العزلة تدفع كتائب القسام للاعتماد على عملة بتكوين لتشفير تمويلها

دعوة كتائب عزالدين القسام لمؤيديها إلى إرسال التبرعات إليها من خلال العملات الرقمية في خطوة تثير جدلا واسعا بعد تحريمها من قبل بعض دور الإفتاء في العالم الإسلامي.
الأربعاء 2019/02/06
كتائب القسام تبحث عن التمويلات بشتى الطرق

غزة- دفعت حالة العزلة حركة حماس إلى العالم الافتراضي بحثا عن أي منفذ لها للحصول على الدعم، حيث كشفت دعوة كتائب عزالدين القسام لمؤيديها في مختلف أنحاء العالم إلى إرسال التبرعات إليها من خلال العملات الرقمية وتحديدا “بتكوين” بحكم الضائقة المالية التي تمر بها الحركة الأم، بسبب تجفيف منابع تمويلها، كما كشفت عن صعوبة التواصل مع داعميها التقليديين، في ظل ما تواجهه إيران من وضع اقتصادي صعب، وما تواجهه قطر من تضييق كبير.

ضيقت ترسانة القوانين العربية والدولية لتجفيف المنابع التقليدية لتمويل الإرهاب هامش المناورة لدى الحركات الإرهابية التي تعتمد في غالب الأحيان على التمويل الخارجي البعيد عن مجالها الجغرافي لإدارة أنشطتها، ما جعل هذه المجموعات تهجر طرق التمويل التقليدية إلى فضاءات أكثر سهولة وتعقيدا في الآن ذاته. وقلصت العملات الرقمية حتى الآن من مخاطر التعقب إلى حد ما لكنها ليست عصية -وفق مراقبين- على أجهزة الاستخبارات.

أحدث الجماعات التي كشفت عن استفادتها من العملة الرقمية، “بتكوين”، لالتفاف على عزلتها، هي حركة حماس، وذراعها المسلحة كتائب عزالدين القسام، التي دعت مؤيديها إلى دعمها ماليا عبر العملة الرقمية. 

وأثارت دعوة كتائب عزالدين القسام تساؤلات حول هذه الدعوة وسبب اختيار هذا النوع من العملات التي يصعب فرض رقابة عليها ومعرفة مصدرها، خاصة أن حماس تتكتم عادة على مصادر تمويلها.

تأتي هذه الخطوة لمواجهة الحصار الاقتصادي المفروض على حركة حماس، حيث لدى كتائب القسام رؤية واضحة لم تفصح عن جميع جوانبها، للتعامل مع التبرعات التي سترد إليها بالعملات الإلكترونية

وكتب أبوعبيدة، الناطق باسم كتائب عزالدين القسام، في منشور عبر قناته على تطبيق “تليغرام” “ندعو كل محبي المقاومة وداعمي قضيتنا العادلة لدعم المقاومة ماليا من خلال عملة ‘بتكوين’ عبر الآليات التي سنعلنها قريبا”.

وتثير هذه الخطوة جدلا واسعا خاصة أن هذه العملة تم تحريمها من قبل بعض دور الإفتاء في العالم الإسلامي؛ وأيضا كيف يمكن لحماس وذراعها المسلحة الاستفادة من هذه العملة؟ وفي أي مجال تحديدا؟

وتعد وسائل التواصل الاجتماعي هامة بالنسبة لحركة لحماس، وأذرعها، بعد أن كادت محطتها التلفزيونية تتوقف عن البث في ديسمبر 2018، بسبب الضربات الجوية التي شنتها قوات الدفاع الإسرائيلية من جهة، والصراعات من أجل تمويل عملياتها من جهة أخرى. ونشرها لطلبات تمويل من جمهورها باستعمال بتكوين، على وسائل التواصل الاجتماعي، لا يكلفها شيئا.

وتشير أوساط فلسطينية داخلية إلى أن مصادر تمويل حماس التقليدية تتمثل في الاشتراكات الثابتة التي يدفعها أبناء الحركة، ثم التبرعات التي يتم جمعها من “أنصار الحركة حول العالم”، وثالثا من المنظمات الأهلية والأحزاب وبعض الدول.

