العلماء يكشفون سر بلورات الملح الغريبة في البحر الميت

البلورات الملحية وطريقة تحركها داخل ما تبقى من البحر الميت تثير اهتمام العلماء.
الأربعاء 2019/07/03
بحر العجائب

عمان – منذ الآلاف من السنين، توافد البشر على البحر الميت ليسبحوا ويسترخوا في واحدة من أملح بحيرات العالم، وأعمقها، كما أنها النقطة الأكثر انخفاضا على سطح الأرض.

يعتبر البحر الميت المنعزل عن البحار والمحيطات في الواقع بحيرة ملحية محاطة باليابسة، ثم أصبح أكثر ملوحة بمرور الوقت، حيث تتراوح درجة الملوحة فيه بين 30 و34 بالمئة، أي بنحو 10 أضعاف درجة ملوحة مياه البحار الأخرى التي تتراوح بين 4 و6 بالمئة.

أما السبب الذي يجعله الأكثر ملوحة، فهو بفعل موقعه الجغرافي. حيث يقع البحر في منطقة وادي الصدع التي تُغطي مساحة ألف كلم، ابتداء من طرف شبه جزيرة سيناء إلى الشمال نحو تركيا. وهي النقطة الأدنى ارتفاعا على سطح الكوكب.

ويساهم النشاط البشري في ارتفاع نسبة الملوحة، حيث استغلت المدن المياه العذبة المتدفقة من نهر الأردن التي كانت تغذّي البحر الميت لأغراض أخرى مثل الزراعة والتعدين ومياه الشرب.

الأملاح مفيدة للجسم
الأملاح مفيدة للجسم

ومع النقص في نسبة هذه المياه العذبة، يتبخر محتوى البحر الميت المالح ببطء، تاركا خلفه كميات هائلة من الملح.

وأثارت البلورات الملحية وطريقة تحركها داخل ما تبقى من البحر الميت اهتمام العلماء لعقود.

بعد أن تحولت نسبة مهمة من المياه العذبة بعيدا عن البحيرة ذات الملوحة العالية، لاحظ الباحثون أن بلورات الملح تترسب من الطبقة العليا من المياه لتتراكم في قاع البحيرة.

لم يفهم العلماء كيفية حدوث هذه الظاهرة الجيولوجية في البحر الميت، إذ تغيب هذه الحركة عادة في المياه شديدة الملوحة.

يقول الباحث رافائيل أويلون من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا في كاليفورنيا، “في البداية تتكون خيوط ملحية صغيرة لا يمكن ملاحظتها… لكنها تتفاعل مع بعضها البعض بسرعة أثناء تحركها للأسفل، وتشكل هياكل أكبر وأكبر”.

في بحث جديد، درس أويلون وفريقه ظاهرة “نزول الملح” في البحر الميت، واكتشفوا ما الذي حدث.

عندما تشع الشمس على البحر الميت، تصبح الطبقة العليا من البحيرة أكثر دفئا من المياه الباردة أسفلها، ويتبخر الماء عند هذا السطح الساخن، مما يحول الطبقة العليا إلى الجزء الأكثر ملوحة. لكن، كيف تبدأ بلورات الملح الناتجة عن التبخر رحلتها إلى أعماق البحر الميت؟

سنة 2016، قدّم بعض الباحثين تفسيرا محتملا. ومثّل البحث الجديد الاختبار الأول لهذه الفرضية.

قبل اليوم، لم يفهم الباحثون كيفية انتقال الملح بين طبقات البحر الميت، لأن المياه الدافئة والباردة لا تختلط بسهولة في العادة.

بحر لا يغرق فيه أحد
بحر لا يغرق فيه أحد

في البحث الجديد، وضّح أويلون وفريقه كيفية حدوث العملية، وكيف يمكن للأمواج أو غيرها أن تدفع نسبا صغيرة من الماء الدافئ إلى أسفل لتخلط مع الماء البارد.

عندما يحدث هذا، يبرد الماء الساخن، مما يجعله يفرغ محتواه الملحي الذي ينزل إلى قاع البحيرة وكأنه ثلج هابط من السماء ليكسو الأرض.

وكتب المؤلفون المشاركون في الدراسة، أن النتيجة تكمن في تدفق الملح إلى أسفل مما ينقص تشبع الطبقة العليا مقابل زيادة في تشبع الطبقة السفلية الأبرد التي تصبح غير قادرة على إذابة المزيد من الملح.

وأشاروا إلى أهمية هذا البرهان على فهم الملح الصخري من زاوية جيولوجية.

تحدّث الباحث في ديناميكيات السوائل، إيكارت ميبورغ قائلا، “تحتوي العديد من الأماكن حول العالم على رواسب ملحية سميكة في قشرة الأرض، ويمكن أن يصل سمك هذه الرواسب إلى كيلومتر واحد، لكننا غير متأكدين من كيفية تشكّلها عبر التاريخ الجيولوجي”.

ويضيف، “أصبحنا الآن على بعد خطوة واحدة من فهم سر هذه الترسبات، وذلك بفضل دراسة البحر الميت المحتضر كمثال”.

20