العلاقة المتينة بين محمد بن سلمان وبوتين وراء نجاح الوساطة السعودية

إطلاق الأسرى يظهر وليّ العهد السعودي كرجل مؤثر إقليميا ودوليا.
الأحد 2022/09/25
ولي العهد السعودي شخصية تحظى بثقة القوى الدولية

نجحت السعودية في تحقيق ما عجزت عنه دول أخرى من خلال التوسط لإطلاق العشرات من الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، وهو ما قد يؤهلها لأن توسع مدى الوساطة كي تكون أشمل وتستهدف وقف الحرب.

الرياض - حققت السعودية انتصارا دبلوماسيا من خلال تأمين الإفراج عن مقاتلين أجانب تم أسرهم في أوكرانيا، مما يسلط الضوء على أهمية العلاقات الوثيقة لوليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين بالنسبة إلى شركاء الرياض في الغرب الذين يسعون لعزل موسكو بسبب الحرب الدائرة هناك.

ويقول محللون إن نجاح وساطة الأمير محمد بن سلمان ستضعه في الواجهة كشخصية فاعلة في المستقبل، ليس فقط على المستوى الإقليمي ولكن على المستوى الدولي، وهو ما سيمكّنه من محو تأثيرات قضية خاشقجي ومحاولات غربية لإلصاقها بشخصه.

وبعد وساطة من الأمير محمد بن سلمان أطلقت روسيا يوم الأربعاء سراح 10 أجانب كانت قد أسرتهم في أوكرانيا، بينهم خمسة بريطانيين وأميركيين اثنين.

وتزامنت هذه الخطوة، التي أصبحت ممكنة على ما يبدو بفضل العلاقات التي عمل الأمير محمد بن سلمان على تطويرها بعناية مع بوتين، مع عملية ساهمت تركيا في التوسط فيها لتبادل الأسرى شملت 215 أوكرانيا و55 من الروس والأوكرانيين المؤيدين لموسكو.

روابط العمل بين السعودية وروسيا والعلاقة بين الأمير محمد بن سلمان وبوتين كانت عنصرا حاسما في نجاح الوساطة

وقال كريستيان أولريشسن أستاذ العلوم السياسية في معهد بيكر بجامعة رايس في الولايات المتحدة، إن روابط العمل بين السعودية وروسيا يبدو أنها كانت عنصرا حاسما في نجاح عملية الوساطة.

وأضاف أولريشسن “من خلال الانخراط في هذه الوساطة ونجاحها في تحقيق النتائج المرجوة، استطاع الأمير محمد بن سلمان تقديم نفسه على أنه قادر على لعب دور رجل الدولة النافذ على المستوى الإقليمي بطريقة تتعارض مع الرواية التي تصور ولي العهد السعودي باعتباره شخصا مندفعا وخطيرا”.

وتضررت الصورة الأولية للأمير محمد بن سلمان كقائد إصلاحي جريء بسبب مقتل جمال خاشقجي الكاتب الصحافي في صحيفة واشنطن بوست على يد ضباط مخابرات سعوديين في قنصلية المملكة في مدينة إسطنبول.

ونفى الأمير محمد بن سلمان إصداره أمرا بقتل خاشقجي، لكنه قال إنه يتحمل المسؤولية في نهاية المطاف على اعتبار أنه حدث وهو في موقع السلطة.

وفي تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي” أكّد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن الدافع وراء وساطة السعودية في إطلاق سراح الأسرى كان إنسانيا بالأساس. ونفى أن يكون ولي العهد السعودي قد توسط في الأمر لتحسين سمعته الدولية.

وقال “هذا لم يؤخذ في الاعتبار. أعتقد أن هذه نظرة خبيثة للغاية تجاه الأمر”. وأضاف أنه في ما يتعلق بالصراع نفسه، تريد المملكة الوصول إلى حل تفاوضي، وأن الرياض ملتزمة بمحاولة المساعدة في تحقيق ذلك.

وساطة ناجحة تحقق النتائج المرجوة
وساطة ناجحة تحقق النتائج المرجوة

وأكّد الأمير فيصل بن فرحان أن ولي العهد السعودي أجرى محادثات مع بوتين للتوصل إلى صفقة تبادل للأسرى منذ أبريل عندما “تفهّم” قضية المواطنين البريطانيين الخمسة بعد زيارة إلى المملكة قام بها رئيس الوزراء البريطاني آنذاك بوريس جونسون.

وقال الأمير فيصل بن فرحان لشبكة فوكس نيوز “استطاع الأمير محمد بن سلمان إقناع الرئيس بوتين بأن هذه لفتة إنسانية تستحق العناء، وهذه هي الطريقة التي حققنا بها هذه النتيجة”.

ونُقل الأسرى المفرج عنهم، وبينهم أيضا كرواتي ومغربي وسويدي، إلى الرياض على متن طائرة سعودية، حيث كان مسؤولون في استقبالهم.

وقال مسؤولون إن من المتوقع أن يغادر المواطنان الأميركيان ألكسندر دريك (39 عاما) وآندي هوين (27 عاما)، وكلاهما من ألاباما، الأراضي السعودية في غضون أيام.

وتنامت أهمية المملكة، أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، بالنسبة إلى واشنطن وموسكو، في وقت تربك فيه الحرب الروسية في أوكرانيا أسواق الطاقة العالمية.

