2019 فقد ارتفعت حوادث الاغتصاب لتسجل قرابة 1500 حالة سنويا، مقارنة بـ800 حالة سنويا وفق أحدث إحصاء لوحدة الطب الشرعي في تونس.

وذكرت لطيفة التاجوري أستاذة علم الاجتماع، المتخصّصة في الجريمة، أن “فئة الشباب هي الأكثر تأثرا بهشاشة الوضع الراهن في تونس”، مشيرة إلى أن أكثر من 80 في المئة، ممَن يرتكبون الجرائم هم من الشباب (بين 18 و30 سنة).

ودعت التاجوري إلى زيادة الاهتمام بهذه الفئة من خلال رؤية مجتمعية واضحة المعالم، تستهدف فئات الشباب والأطفال، باعتبارهما الأكثر عرضة للاهتزازات التي تعيشها تونس بعد عام 2011، والتي أثّرت مباشرة في منظومة الأسرة التي لم تعد تعمل بشكل طبيعي، بحسب تقديرها.

وأشارت إلى أن “التناول الإعلامي لظاهرة الجريمة والإمعان في إعادة إنتاجها في شكل مشهدية للمتابعين قد يشجّعان عن غير قصد بعض الفئات الهشة على ارتكابها، لأن المجرم الكامن والباحث عن ذاته في المجتمع قد يجد في ارتكابها نوعا من الاعتراف المجتمعي من خلال وسائل الإعلام”.

عبء عالمي

تقول منظمة الصحة العالمية إن كل عام يسجل حدوث نحو 200 ألف جريمة قتل بين الشباب في جميع أنحاء العالم. وتتباين معدلات القتل التي تُسجّل بين الشباب بشكل كبير، غير أنّ الذكور يشكّلون في كل البلدان معظم مرتكبي جرائم القتل وضحاياها. أمّا معدلات جرائم القتل المُسجّلة بين الإناث فهي أكثر انخفاضا بكثير في كل الأماكن تقريبا.

ومقابل كل شاب يُقتل هناك 20 إلى 40 شابا يتعرّضون إلى إصابات تقتضي دخولهم المستشفى لتلقي العلاج. وتنطوي الإصابات العنيفة غير المميتة على هجمات بالأسلحة النارية، وعلى استعمال أكبر للأيدي والأقدام والسكاكين والعصيّ.

ولا تسهم جرائم القتل وحالات العنف غير المميتة المُسجّلة بين الشباب بقدر كبير في العبء العالمي الناجم عن الوفيات المبكّرة والإصابات والعجز فحسب، بل تلحق أيضا آثارا خطيرة بوظائف الشخص النفسية والاجتماعية تدوم مدى الحياة في غالب الأحيان. ويمكن أن يؤثّر ذلك على أسر الضحايا وأصدقائهم ومجتمعاتهم المحلية.

ويزيد عنف الشباب بشكل كبير من التكاليف الصحية وتكاليف خدمات الرعاية والعدالة الجنائية، ويتسبّب في خفض الإنتاجية وتراجع قيمة الممتلكات وتفكيك النسيج الاجتماعي عموما.

وتطورت أساليب الجرائم وطرقها مع تطور التقنيات في العصر الراهن، حيث كشف تقرير صادر عن وزارة الداخلية السعودية أن الفئة العمرية من 25 إلى 30 سنة هي أكثر نسبة من المتورطين في الجرائم الإلكترونية، بالإضافة إلى اقتراف جرائم الاعتداء على النفس.

وأوضح الاختصاصي النفسي مشعل القرشي، أن “الفئة المحددة بتلك الإحصائية هي فئة الشباب ما بعد المرحلة الثانوية، وفي تلك المرحلة يعاني بعض الشباب من عدم وضوح الرؤية المستقبلية استنادا إلى عدم القبول الجامعي إما لتدني المعدلات وإما لعدم توفر التخصصات المطلوبة أو المقاعد الكافية، فيعاني الشاب من حالة فراغ تامة وتوهان فكري يجعلانه عرضة لصراع نفسي كبير، فهو غير مكتفٍ ماديا ويعاني ضغوط الأسرة عليه كونه عالة عليها”.

وأضاف “كل ذلك من شأنه أن يدفع به إلى العوالم الرقمية في محاولة لخلق عالم جديد يجد فيه نفسه، ولقلة الخبرة، وللوقوع تحت تأثير جماعات معينة تمارس أعمالا يمكن أن نصنفها أعمالا إجرامية، فإنه يمارس الأفعال نفسها وبالطرق ذاتها.. ذلك على مستوى الإنترنت، أما على أرض الواقع، فقد يدفعه الفراغ مع ضعف الدخل المادي أو انعدامه إلى ارتكاب جرائم متعددة هادفا بذلك للحصول على مبالغ مادية”.

جرائم حديثة

المجتمع الذكوري يتغاضى عن بعض جرائم الشباب
المجتمع الذكوري يتغاضى عن بعض جرائم الشباب

تشكل الجرائم الإلكترونية خطورة على الدولة ومرافقها، أضعاف الجرائم التقليدية، وذلك لسهولة ارتكابها وصعوبة القبض على الفاعل في بعض الأحيان، الأمر الذي يشكل تحدّيا أمام الجهات الأمنية المنهمكة في متابعة الجرائم التقليدية على مدار الأعوام الماضية، بينما ظهرت أمامها الجرائم الإلكترونية وهي متعددة الأشكال وواسعة الانتشار.

