العلا.. مركز حضاري وثقافي يحكي تاريخ السعودية

رغم أن مدينة العلا الواقعة غرب السعودية ليست معروفة مثل بعض مواقع التراث العالمي لليونسكو في كل من الأردن ومصر، إلا أن ذلك على وشك أن يتغير حاليا؛ ذلك أن المدينة، التي تعد موطنا لأكثر من 200 ألف عام من التاريخ البشري وعدة حضارات متعاقبة على مدى أكثر من 3000 عام، تخضع لعملية ترميم واسعة تستعد من خلالها لاستقبال أكثر من 400 ألف سائح سنويًا.
العلا (السعودية) – بعد قضاء يومين في تغطية فعاليات القمة العربية بجدة، والتعرف على تاريخ وتطلعات المدينة الواقعة غربي السعودية، اتجه فريق الأناضول شمالا نحو بقعة أخرى تحكي تاريخا وأحداثًا مغايرة.
مدينة العلا شمال غربي المملكة كانت منذ قديم الزمان مركزا حضاريا مزدهرا يعج بالنشاط، ومنارة للتبادل الثقافي منذ آلاف السنين، نظرا لدورها كمفترق طرق على طول طريق تجارة البخور وطريق الحج إلى مكة المكرمة.
في الطريق من جدة إلى العلا تحلق الطائرة على مستوى منخفض وتحت أشعة الشمس العمودية وقت الظهيرة تبدو على امتداد البصر كثبان رملية صفراء وتلال وجبال داكنة اللون. وتشق هذه اللوحة الصحراوية طرق حديثة تمتد على طول الأفق، تربط المنطقة وتزيح عنها أشباح البرية.
وإلى جانب الطرقات الإسفلتية تلوح في الأفق أيضا وديان رملية ضيقة نسبيا تبدو كالأنهار صفراء وحمراء وبرتقالية اللون تخترق الجبال والتلال السوداء.
ووفق بيانات حصل عليها مراسل الأناضول من المسؤولين بالمدينة، تمتد العلا على مساحة 22 ألفا و500 كم2، وتقع على بعد 1000 كم شمال غربي العاصمة الرياض.
وفي حين أنها ليست معروفة مثل بعض مواقع التراث العالمي لليونسكو في كل من الأردن ومصر، “إلا أن ذلك على وشك أن يتغير حاليا”.
ويقصد المسؤولون السعوديون بذلك خضوع العلا، التي تعد موطنا لعدة حضارات متعاقبة على مدى أكثر من 3000 عام، لعملية ترميم واسعة تستعد من خلالها للترحيب بضيوفها من العصر الحديث.
وهذا الأمر يتضح بشكل جلي من خلال مشاريع البنية التحتية الحديثة في المنطقة (طرقات، مطاعم، فنادق، مرافق، خدمات…) مع التمسك بروحَيْ الطبيعة والتراث.
وإلى جانب ملامح النظافة العامة في المدينة، يجذب الأنظار أيضا تناسق الطرز المعمارية الجديدة مع الأبنية القديمة.
ويمكن حصر مباني المدينة ومرافقها بين ألوان الأصفر الصحراوي والبيج والبني باختلاف درجاتها، فيما يتخللها الأخضر ممثلا في النخيل وأشجار ونباتات صحراوية أخرى.
كما أن غالبية أشكال الإضاءة المستخدمة في الطرقات مصممة لتنير الأرض بصورة خافتة، حتى لا تؤثر على مظهر النجوم التي تشتهر بها سماء العلا.
المملكة تعمل الآن على ضخ المليارات لتطوير المدينة وتهيئتها لتستطيع استقبال أكثر من 400 ألف سائح سنويًا
وحسب بيانات وزارة السياحة السعودية، نقلا عن بيانات قدمتها حفريات في المنطقة، يمتد تاريخ العلا إلى العصر الحجري القديم، أي يعود إلى 200 ألف عام قبل الميلاد.
وجرى العثور على مدافن وآثار قديمة واضحة في العلا ترجع إلى العصر البرونزي، أي تمتد من 3000 إلى 2000 سنة قبل الميلاد.
ومنذ عام 600 قبل الميلاد إلى عام 4 قبل الميلاد، استضافت العلا الممالك العربية الشمالية القديمة مثل “دادان” و”لحيان”، نظرا إلى توفر المياه الجوفية فيها وتطور الزراعة، فضلا عن ازدهار تجارة البخور التي وصلت إلى بلاد ما بين النهرين ومصر.
ومن عام 100 قبل الميلاد إلى عام 106 ميلاديّا، كانت العلا بمثابة العاصمة الجنوبية للمملكة النبطية العربية (البتراء العاصمة الرئيسية).
