العمليات الفردية الفلسطينية في الضفة والقدس والمدن الإسرائيلية: الدلالات والانعكاسات

الارتباط بين العمليات الفردية وحرب غزة عامل مساهم وليس مسببا رئيسيا.
الخميس 2024/08/22
التصعيد يولد التصعيد

لا يبدو الارتباط بين زيادة العمليات الفلسطينية الفردية ضد إسرائيل وحرب غزة مسببا رئيسيا، حسب محللين، وإنما هو عامل مساهم ومعزز. وشكلت العمليات الفردية ضد المصالح الإسرائيلية في الضفة والقدس وحتى داخل تل أبيب نفسها أداة للتعبير عن مظالم وانعكاسا لغياب آفاق الحل السياسي.

رام الله - استطاعت إسرائيل إثر عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس تحييد الضفة الغربية بشكل كبير عن مجريات عمليتها العسكرية في قطاع غزة، لكن ذلك لم يدم طويلا حيث استؤنفت العمليات الفلسطينية الفردية ضدها في الضفة والقدس وحتى داخل جغرافيتها  تزامنا مع تواصل العمليات العسكرية في القطاع.

وشكلت العمليات الفردية ضد إسرائيل عنصرا أساسيا في الردّ على المظالم التي يتعرض لها الفلسطينيون في الضفة الغربية، إذ عادة ما تتبناها فصائل فلسطينية، لكن العمليات التي لا تصدر عن الفصائل وتنفذ بصفة منفردة ودون قيادة آخذة في الازدياد. وأوقعت العمليات الفلسطينية الفردية الأخيرة خسائر بشرية ومعنوية قياساً بالحسابات الإسرائيلية، ورفعت منسوب الخوف في صفوف الإسرائيليين الذين أصبحوا غير آمنين في المدن المركزية، وصار التفوق الأمني والعسكري الهائل غير قادر على إزالة التهديد الذي يقوّض أمنهم في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

وجاء في تقرير لموقع ستراتيجيكس أن العمليات الفردية بما تشمله من حوادث إطلاق نار ودهس وطعن وغير ذلك أصبحت نشاطاً مرافقاً لمجريات الحرب في قطاع غزة، فمنذ اندلاع الحرب حتى منتصف أغسطس الجاري استهدفت العمليات مجالاً جغرافياً واسعاً من مناطق الضفة الغربية والمدن الإسرائيلية، وذلك بالرغم من الحملات الإسرائيلية العسكرية والأمنية الاستباقية، والتي من بينها الاجتياحات شبه اليومية وحملات الاعتقال وتوسيع استخدام المسيرات بهدف اغتيال قادة المجموعات الفلسطينية المسلحة شمال الضفة، بالإضافة إلى اختلاف العوامل والمعطيات بين ساحات النشاط المسلح الفلسطيني، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية والقدس الشرقية أو المدن الإسرائيلية.

ويضيف الموقع أن ذلك يدفع إلى التساؤل عن دلالات تلك الحوادث ودوافعها وانعكاساتها، ومدى ارتباطها بالحرب في قطاع غزة والمعاناة الإنسانية غير المسبوقة، ودعوات قادة الفصائل المسلحة العسكريين والسياسيين لقواعدهم والمتعاطفين معهم خارج غزة إلى الانخراط في معركة طوفان الأقصى، بالإضافة إلى مستوى تأثرها بارتفاع وتيرة الإجراءات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في الداخل وفي الضفة الغربية، وانعكاس ذلك التأثير على حالة التزايد أو التراجع في كمّ العمليات صعوداً وانخفاضاً.

◙ توسيع دائرة الاستيطان والتخوف من التهجير وانسداد آفاق الحل السياسي تغذي العمليات الفلسطينية الفردية

ومن الناحية النظرية والموضوعية لا يُمكن تفسير التصعيد في الضفة الغربية بطرفيه الفلسطيني والإسرائيلي في سياق دعوات الفصائل المسلحة في قطاع غزة إلى تكثيف النشاط المسلح ضد الأهداف الإسرائيلية فقط، وفصله عن سياق الحرب في قطاع غزة، وشعور العديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية وإسرائيل بضرورة إظهار التضامن مع أهالي قطاع غزة، ورد الفعل على الممارسات الإسرائيلية. لكن من ناحية أخرى قد يُغفل حصر التصعيد بالحرب أيضاً العوامل المغذية له سواء في الضفة الغربية أو في الداخل الإسرائيلي، وعلى مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية والمعيشية بشكل عام.

وبشكل أكثر تفصيلاً يتخذ التصعيد شكلين رئيسيين، أحدهما منظم والآخر فردي. وبالرغم من اتساع مصطلح “تصعيد فردي” من حيث المفهوم والتوصيف، إلا أنه يُعنى أساسا بتلك العمليات التي يُنفذها مسلح أو أكثر، وتبقى دون عتبة الاشتباك، ولا تتبع تكتيكاً واضحاً أو إستراتيجية محددة، وأغلب منفذيها لا يتركون رسائل أو يُسجلون وصايا قبل التنفيذ، ودون اشتراط تبني خطاب أيديولوجي معين، وتنفذ باستخدام وسائل هجومية متعددة، من بينها إطلاق النار وعمليات الطعن وهجمات الدهس وتفجير العبوات الناسفة.

