العصر الذهبي لتركيا في زراعة الشعر اقترب من نهايته

لم تعد مستشفيات وعيادات المدينة تتعامل فقط مع شعر فروة الرأس، ولكنها تقدم أيضا خدمات زراعة شعر اللحى والشوارب والحواجب وأحيانا شعر الصدر.
الاثنين 2025/02/10
نجاح مهدد

المكانة العالية في عمليات زراعة الشعر في تركيا تواجه موجات من التشكيك، و"العصر الذهبي" لها يوشك على الانتهاء. إذ تواجه هيمنة تلك العمليات تحديات مع انخفاض تكلفتها في الدول الأوروبية.

إسطنبول - من بين المناظر الرائعة التي تجذب ملايين السياح، إلى مدينة إسطنبول الصاخبة والمزدحمة بالزوار ومختلف الأنشطة، رؤية رجال يطلون من حين لآخر من بين الزحام، تبدو فروة رؤوسهم وكأنها مصابة بجروح وتغطيها ضمادات طبية، ويتجولون في الشوارع النابضة بالحياة والحافلة بالمتاجر ومراكز التسوق، أو يتوقفون للحظات لإلقاء نظرة على معالم المدينة الشهيرة، مما يثير دهشة البعض الذين لا يعرفون أن هؤلاء الرجال جاءوا إلى تركيا خصيصا، لإجراء عمليات زراعة شعر في رؤوسهم التي صارت صلعاء.

وأصبحت مدينة إسطنبول التي تمتد عبر مضيق الفسفور – وهو ممر مائي شهير يربط بين القارتين الآسيوية والأوروبية – مركزا عالميا شهيرا يتوجه إليه الراغبون في زراعة الشعر، حيث توجد بها ما يقدر بنحو خمسة آلاف عيادة متخصصة، تلبي احتياجات الراغبين من جميع أنحاء العالم. ومع ذلك تتباين الآراء حول ما إذا كان في إمكان إسطنبول أن تحافظ على مكانتها في القمة، كعاصمة لزراعة الشعر في العالم.

ويعد فصل الشتاء هو فترة الذروة لعمل عيادات زراعة الشعر في إسطنبول، حيث تعمل خلال هذه الفترة بأقصى قدراتها، ومن بين الزبائن آيدين كيستي القادم من زيوريخ ويبلغ من العمر 27 عاما.

ويبدو كيستي مسترخيا على أريكة تستخدم في العمليات العلاجية، ويشعر بقدر من الدوار الخفيف نتيجة إعطائه مسكنات للألم عن طريق التنقيط، بينما ينشغل الطاقم الطبي بإدخال بصيلات الشعر بدقة في فروة رأسه. ويقول إنه يرغب في القيام بهذه العملية ليبدو شكله وسيما، ويصف تجربته في عيادة زراعة الشعر بأنها رائعة تماما.

po

ولكي يضرب عصفورين بحجر واحد انتهز كيستي فرصة وجوده في إسطنبول، لعلاج حالة الصلع التي تعرض لها ليمضي عطلة مصغرة فيها، يقوم خلالها بجولة سياحية لمشاهدة معالم المدينة، التي جذبته إليها سمعتها السياحية وأيضا التوصية التي دفعته لاختيار عيادة “أسميد” لزراعة الشعر.

ولم تعد مستشفيات وعيادات المدينة الكثيرة تتعامل فقط مع شعر فروة الرأس، ولكنها تقدم أيضا خدمات زراعة شعر اللحى والشوارب والحواجب وأحيانا شعر الصدر، وذلك وفقا لتقارير هذه المنشآت الطبية. وبالإضافة إلى علاجات زراعة الشعر، تجري بعض المراكز الطبية عمليات تجميل للأنف وغيرها من الجراحات التجميلية.

ورغم هذا الرواج هناك تساؤلات حول إمكانية وجود مخاطر أو مشكلات في هذه العمليات، فبينما تجذب صناعة زراعة الشعر التركية الزوار في قطاع السياحة العلاجية من مختلف أنحاء العالم، ليس من المألوف أن تنتهي كل تجربة بنتائج مثالية.

فتكشف المجموعات والمنتديات على منصات التواصل الاجتماعي، عن شكاوى من حدوث إجراءات فاشلة مثل نمو الشعر في الاتجاه الخاطئ، وعدم الرضا عن حالة كثافة الشعر، أو الشكوى من سقوط البصيلات المزروعة بعد بضع سنوات.

وتشير بيانات هيئة السياحة التابعة للدولة “تورساب”، إلى توافد 1.5 مليون زائر في قطاع السياحة العلاجية لتركيا خلال عام 2023، مما جعل زراعة الشعر ثاني أكبر العمليات التي يطلبها الزوار.

ومع ذلك يتشكك البعض في استمرار هذه المكانة التي تتمتع بها تركيا في المستقبل، وفي هذا الصدد يقول الطبيب كوراي أردوغان مؤسس عيادة أسميد، “توجد عيادات كثيرة جيدة في إسطنبول، وأيضا توجد عيادات سيئة.”

op

عندما افتتح أردوغان عيادته عام 2001، كانت شائعة إزالة شرائح كاملة من الجلد من مؤخرة الرأس، ولكن مع بداية عام 2000 بدأت العيادة إزالة جذور فردية من الشعر، بدون إزالة أجزاء من الجلد وترك ندبة مكانها. ويصف أردوغان هذه الطريقة الجديدة بأنها “ثورة في زراعة الشعر.”

وسرعان ما انتشرت الطريقة الجديدة في تركيا، غير أنها واجهت شكوكا في أوروبا والولايات المتحدة، ولكن عندما قدم أردوغان أسلوبه التقني الجديد عام 2011 في مدينة بوسطن الأميركية، لم يتم قبولها بشكل جدي حسبما يقول. ويضيف إن “هذا التشكك كان في صالح تركيا،” حيث أن رغبة تركيا في احتضان هذا الابتكار، بالإضافة إلى انخفاض التكلفة، منحا هذا البلد ميزة تنافسية.

ولكن هذه الميزة التنافسية وهذه المكانة العالية في عمليات زراعة الشعر بمختلف أنواعها، تواجهان موجات من التشكيك و”العصر الذهبي” لها يوشك على الانتهاء. وبرغم هذا الدور التركي الرائد في مجال زراعة الشعر، فإن هيمنة تركيا عليه تواجه تحديات، فالسياحة العلاجية التي كانت قطاعا مزدهرا في تركيا لم تعد تلبي التوقعات المعقودة عليها.

وتشير بيانات وزارة الصحة التركية إلى أن الأرقام الحالية للسياح في هذا القطاع، تقل عن التوقعات التي كانت مقدرة له في وقت سابق. بينما تشير أرقام الهيئة الوطنية للإحصاء في عام 2023، إلى أن تركيا حققت إيرادات من السياحة العلاجية تبلغ نحو 2.3 مليار دولار.

وهذا الرقم يقل كثيرا بالمقارنة مع التوقعات التي وضعت قبل ذلك بعشرة أعوام، عندما قدرت هيئة تورساب للسياحة الحصول على إيرادات من هذا القطاع، تتراوح بين 21 مليار دولار إلى 26 مليارا مع حلول عام 2023. ومع وجود بدائل متاحة داخل الدول الأوروبية، تقل الحاجة إلى السفر لتركيا لإجراء مثل هذه العمليات. ويقول إن “العصر الذهبي لتركيا في زراعة الشعر اقترب من نهايته.”

pi

18