ومن عام 106 إلى عام 300 سيطر الرومان على العلا، بعد انهيار المملكة النبطية. ومع بزوغ فجر الإسلام وهزيمة الرومان، عادت العلا إلى العرب اعتبارا من القرن السادس الميلادي.
ويعد جبل إثلب من أشهر معالم العلا، وكان يتمتع بمكانة مقدسة لدى الشعب النبطي، وهو عبارة عن نتوء صخري يتوسطه ممر طبيعي، وعلى يمين الممر توجد قاعة منحوتة بشكل هندسي داخل الصخر تعرف باسم “الديوان”.
وداخل الجبل توجد نقوش ومزارات ومذابح، حيث كان الأنباط يتجمعون لأداء الطقوس أو إعداد الولائم أو للناقشات السياسية. كما احتوى الديوان على مقاعد منحوتة حيث يمكن للضيوف تناول الطعام والشراب.
أما مقبرة لحيان بن كوز، المعروفة أيضا باسم “قصر الفريد” أو “القلعة الوحيدة”، فهي مدفن شهير في العلا، يعتقد أنه تم تشييده في القرن الأول الميلادي، ونموذج رائع من ناحية التصميم والهندسة المعمارية القديمة.
والمقبرة محفورة في الصخر من أعلى إلى أسفل وهي تقنية معمارية نبطية قديمة، وهي أول موقع سعودي يتم إعلانه موقع تراث عالميا من قبل اليونسكو.
وهناك مقابر الأسود، وهي مجموعة من المقابر منحوتة في الجبل، وعلى واجهتها رسم لأربعة أسود، وتتربع على واحة وادي العلا، ويرجع تاريخها إلى أوائل القرن الثامن قبل الميلاد (مملكة دادان)، والقرن الخامس قبل الميلاد (مملكة لحيان).
وأوضح مسؤول المقابر للأناضول أن عدد زائريها يبلغ يوميا نحو 800 فرد من داخل المملكة وخارجها، بينما يزيد العدد في فصل الشتاء، وثمة توقعات ببلوغ هذا الرقم الآلاف في السنوات القادمة.
وتعتبر مدينة العلا من أقدم المدن على وجه الأرض، وتنعم بآثار طبيعية وتراث عريق. وتعمل الحكومة السعودية الآن على ضخ المليارات لتطوير المدينة وتهيئتها للنشاط السياحي، وذلك ضمن رؤية 2030؛ لتستطيع استقبال أكثر من 400 ألف سائح سنويًا من مختلف البلدان.
العلا السياحية تتميز بأرضها الخصبة والمناسبة للزراعة، كما تشتهر بأنها مليئة بنقوش تخبرنا بأصول اللغة العربية
وهي من أشهر الوجهات السياحية والتاريخية في المملكة العربية السعودية والعالم أجمع، إذ تُعد متحفًا مفتوحًا ومليئا بالمعالم التي تجذب محبي الأصالة والعراقة، ومكتشفي الحضارات، كما يوجد فيها العديد من المنتجعات السياحية عالية المستوى، هذا بالإضافة إلى مجموعة من المطاعم الشهيرة.
وتتمتع العلا بمجموعة من المواصفات الفريدة من نوعها، التي تجعلها من أهم المدن السياحية في الشرق الأوسط والعالم، إذ توجد بموقع العلا عينان من الماء العذب هما تدعل والمعلق، حيث تكثر أشجار النخيل العالية في منطقة منبع المعلق، ويُطلق عليه اسم “العلي”، لذلك سُميت مدينة العلا بهذا الاسم.
وتتميز العلا السياحية بأن أرضها خصبة ومناسبة للزراعة. وتشتهر المدينة بأنها مليئة بنقوش العلا التي تخبرنا بأصول اللغة العربية.
وتُعد الحِجر (جبل أثلب) المنطقة الحاضنة لأسرار حضارة الأنباط، وهو ما تم اكتشافه عن طريق دراسة معالمها الأثرية، كما تكشف هذه المعالم أيضًا عن طقوس الشعب الدينية، ومعيشته، وشعائر دفن موتاه، وتاريخ لغته.
وهو ما يوجد بين ثنايا جبال ومدافن المنطقة التي أصبحت تُعرف باسم “مدينة العلا مدائن صالح”، كما يمكن مشاهدة معالم وجبال العلا المنتشرة في أنحاء العلا، حيث يوجد هناك جبل الأحمر وجبل البنات والمدافن الأثرية والنقوش والآبار والسور الدفاعي والبوابات.