العمالة السورية في الأردن: رافد تنموي أم عبء مجتمعي

يواصل الأردن اختبار طرح يذهب إلى القول بأن العدد الكبير من اللاجئين السوريين قد يساعد في تعزيز اقتصاد البلاد المتعثر. وأطلقت عمان مؤخرا جملة من التدابير لتسهيل إدماج السوريين في سوق العمل وقوننة أوضاعهم، فيما لا تروق الإجراءات الحكومية لشريحة واسعة من الأردنيين الذين يحمّلون اللاجئين مسؤولية بطالتهم.
عمان – بددت تصاريح العمل المرنة والإعفاء من تكاليف تصاريح العمل هواجس الآلاف من السوريين العاملين في الأردن، ما يساهم في تحولهم من عبء مجتمعي إلى رافد للتنمية. إلا أن الحكومة الأردنية حذرت العاملين المخالفين لسوق العمل من مغبة المساءلة القانونية ما لم يسوّوا وضعياتهم وفق الإجراءات المعمول بها في المملكة.
ودعت وزارة العمل الأردنية الأربعاء العمال غير الأردنيين من حملة الجنسية السورية التي لا تحمل تصاريح عمل أو التي لم يتم تجديدها إلى المضي في إجراءات الحصول على تصاريح عمل حتى يكون تواجدهم في سوق العمل قانونيا ولا يخالف أحكام قانون العمل تجنباً لأي إجراءات قانونية بهذا الخصوص.
وأكد الناطق الإعلامي للوزارة محمد الزيود أن هذه الدعوة للعمالة غير الأردنية من حملة الجنسية السورية تأتي في سياق جهود الوزارة لتنظيم سوق العمل واستكمالاً لإجراءاتها الهادفة إلى تنظيم أوضاع العمالة غير الأردنية المتواجدة على أراضي المملكة.
وأكد الزيود أن تصريح العمل هو حماية لكل من العامل وصاحب العمل، مشيراً إلى أن العمل بشكل مخالف يعرض كلا من صاحب العمل والعامل للمساءلة القانونية.
ويمكن اعتقال السوريين الذين يتم ضبطهم أثناء العمل بشكل غير قانوني، واحتجازهم، وإرسالهم إلى مخيم الأزرق للاجئين، وفي بعض الحالات يتم ترحيلهم إلى سوريا.
ووقعت مؤخرا اتفاقية بين وزارة العمل والاتحاد العام لنقابات العمال بخصوص إصدار تصاريح عمل مرنة للعمالة السورية ضمن مجموعات مهنية عبر القطاعات الاقتصادية المختلفة.
وتشمل تصاريح العمل المرنة السماح للعامل غير الأردني بالانتقال إلى صاحب عمل آخر عند انتهاء تصريح عمله أو إلغائه دون الحاجة إلى إحضار براءة ذمة من صاحب عمله السابق بالنسبة إلى الجنسيات غير المقيدة بالإقامة في القطاعات المسموح بها. وشمل القرار السماح بإصدار تصاريح العمل المرنة للمجموعات المهنية في كل من القطاعين الزراعي والإنشائي.
وبددت الإجراءات الحكومية الأردنية هواجس الآلاف من السوريين الذين يعيشون أوضاعا اقتصادية صعبة، كما بددت مخاوفهم من فقدان عملهم الذي لا يدر عليهم الكثير وبالكاد يكفيهم لتلبية حاجياتهم اليومية.
وكان إحضار شهادة براءة ذمة من صاحب العمل من أجل الانتقال إلى عمل آخر أحد أهم أسباب مخالفة العمال السوريين لقانون العمل الأردني وبالتالي عدم حصولهم على تصاريح قانونية.
ولطالما كان اللاجئون السوريون يعملون بشكل غير قانوني في المزارع الأردنية، ولكنهم كانوا يخاطرون باحتمال إعادتهم قسرا إلى بلادهم التي تمزقها الحرب في حال انكشاف أمرهم.
ورغم تبسيط وتسهيل إجراءات الحصول على تصاريح عمل قانونية لم يستجب الكثير من السوريين لدعوات متكررة من الحكومة الأردنية تحضهم على تسوية أوضاعهم.
وبالنسبة إلى الكثير من السوريين فإن مكاسب العمالة الرسمية لا تستحق الخسائر المحتملة. وتقول المنظمات الإنسانية إن بعض اللاجئين يخشون فقدان إمكانية الحصول على المساعدات أو فرصة إعادة التوطين في بلد ثالث. ويفضل آخرون البقاء بعيدا عن الأنظار بدلا من المخاطرة بتسجيل أسمائهم لدى حكومة لا يثقون بها تماما.
