العلاج بالموسيقى يعزز الآمال في التعافي النفسي والبدني

تؤكد الدراسات العلمية على أهمية الموسيقى في علاج الآلام المزمنة والقلق والاكتئاب باعتبارها تسمح للفرد بالتخلص من الطاقة السلبية لديه. فالموسيقى تعالج الإنسان في كل مراحله العمرية. ويشير خبراء علم النفس إلى أن الأصوات أحادية الوتر لها تأثير منسجم بشكل واضح، ويمكن أن تؤدي إلى تحسين الإحساس بقيمة الحياة.
برلين - يستخدم العلاج بالموسيقى في العلاج النفسي للأطفال والمراهقين، أو في طرق تدريس الأساليب العلاجية، أو عند التعامل مع مرضى الخرف، وهو نظام علمي يتم توجيهه بالممارسة.
وهناك سبع جامعات تقوم بتدريس العلاج بالموسيقى في مختلف أنحاء ألمانيا، وفقا لبيانات الجمعية الألمانية للعلاج بالموسيقى.
ويوضح الطبيب النفسي ببرلين جيرهارد توشي أن الطريقة التي يعمل بها تتمثل في أن يستلقي المريض على أريكة تصدر نغمات صوتية، ويمتص جسمه الأنغام الموسيقية مباشرة، عن طريق الذبذبات والاهتزاز، كما يعمل مع مقياس لدرجة الصوت يوضع على البطن، وهو مكان تكون لدى الناس فيه مستقبلات ذات حساسية بالغة.
ويقول توشي الذي عمل في مجال العلاج بالأصوات على مدار 30 عاما إن “الاهتزاز يؤدي إلى الاستمتاع بتجربة سعيدة حقا، الأصوات أحادية الوتر لها تأثير منسجم بشكل واضح، ويمكن أن تؤدي إلى تحسين الإحساس الأساسي للحياة”.
العلاج بالموسيقى يتمثل في أن يستلقي المريض على أريكة تصدر نغمات صوتية، ويمتص جسمه الأنغام مباشرة
ويقول “إن حاسة السمع لها معنى يفوق ما ندركه، وهذه الخاصية تبدأ مع الجنين داخل الرحم، وهذه خبرة الصوت تخزن في ذاكرة المرء”.
ويعد العلاج بالموسيقى شكلا من أشكال العلاج الذي يستخدم الموسيقى كوسيلة للشفاء أو للاستجابة لإشكالية معينة. وتعتبر الموسيقى وسيلة مميزة للتعبير نظرا لأنها تسمح للفرد “بالتخلص” من الطاقة السلبية والإفصاح عما يخالجه، هذا بالإضافة إلى تأثيرها الإيجابي على نفسيته. وعلى هذا النحو، تتحوّل الأصوات والإيقاعات في العلاج بالموسيقى إلى أدوات تساهم في تعزيز الجانب الإبداعي لدى الفرد، وتساعده على التواصل مع نفسه ومعالجة العديد من المشاكل الصحية.
ويمكن أن تُستخدم الموسيقى كأداة لتطوير الذات وذلك من خلال زيادة دينامية الفرد وتحسين حسّه الإدراكي وقدرته على التركيز إلى جانب تعزيز ذاكرته وقدرته النفسية والعاطفية. وعلى الرغم من أن العلاج بالموسيقى كان موجها في بداية الأمر لعلاج الجانب النفسي، إلا أن أهدافه العلاجية أصبحت أوسع نطاقا منذ ذلك الحين. وليس من الضروري التمتع بمعرفة موسيقية للاستفادة من العلاج بالموسيقى.
وقد اكتسب مجال العلاج بالموسيقى اعترافا رسميا بعد الحرب العالمية الثانية في المستشفيات التي عالجت الناجين من آثار هذه الحرب. واتسعت دائرة الفوائد، لتلعب الموسيقى دورا متزايدا في علاج أنواع مختلفة من الأمراض البدنية والنفسية، مثل الآلام المزمنة، والقلق والاكتئاب، من خلال تأثيراتها البيولوجية المباشرة، مثل خفض معدل ضربات القلب وضغط الدم.
كما تحسن الموسيقى التواصل الاجتماعي والدعم الذي يحسن الصحة العقلية بدوره، لذلك يبدو الاستماع اليومي إلى الموسيقى خيارا مناسبا لما يمر به العالم من عزلة وشعور بالخوف والقلق بسبب انتشار فايروس كورونا.
وعادة ما يكون الأشخاص الذين يمارسون العلاج بالموسيقى موسيقيين بارعين يتمتعون بمعرفة عميقة بجميع جوانب الموسيقى، وكيفية إثارتها لاستجابات عاطفية مختلفة تحفز الناس وتساعدهم على الشفاء.
ويجمع المتخصصون هذه المعرفة بالموسيقى، مع معرفتهم بأساليب مختلفة تناسب كل حالة مرضية، سواء كانت كلاسيكية أو أوبرالية، أو إلكتروبوب، وغيرها من الأنواع الموسيقية المختلفة.
ويصمم التدخل العلاجي الموسيقي وفقا لاحتياجات كل فرد، بشكل يساعده على تحقيق أهدافه العلاجية، سواء عن طريق العزف أو الاستماع إلى الموسيقى، أو حتى تأليفها.
ويقول المعالج الموسيقي هولي شارتراند: يجب أن تدرك أنك تستخدمها لدعم الآخرين، لترى مدى تأثيرها على الشخص المريض. ويضيف أن التكنولوجيا تتيح للمعالج الوصول إلى جميع أنواع الموسيقى دون جهد، الأمر الذي عزز تجريب العلاج الموسيقي ببساطة أكثر من ذي قبل.
ويكون بعض الأشخاص أكثر حساسية للموسيقى من الآخرين، حيث تختلف العواطف الموسيقية المحسوسة من شخص إلى آخر. وقد كشفت دراسة شملت 30 موضوعا، أنّ حوالي 5 في المئة من الأشخاص لن يكونوا حساسين للموسيقى ولن يشعروا بأي متعة عند الاستماع إليها، وهو ما يعرف بانعدام التلذذ الموسيقي. كما تشير دراسات التصوير الطبي إلى أن العلاج المادي والعلاج الحسي لدى هؤلاء المرضى أقل من ذلك الموجود عند بقية المرضى، وهو ما يدل على وجود أشخاص لا يتأثرون بالموسيقى.
ويمكن للمختص في العلاج بالموسيقى استخدام منهجين حسب شخصية الفرد وحالته وأهدافه.
ويتمثل المنهج الأول في العلاج “النشط” بالموسيقى، الذي يسهّل عملية التعبير عن الذات. ويقوم هذا النوع من العلاج على استخدام أساليب مختلفة من الموسيقى على غرار الغناء والارتجال الموسيقي أو الإيمائي وكتابة الأغاني وأداء الحركات الإيقاعية على صوت الموسيقى.
وفي الوضع “الاستقبالي”، وهو المنهج الثاني، يساهم الاستماع بالموسيقى في تحفيز الطاقة الإبداعية وزيادة التركيز والقدرة على التذكّر. وتعتبر الموسيقى قادرة على تحفيز بعض العواطف التي غالبا ما تكون منسية أو مدفونة في باطن الشخص. وقد يوظف المعالج هذه المشاعر لإثراء العلاج بالموسيقى والاستفادة منه مجددا.