وكل ذلك يفصلها عملياً عن الاشتباكات المستمرة بين المجموعات الفلسطينية في شمال الضفة الغربية والجيش الإسرائيلي. وكشف تعداد العمليات الفردية خلال الحرب في قطاع غزة عن التغيرات التي طالت هذا النشاط المسلح منذ بدايته عام 2015، باعتبار أن العمليات الفردية عبر السنوات تتخذ طابع الموجات وشكلها، بصعودها وهبوطها، وفقاً لمجريات الصراع، وارتباطاً بأحداث معينة أو مفصلية. وفي ضوء الوضع الجديد الذي فرضته الحرب والإجراءات الإسرائيلية المُتشددة في الضفة الغربية وتجاه فلسطينيي الداخل، زادت وتيرة العمليات.

وبلغ عدد العمليات الفردية منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023 حتى منتصف أغسطس الجاري حوالي 37 عملية، وشهد شهر مارس الماضي العدد الأكبر من العمليات الفردية بواقع 6 عمليات، تليه شهور نوفمبر وديسمبر 2023 وأبريل 2024 بواقع 5 عمليات في كل منها، فيما كانا شهري مايو ويونيو 2024 الأقل بواقع عملية واحدة في كل منهما.

وتوزعت العمليات الفردية بين 17 عملية إطلاق نار، و12 عملية طعن، و5 عمليات دهس و3 عمليات مزدوجة؛ تضمنت استخدام أداتين. ومن بين 37 عملية فردية أوقعت عملية إطلاق النار في القدس بتاريخ 30 يوليو 2024 أكبر عدد من القتلى بواقع 4 قتلى.

ويشمل نطاق العمليات الفردية الجغرافي القدس وتل أبيب وحيفا والطيرة وبئر السبع وأسدود وجنوب النقب والرملة وطولكرم وقلقيلية ونابلس وجنين ورام الله والبيرة وأريحا والخليل وبيت لحم والأغوار الشمالية، نُفذت غالبيتها في القدس بواقع 9 عمليات، ثُم حوالي 4 عمليات في مركز الضفة الغربية وفي محيط رام الله والبيرة.

وتوزعت العمليات على امتداد النطاق الجغرافي للضفة الغربية، حيث نفذت في شمال الضفة الغربية 5 عمليات في مناطق نابلس وجنين، و4 عمليات في قلقيلية غرب الضفة الغربية، وعمليتان في جنوب الضفة في الخليل وبيت لحم، و3 عمليات في أريحا والأغوار الشمالية. وفي إسرائيل وقعت عمليتان في كل من تل أبيب وحيفا وأسدود، وعملية واحدة في بئر السبع وجنوب النقب والرملة وفي مدينة كرميئيل بالجليل الأعلى.

وبالرغم من انخفاض وتيرة العمليات الفردية خلال فترة الحرب، أو اتساقها ضمن مسار متذبذب مُقارنة بالسنوات السابقة عموماً، إلا أنها من حيث النوع شهدت سمات مستجدة، من بينها نقلها من سياق العفوية إلى التنظيم والتخطيط، ومن الأمثلة على ذلك تنفيذ عمليات عبر التسلل من الضفة الغربية إلى إسرائيل.

وبالرغم من أن ذلك كان يُهدد بتعثر المهاجم نتيجة القبض عليه أو إحباط عمليته، إلا أن محاولات إظهار القدرة على تنفيذ عمليات داخل إسرائيل كانت حاضرة في ثلاث عمليات تسلل خلالها المنفذون بتصاريح غير قانونية، في وقت ألغت فيه إسرائيل المئات من تصاريح العمل لمواطني الضفة الغربية للحد من العمليات الفردية. وذلك في محاولة لإرباك المنظومة الأمنية الإسرائيلية. كما اتسع النطاق الجغرافي للعمليات خلال فترة الحرب، إذ وقعت عمليات فردية على رقعة جغرافية واسعة طالت مختلف مدن ومناطق الضفة الغربية، ونُفذت في 7 مواقع ومدن إسرائيلية.

وتُبين النتائج السابقة التأثير الواضح لحالة الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني على العمل كساحة مشتركة وموحدة، باستثناء الحالات التي تُمس بها المسائل الأكثر مركزية في القضية الفلسطينية مثل الوضع القائم في القدس الشرقية والمقدسات الإسلامية، وكذلك ما يتعلق بالمخاوف الفلسطينية من التهجير، والمرتبطة بذاكرة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

ويُظهر ذلك ارتباطاً بين العمليات الفردية والحرب في قطاع غزة، بوصفه ارتباطا مساهما ومعززا وليس ارتباطا قائما بحد ذاته أو مسبباً رئيسياً، بالنظر إلى وتيرة العمليات ونطاقها ونوعها مقارنة مع الشكل الذي كانت عليه منذ انطلاقها في العام 2015، حيث تحافظ هذه العمليات على استمراريتها نظراً لضعف الفصائل والتنظيمات المسلحة في الضفة الغربية، وترتفع أو تنخفض العمليات الفردية وفق مسار الصراع بشكل عام، وهذا يُفسر ارتفاعها المحدود خلال فترة الحرب في قطاع غزة.

6