وأطلق الأردن في أكتوبر الماضي حملة على العمالة الوافدة غير القانونية بعد أن أمهلهم لتسوية وضعيتهم، إلا أن الاستجابة لم تكن في مستوى التوقعات.
ويسعى الأردن من خلال هذا الإجراء لمعالجة الاختلالات الموجودة في سوق العمل الذي يعاني ركودا ارتفعت معه نسبة البطالة في صفوف الشباب الأردنيين إلى 50 في المئة.
وسبق للسلطات الأردنية أن اتخذت على مدار الأعوام الأخيرة عدة قرارات من شأنها ضبط سوق العمل بما يسمح بتشغيل المزيد من الأردنيين في مختلف القطاعات، إلا أن البيانات الرسمية تشير إلى استمرار معدلات البطالة في الازدياد.
ويرى خبراء أن الرهان على ترحيل العمالة الوافدة غير القانونية لتوطين الوظائف وتقليص نسب البطالة لن يحل المشكلة، إذ أن العديد من القطاعات في المملكة تشهد نقائص كبيرة في اليد العاملة الماهرة المحلية وهي بحاجة إلى العمالة الوافدة.
ويرجعون ذلك إلى عدم إقبال الأردنيين على العمل في عدة قطاعات، منها قطاع الإنشاء والتعمير وقطاع الزراعة، بسبب ضعف مدخولها وكثرة ساعات عملها.
ويشير هؤلاء إلى ضرورة تدريب اليد العاملة الأردنية على ما ينقص سوق العمل وتأهيلها لتعويض العمالة الوافدة، إضافة إلى وجوب ملاءمة برامج التعليم لاحتياجات سوق العمل المحلية.
وتأثر البلد، الذي يستورد أكثر من 90 في المئة من حاجته إلى الطاقة ويعتمد على المساعدات بشكل مفرط، كثيرا بالأزمتين المستمرتين في كل من العراق وسوريا وخاصة أزمة اللاجئين.
وجراء ذلك تتعرض سوق العمل الأردنية لمنافسة قوية من قبل العمالة الوافدة، حيث تستوعب البلاد حوالي 2.9 مليون غير أردني.
الأردن يسعى لمعالجة الاختلالات الموجودة في سوق العمل الذي يعاني ركودا ارتفعت معه نسبة البطالة في صفوف الشباب الأردنيين
ويستضيف الأردن نحو 650 ألفا من اللاجئين السوريين المسجلين رسميا فيما تقول الحكومة الأردنية إن العدد 1.3 مليون، ولكن لم تسمح الحكومة للأغلبية الساحقة من هؤلاء بالعمل.
وكانت السلطات الأردنية تخشى أن يؤدي ذلك إلى خفض الأجور والاستحواذ على فرص عمل الأردنيين، علاوة على تشجيع اللاجئين على البقاء في الأردن بشكل دائم مما قد يثير الحساسيات والغضب على الحكومة.
أما الآن فيبدو أن السلطات الأردنية بدأت تختبر إمكانية أخرى، تتلخص في أن وجود هذا العدد الكبير من السوريين قد يساعد في تعزيز اقتصاد البلاد المتعثر.
وفي فبراير 2016 اتفق الأردن والمجتمع الدولي على اتباع نهج جديد جذرياً إزاء أزمة اللاجئين السوريين؛ فبدلاً من اعتبار اللاجئين عبئاً لا يمكن تخفيفه إلا من خلال المساعدات الإنسانية، يمكن اعتبارهم فرصة إنمائية تفيد الاقتصاد الأردني بأكمله، إذا توفرت لهم مستويات كافية من الاستثمار والإصلاحات الهيكلية.
وقوبل العقد مع الأردن بالترحاب باعتباره مخططاً محتملاً للبلدان المضيفة الأخرى التي تبحث عن سبل للحد من اعتمادها على مصادر المساعدات المتناقصة والتحول نحو استجابة إنمائية تساعد اللاجئين على الاعتماد على أنفسهم.
ويقول جون سبيكمان، الذي يقود جهود البنك الدولي لتطوير الفرص الاقتصادية للأردنيين واللاجئين السوريين، إن فريقه “مسرور جداً” بتنفيذ العقد مع الأردن.
ويضيف “بشكل عام، لا يعد مناخ الاستثمار في الأردن جيداً. بل إنه تراجع في السنوات الأربع أو الخمس الماضية. لكننا نشهد تقدماً ونحاول جاهدين أن نجعل هذا الاقتراح يحقق فوزاً مضموناً للأردن. وهناك فرصة لكي يصبح ذلك نقطة تحوّل”.