وكشفت دعوة كتائب القسّام الأخيرة حجم الضائقة المالية والعزلة التي تمر بها حركة حماس، بعد تشديد الرقابة على مصادر تمويلها التقليدية المتخفية تحت غطاء العمل الخيري والإنساني، وأيضا بعد تقلص المساعدات المتأتية من إيران، التي تمر بدورها بأزمة اقتصادية خانقة، دفعتها نحو إعادة ترتيب قائمة الجماعات والميليشيات التي تتلقى منها الدعم.

وتشكك أوساط دولية في وجهة المساعدات الإنسانية ومساعدات ما يسمى بإعادة الإعمار التي دأبت قطر على صرفها لحكومة حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة. كما أثرت الأزمات القائمة في سوريا وليبيا واليمن أيضا على الواقع المالي للحركة.

وأعلنت كتائب القسّام عن عنوانين لمحفظتين إلكترونيتين، وطلبت من أنصارها تحويل الأموال إليهما، حيث لا تملك العملة الرقمية المشفرة، رقما متسلسلا ولا تخضع لسيطرة الحكومات والبنوك المركزية، كالعملات التقليدية، بل يتم التعامل بها فقط عبر شبكة الإنترنت، دون وجود فيزيائي لها.

وفي الوقت الذي يرى البعض أن هذه العملة تضمن الأمان التام للمتبرعين، حذر آخرون من أن بمقدور وكالات الاستخبارات العالمية الكشف عنهم بسهولة.

حماس تتكتم على مصادر تمويلها
حماس تتكتم على مصادر تمويلها

وارتفعت قيمة بتكوين منذ ظهورها عام 2008، معتمدة على حركة العرض والطلب وقبول التعامل بها في الشركات الكبرى والبورصات العالمية، فبدأ سعرها بـ0.001 دولار، لتصعد في نهاية عام 2017 إلى أعلى مستوى لها عند 19400 دولار، قبل أن يهبط ويستقر سعر الوحدة عند 3400 دولار.

ويوجد في دول العالم، خصوصا في أوروبا، الكثير ممن يرغبون في التبرع لحركة حماس، لكن هؤلاء لا يستطيعون إرسال الأموال عبر الوسائل التقليدية مثل البنوك أو شركات تحويل الأموال خشية اتهامهم من قبل حكومات دولهم بـ”دعم الإرهاب”، باعتبار أن الحركة على قائمة الجماعات الموصوفة بالإرهابية، إضافة إلى أن هناك قيودا كبيرة تمنع وصول الأموال إلى غزة بسهولة.

وتأمل كتائب القسّام من وراء هذه المبادرة توفير الحماية للمتبرعين، وبالتالي تشجيعهم على تقديم المزيد من الدعم، حيث لا يمكن لأحد أن يعرف مرسل هذه العملات أو مستقبلها سوى المرسل والمستقبل أنفسهما؛ لأن عمليات التحويل تتم وفق معادلات معقدة ومشفرة ولا تخضع لأي نوع من الرقابة.

كما تهدف الذراع المسلحة لحماس من هذه الدعوة -حسب  اقتصاديين- إلى تدويل الدعم بحيث لا يقتصر على الأطراف الذين تربطهم بالحركة أو بقياداتها علاقات مباشرة، ويتوسع الأمر ليشمل آخرين.

ويُتوقع أن يتم تحويل مبالغ كبيرة إلى حسابات كتائب القسام، خلال أشهر قليلة بعد إطلاقها هذه الدعوة، ما يطرح تساؤلات حول الإجراءات التي يمكن اتباعها، وهل ثمة خطة لضمان عدم وصول التمويلات الرقمية؟ خاصة أنه لا يمكن التنبؤ بالآليات التي سيتم من خلالها إيصال الأموال إلى قطاع غزة.

وتأتي هذه الخطوة لمواجهة الحصار الاقتصادي المفروض على حركة حماس، حيث لدى كتائب القسام رؤية واضحة لم تفصح عن جميع جوانبها، للتعامل مع التبرعات التي سترد إليها بالعملات الإلكترونية. ومن أهم أسباب الأزمة المالية، توسّع الحركة وزيادة نفقاتها خاصة أنه بات لديها الكثير من المؤسسات وعشرات الآلاف من المنتمين إليها، والآلاف من الموظفين الذين يتقاضون رواتب منها، إذ دفعت الضغوط الأميركية على بعض الدول الحركة إلى  إعادة حساباتها خشية المساس بمصالحها والتوقف عن مساعدتها.

7