العزوف الانتخابي في تونس حجر عثرة أمام استكمال المسار

الهيئة المستقلة للانتخابات: نسبة المشاركة الأولية في الدور الأول للانتخابات النيابية كانت في حدود 8.8 في المئة.
الثلاثاء 2022/12/20
عزوف المرشحين لا يقل عن عزوف الناخبين

تونس - شهدت الانتخابات البرلمانية التونسية إقبالا هزيلا من قبل الناخبين ما قد يضعف من مشروع قيس سعيّد الرئاسي والذي بدأ في إرسائه منذ العام 2021 أمام معارضة سياسية منقسمة ولا تحظى بثقة كاملة من التونسيين، وفقا لخبراء.

  • كيف يمكن تفسير هذه النتائج؟

أعلنت الهيئة المستقلة للانتخابات السبت أن نسبة المشاركة الأولية في الدور الأول للانتخابات النيابية كانت في حدود 8.8 في المئة ولم يسجل هذا الرقم منذ أن انطلق مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد إثر ثورة 2011 والتي أطاحت نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

وكانت الحملة الانتخابية التي تواصلت على امتداد ثلاثة أسابيع باهتة ولم يكن هناك سجال انتخابي في البلاد، بعكس ما كانت عليه الأجواء خلال الانتخابات السابقة سواء في 2011 أو 2014 أو 2019.

والمرشحون الـ1055 “غير معروفين وقليلو الخبرة السياسية”، وفقا للخبير السياسي حمزة المؤدب، فضلا عن كون النساء يمثلن فقط نحو 12 في المئة من عدد المرشحين.

ونصّ القانون الانتخابي الجديد الذي أقره سعيّد قبل شهرين من الانتخابات، على ضرورة ألا يكشف المرشحون عن انتمائهم السياسي ونتج عن ذلك غياب كامل لمشاركة الأحزاب.

دعم الشركاء الأجانب يُعد حاسمًا بالنسبة إلى تونس المثقلة بالديون والتي طلبت من صندوق النقد الدولي قرضًا رابعًا لـ10 سنوات يبلغ حوالي ملياري دولار

وطالب التكتل السياسي المعارض "جبهة الخلاص الوطني" الذي يشارك فيه حزب النهضة الذي تسيد المشهد السياسي منذ العام 2011، الرئيس التونسي بالتنحي فورا.

والبرلمان الجديد مجرّد من الصلاحيات الفعلية التي كان يتمتع بها النواب في السابق، استنادا إلى الدستور الجديد الذي تم اقراره إثر استفتاء شعبي في تموز/يوليو الفائت ولم يشارك فيه نحو سبعين في المئة من الناخبين.

  • كيف سيكون رد فعل الرئيس؟

يعتبر أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعات التونسية عبداللطيف الحناشي أن سعيّد الذي يحتكر السلطات في البلاد منذ 25 تموز/يوليو 2021 “قام بحملة واسعة بمفرده للانتخابات عبر تعدد الزيارات في المدة الأخيرة من منطلق أن لديه شعبية، غير أن النتائج خذلته ولم تظهر ذلك”. ويتابع “خيبة أمل كبيرة جدا، كان يعوّل على إرادة الشعب لكنها غابت”.

وبالفعل كان ظهور سعيّد في الأسابيع السابقة متعددا من خلال زيارة بعض الأحياء الشعبية ولقاء المواطنين وكأنه في حملة انتخابية “بالوكالة” عن المرشحين للانتخابات البرلمانية.

وتواجه تونس أزمة اقتصادية حادة بارتفاع مستوى التضخم في حدود 10 في المئة كما زادت تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا من غلاء أسعار المواد الأساسية كالقمح والمحروقات.

ويقول الباحث السياسي حمادي الرديسي “لقد أظهر أن لديه تأييدا شعبيا ولكن اتضح أنه ليس هناك لا شرعية دستورية أو انتخابية”.

  • ما مصير الدعوات للرحيل؟

دعت “جبهة الخلاص الوطني” والحزب الدستوري الحرّ سعيّد إلى الاستقالة وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة.

لكن الرديسي يؤكد على أنه “لا توجد آلية لإجباره على الرحيل”. كما يرى الباحث يوسف الشريف أنه من الصعب “استقالة الرئيس أو حتى الاعتراف بفشل هذه الانتخابات”.

يبقى الطرف الوحيد الذي يملك القدرة على إحداث تغيير في البلاد هو "الاتحاد العام التونسي للشغل" المركزية النقابية بالنظر إلى كونه الطرف الاجتماعي الأكثر تنظيما

ويضيف الشريف أنه وحتى إثر الاستشارة الوطنية التي أقرّها الرئيس مطلع العام وشارك فيها نحو 600 ألف تونسي “رفض (الرئيس) الاعتراف بالفشل”.

وأقرت الهيئة العليا للانتخابات بأن النتائج “متواضعة” في انتظار الدور الثاني مطلع آذار/مارس القادم.

  • ماذا بإمكان المعارضة أن تفعل؟

تبقى المعارضة السياسية التي يتقدمها حزب النهضة منقسمة لأن خلفياتها الأيديولوجية متضادة، وسعت منذ أن احتكر الرئيس السلطات إلى تعبئة الشارع ودأبت على تنظيم التظاهرات داعية سعيّد “المنقلب” إلى الرحيل.

لكن “البديل الذي تقدمه لا يقنع التونسيين”، وفقا للحناشي الذي يقدر أن “العزوف الواسع ليس بالضرورة ضد قيس سعيّد، هو أن التونسيين يشعرون بإحباط كبير وقرف من المشاركة السياسية ومن الطبقة السياسية”.

والطرف الوحيد الذي يملك القدرة على إحداث تغيير في البلاد هو “الاتحاد العام التونسي للشغل” المركزية النقابية بالنظر إلى كونه الطرف الاجتماعي الأكثر تنظيما وكان له دور كبير في ثورة 2011.

  • ما موقف القوى الخارجية؟

وعد سعيّد الأطراف الخارجية “بخارطة طريق وتم تنفيذها”، وفقا للحناشي. وجاء بيان الخارجية الأميركية ليدعم ذلك، واعتبر المتحدث باسم الوزارة نيد برايس أن الانتخابات البرلمانية في تونس “خطوة أولى أساسية نحو استعادة المسار الديمقراطي في البلاد”، مؤكدا في الآن نفسه أن نسبة الامتناع عن التصويت المرتفعة تظهر الحاجة إلى مزيد من “المشاركة السياسية” على نطاق أوسع.

ويُعد دعم الشركاء الأجانب حاسمًا بالنسبة إلى تونس المثقلة بالديون والتي طلبت من صندوق النقد الدولي قرضًا رابعًا لـ10 سنوات يبلغ حوالي ملياري دولار، وهو ما سيمكن من فتح الباب أمام مساعدات أخرى سواء من أوروبا أو دول الخليج العربي.

6