العقل السلفي والأمني يعرقل تطوير السياحة المصرية

القاهرة- فتح حديث الإعلامي إبراهيم عيسى حول مسؤولية العقل السلفي عن تدهور السياحة المصرية قبل أيام مجالا كبيرا لتوسيع دائرة النقاش حول أزمة هذا القطاع وآليات حلها، وجعل عيسى ارتفاع مكبرات الصوت في أوقات الصلاة سببا لنكسته، بينما الأزمة لها أبعاد أمنية واجتماعية لا تقل أهمية عن الفكر السلفي.
وتعتقد الحكومة المصرية أن فتح جميع المواقع الأثرية في مصر للزيارة مجانا الثلاثاء المقبل احتفالا بيوم السياحة العالمي ومرور قرنين على علم المصريات، من الأسباب الكافية لإظهار اهتمامها بالسياحة التي فقدت بريقها جزئيا خلال السنوات الماضية.
وتعد السياحة في مصر أحد أهم ثلاثة مصادر رئيسية للعملات الصعبة، بعد تحويلات المصريين بالخارج وقناة السويس، وتحتاج إلى خطة إنقاذ عاجلة كي تسترد عافيتها.
وأهملت الحكومة في التركيز على هذا المحدد سابقا لأن أولوياتها الأمنية كانت طاغية ولم تكن الأزمة الاقتصادية مستفحلة على النحو الجاري، أو لأنها تسعى حاليا للاستفادة من الزخم الذي سوف يوفره مؤتمر المناخ في نوفمبر المقبل بمدينة شرم الشيخ على البحر الأحمر، أو وجدت أن فرصة مواتية لتوظيف فعاليات كأس العالم في قطر بعد نحو شهرين وجذب شريحة من الجمهور لقضاء بضعة أيام في مصر.

◙ السياحة في مصر تعد أحد أهم ثلاثة مصادر رئيسية للعملات الصعبة، بعد تحويلات المصريين بالخارج وقناة السويس، وتحتاج إلى خطة إنقاذ عاجلة كي تسترد عافيتها
وربما تكون كل هذه العوامل لعبت دورا مهما في اليقظة العامة التي تعيشها الحكومة وأجهزتها وأدت إلى زيادة التحركات في القطاع السياحي أملا في بعثه من جديد.
ولم تعد السياحة مرتبطة بامتلاك مواقع أثرية بكثافة، فهناك دول تستقطب الملايين كل عام لا تملك نسبة ضئيلة مما تمتلكه مصر من آثار من عصور مختلفة ومضت عليها الآلاف من السنين، فقد تحولت السياحة إلى صناعة لها طقوس معينة، وتتمكن الدول التي تجيد فنونها المتباينة من جذب الملايين إليها من دول مختلفة، بينما عقدت تقارير إعلامية عديدة مقارنات بين مصر وتركيا في المجال السياحي، وكان التفوق للثانية بامتياز بعد أن زاد عدد المصريين المغرمين بزيارة تركيا ومدنها.
وكانت السياحة المصرية قبل حوالي 12 عاما تدر دخلا ماديا كبيرا للحكومة من العملات الأجنبية يسبق تحويلات المصريين وقناة السويس الآن، ثم انتكست بصورة غير مسبوقة بعد اندلاع ثورتين في البلاد خلال عامي 2011 و2013، وبدا القطاع الذي كان دُرة الحكومة في مصر وأحد أهم مصادر الدخل القومي يتراجع.
ويصعب حصر التراجع في الزاوية التي أشار إليها الإعلامي إبراهيم عيسى، أي العقل والفكر السلفي، لأنه أحد جوانب الأزمة وليس كلها، فإذا كانت هذه المسألة تجعل البعض من المواطنين لا يحبذون التفاعل مع السائحين والتحذير أو التنفير منهم، فهناك في المقابل توجد أعداد أكثر منهم يرحبون ويسعون إلى فتح آفاق أمام السياحة.
ولم توفر الطريقة التي تتعامل بها الحكومة الفرصة لتهيئة البيئة العامة التي يمكنها أن تغري السائحين وتقلل من أهمية الآثار العابرة للقرون ولا تستغل الشواطئ المصرية الغنية بالمناظر الطبيعية بالصورة الكاملة، ما يمثل جوهر المشكلة وكأن الحكومة حاولت التنصل من مسؤولياتها وتخلت عن إدراج القطاع السياحي ضمن أولوياتها.
ووجدت الحكومة أن تكلفة حماية السياحة قد تكون أكبر من عائداتها فأهملت الاعتناء بها وتركتها تتسرب تدريجيا عندما راهنت على أن أفواج السائحين الروس والأوكرانيين كافية للحصول على جزء معتبر من العملات الصعبة ثم حدثت انتكاسة سقوط الطائرة الروسية فوق صحراء سيناء قبل سبع سنوات ولقي العشرات حتفهم كانوا على متنها، وأخيرا الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
ترك الحادث نقطة سوداء في ثوب السياحة المصرية، وتضاعفت مع تداعيات الأزمة الأوكرانية التي يمكن أن تمتد إلى سنوات قادمة، وما لم تتخذ الحكومة إجراءات فعالة لن تتمكن من إعادة تصويب مسار السياحة في دولة تستحوذ على نحو ثلث آثار العالم.
وأصبحت القاهرة بحاجة إلى استدارة جديدة لتنويع السياحة وتوفير الأجواء المناسبة لتوسيع دائرة الاستقطاب وعدم حصرها في دول بعينها بما يستلزم علاج الخلل الحاصل في قطاع مهمّ، وهو ما يجعل من التفكير السلفي ضلعا يضاف إلى تغيير السياسة الأمنية الحالية، وتحذير المواطنين من مغبة سلوكياتهم السلبية مع السائحين.
وتعتمد عملية تأمين الأفواج السياحية في مصر على وسيلة عقيمة، حيث يتم تجميع عدد من الأفواج في أماكن معينة على الطرق السريعة لتتولّى قوة شرطية حمايتهم وتوصيلهم إلى مقصدهم، وهذه العملية تستغرق وقتا طويلا قد يصل إلى ساعتين أو ثلاث، ما يمثل إرهاقا وضيقا للسائح.