فلاديمير بوتين: أعرف موقفكم من النزاع في أوكرانيا ومخاوفكم (…) سنبذل كل ما في وسعنا لإنهائه في أقرب وقت

وتردد زعماء العالم على الرياض للمطالبة بزيادة إنتاج النفط. لكن السعودية لم تبد استعدادا يذكر للمشاركة في جهود عزل روسيا، وعززت تعاونها مع بوتين، بما في ذلك داخل مجموعة أوبك+.

وفشلت زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن في يوليو الماضي في الحصول على تعهدات من السعوديين بزيادة فورية في إنتاج النفط أو اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد بوتين، في ما يسلط الضوء على التوترات التي تؤثر على العلاقات بين واشنطن والرياض.

وقال المعلق الموالي للحكومة علي الشهابي إن الوساطة السعودية في إطلاق سراح الأسرى “كانت الأولى”.

وأضاف “أعتقد أن المملكة كانت ترسل رسائل إلى الغرب بأن علاقاتها مع روسيا يمكن أن تكون مفيدة لهم أيضا”.

ومضى قائلا “هناك حاجة لأن تحافظ بعض الدول على علاقات مع كلا الجانبين”.

وقال دبلوماسي غربي إن التحضير لاتفاق الأسرى استغرق شهورا، لكن معظم المجتمع الدبلوماسي الخليجي لم يسمعوا عنه إلا بعد وصوله إلى مراحله الأخيرة.

وشكر مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ورئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس ولي العهد السعودي على دوره.

وقالت كريستين ديوان الباحثة المقيمة البارزة في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، إن من غير المعتاد أن تطبق السعودية إستراتيجية الوساطة الدبلوماسية، وهي دبلوماسية مترسخة في دول الخليج الأصغر مثل قطر.

وأضافت ديوان “الموضوع يشبه الكيمياء.. إنه (الأمير محمد بن سلمان) يحول علاقاته مع روسيا التي كانت موضع انتقاد شديد إلى ذهب”.

وعرضت السعودية منذ الأسابيع الأولى لانطلاق الحرب الوساطة وعقْد محادثات بين كييف وموسكو في الرياض، ورغم ترحيب كلا الطرفين بها إلا أنها تعرقلت.

وكان الرئيس الروسي عبّر في قمة طهران في يوليو الماضي عن شكره للدول التي عرضت الوساطة لإنهاء الحرب التي بدأت نهاية فبراير الماضي، من بينها السعودية والإمارات.

وقال بوتين حينذاك “في ما يتعلق بجهود تركيا، وكذلك مقترحات الدول الأخرى، مثل السعودية التي تعرض وساطتها، وكذلك الإمارات، وهي بلدان تمتلك القدرة على ذلك، فنحن نشكر جميع أصدقائنا الذين يعرضون إمكاناتهم. حتى مجرد الرغبة في المساهمة بشكل ما يعد أمرا نبيلا”.

سراح الأسرى كان إنسانيا
سراح الأسرى كان إنسانيا

وأكد الأمير محمد بن سلمان خلال اتصال مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الخميس أن السعودية حريصة وتدعم كافة الجهود الدولية الرامية إلى حل الأزمة سياسيا، ومواصلة جهودها للإسهام في تخفيف الآثار الإنسانية الناجمة عنها، مؤكدا استعداد المملكة لبذل الجهود للوساطة بين كل الأطراف.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس” عن زيلينسكي أنه “أعرب عن تقديره قبول الأمير محمد بن سلمان دور الوسيط”، منوّها بـ”الدور المحوريّ للمملكة في منطقة الشرق الأوسط والعالم”.

كما أجرى ولي العهد السعودي اتصالاً هاتفيًا مع الرئيس الروسي مساء الخميس، حيث هنّأ بوتين الأمير محمد بن سلمان على دوره في الوساطة، فيما أكد ولي العهد السعودي استعداد بلاده لبذل كافة المساعي الحميدة ودعم كافة الجهود الرامية للوصول إلى حل سياسي للأزمة.

أهمية المملكة، أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، تنامت بالنسبة إلى واشنطن وموسكو، في وقت تربك فيه الحرب الروسية في أوكرانيا أسواق الطاقة العالمية.

وكانت كييف أعلنت الأربعاء عودة 215 مقاتلًا أوكرانيًا وأجنبيًا كانوا أسرى لدى القوات الروسية في عملية تبادل مع موسكو التي استعادت بدورها 55 أسيراً روسيًا من بينهم فيكتور ميدفيدتشوك النائب الأوكراني السابق المقرّب من بوتين والذي تتهمه أوكرانيا بالخيانة العظمى.

وقبل إعلان كييف، أكدت السعودية أنها توسطت لنقل خمسة بريطانيين وأميركيَين اثنين ومغربي وسويدي وكرواتي في إطار عملية التبادل.

والأسبوع الماضي كشف بوتين عن رغبته في إنهاء الحرب الدائرة ضد أوكرانيا منذ أكثر من 7 أشهر “في أقرب وقت”.

وجاء ذلك خلال لقاء جمعه برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في مدينة سمرقند الأوزبكية على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون، وبثته شبكة “دورداشان” الهندية.

وقال بوتين إنه يأمل أن ينتهي النزاع بأوكرانيا في أقرب وقت، وأبدى تفهمه لمخاوف الهند في هذا الشأن.

وأضاف “أعرف موقفكم من النزاع في أوكرانيا ومخاوفكم (…) سنبذل كل ما في وسعنا لإنهائه في أقرب وقت”.

6