وعلى سبيل المثال، فإن السارق يدخل إلى بنك أو مؤسسة مالية يحمل سلاحا بقصد سرقة ما في البنك من أموال، ولن يستطيع أن يحمل أكثر مما تستطيع يداه أن تحمله مهما كانت الوسيلة المخصصة لذلك. وهذا لا يذكر إذا ما قورن بما يستطيع أن يقوم به السارق الإلكتروني، بمعنى أنه يستطيع أن يخترق الحساب لينقل مئات الملايين من الحسابات عبر اختراق شبكة البنك إلى حساب آخر وهمي قد يصطنعه.

وبالرغم من عدم توفر أرقام حول خطورة الجرائم الإلكترونية، إلا أن هذا النوع من الجريمة تتزايد خطورته مع تطور التقنيات الحديثة وقدرة الجيل الجديد من الشباب على امتلاك مهارة كبيرة في التعامل مع التكنولوجيا، خصوصا في المجال المالي والحقوق المصرفية ويمكنه اختراق الشبكات.

ويحذر مسؤولون أردنيون من زيادة كبيرة في الجرائم الإلكترونية المركّبة نتيجة التطور التكنولوجي الذي يشهده الأردن في الأعوام الأخيرة.

وشهدت أعداد الجرائم الإلكترونية التي تتعامل معها وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية الأردنية ازديادا مطردا خلال الأعوام الماضية، فيما يعتقد القائمون على الوحدة أن عدد الجرائم غير المبلّغ عنها كبير نسبيا.

وصرّحت إدارة البحث الجنائي في شهر يوليو الماضي، أن مجموع الجرائم الإلكترونية التي ارتكبت خلال فترة حظر التجوال مع بدء جائحة فايروس كورونا المستجد وصل إلى 3 آلاف جريمة، فيما أشارت إلى تعاملها مع 4 آلاف جريمة إلكترونية منذ بداية العام 2020 وإلى غاية أواخر شهر يونيو الماضي.

وقال حسين الخزاعي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية، “إن هناك ضرورة ملحة من حيث توجيه الشباب ومتابعتهم من الأهل وليس مراقبتهم تفاديا لممارستهم السلوكيات الخاطئة والتقليد الأعمى لأصدقائهم، خاصة وأنهم بطبيعتهم فضوليون ومحبون للمغامرات”.

وبين الخزاعي أنه “في حال استخدم الشباب مواقع التواصل الاجتماعي على انفراد، دون توجيه أو متابعة من الأهل، ومع غياب المسؤولية المجتمعية والوازع الديني، فإنهم سيستعملون المواقع الإلكترونية بشكل خاطئ، ويخرجون كل الدوافع الذاتية التي لديهم بطريقة سلبية”.

القانون مسؤول

جرائم القتل والعنف بين الشباب تسهم بقدر كبير في العبء العالمي وتلحق آثارا خطيرة بوظائف الشخص النفسية والاجتماعية
جرائم القتل والعنف بين الشباب تسهم بقدر كبير في العبء العالمي وتلحق آثارا خطيرة بوظائف الشخص النفسية والاجتماعية

أفادت دراسة لمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية بأن هناك العديد من الأسباب وراء ظاهرة تزايد أعداد الجرائم بأنواعها المختلفة في الأردن. وأقرت بأن أحد هذه الأسباب يتمثل في عدم صرامة القوانين وفاعليتها، حيث أن تطبيقها لا يخضع إلى أسس شفافة وفي بعض الأحيان تتدخل القوانين العشائرية وتحول دون التطبيق الدقيق لهذه القوانين.

وأضافت الدراسة أن عدم التطبيق الشفاف والصارم لعقوبة الإعدام في حالات القتل العمد أدى إلى انتشار عادات الثأر والقتل ومحاولة البعض أخذ حقه بيده لاعتقاده بإمكانية إفلاته من العقاب.

وأكدت أن الثورة في وسائل نقل وعرض المعلومات وخاصة وسائل الإعلام غير المسؤولة ساهمت في الإخلال بمنظومة القيم لدى الشباب من خلال انتشار أفلام العنف والجنس والترويج للقيم والثقافات الأجنبية دون مراعاة للقيم والأعراف المحلية.

ومن ناحية أخرى أشارت الدراسة إلى حدوث تشوهات طبقية اجتماعية ساهمت في شحن الأجواء العامة وزيادة الميل نحو العنف والتطرف الفكري والانحلال الأخلاقي والاجتماعي.

وبيّنت أن التراجع الاقتصادي وتفاقم مشكلة الفقر والبطالة يوفران بيئة خصبة لانتشار الجريمة ويلحقان الضرر بالاستقرار الاجتماعي والأمني، كما أن سوء توزيع الدخل والثروة ينمّي الشعور بالحرمان والحسد ويساهم في غرس بذور الجريمة.

كما أن بعض الجرائم ترتكب من قبل أشخاص صغار في السن وقاصرين يتم إصدار أحكام مخففة بحقهم ويوضعون في سجون وبيئة يفترض أن تكون إصلاحية لكنها تساهم في المزيد من تلويث أفكارهم وإثارة مشاعر الحقد والضغينة لديهم، الأمر الذي يؤدي إلى معاودة اقترافهم للجرائم مرة أخرى.

وأكدت الدراسة أن هذه الأسباب مجتمعة ساهمت في تطور أنواع جديدة من الجريمة شملت انتحال الشخصيات، والمطاردات البوليسية، وخطف الحقائب والجرائم الإلكترونية والاتجار بالبشر، والاحتيال الإلكتروني وغسيل الأموال.

19