◙ السياحة المصرية كانت قبل حوالي 12 عاما تدر دخلا ماديا كبيرا للحكومة من العملات الأجنبية يسبق تحويلات المصريين وقناة السويس الآن
وكشف مصدر أمني لـ”العرب” أن الهدف من التأمين المبالغ فيه منع وقوع حوادث صادمة للسائحين وعدم إرهاق قوات الأمن التي لن تستطيع توفير دورية شرطية لكل فوج سياحي على حدة لمسافات طويلة، معترفا أن هذه الوسيلة لا تضمن تماما عدم وقوع حوادث لأن الأماكن التي يمرون منها وسط الصحارى مفتوحة وشاسعة.
واعترف المصدر أن تأمين السياحة يضع على عاتق أجهزة الأمن عبئا كبيرا لأن أيّ حادث عارض أو مقصود ستكون تكلفته عالية على الدولة، لذلك ساد الحذر في التعامل مع هذا القطاع بما أثّر على جودته.
وفي ظل انخراط الأجهزة الأمنية في مكافحة الإرهاب والعناصر المتطرفة أصبحت السياحة تمثل تهديدا خطيرا باعتبارها أقصر الطرق التي يمكن أن تسيء إلى سمعة النظام المصري دوليا، وتوحي الصدمة فيها بعدم قدرته على حفظ الأمن والاستقرار، وتفرّغ حملته الصارمة ضد المتشددين من مضامينها الأمنية والسياسية.
وبدأت الحكومة المصرية حملات توعية للمواطنين وحثهم على تغيير سلوكهم، خاصة في المناطق التي يرتادها سائحون من جنسيات مختلفة، وتقوم بعملية تطوير للشكل الحضاري نفسه، لأن تصرفات بعض الصبية تحولت إلى صداع في رأس الدولة بعد زيادة انتشار مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي تشي بمضايقة السائحين، وتلقى رواجا على منصات عالمية.