العرش والعشائر في الأردن علاقة مهتزة تنبئ باشتباك دائم

قرب الأمير حمزة من القبائل يزيد من إزعاج السلطات الأردنية.
السبت 2021/07/03
الحد من الاحتقان يعتمد على الحلول

أثرت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في الأردن على العلاقة التي تربط العرش بالعشائر في بلد تحاصره أزمات في محيطه الإقليمي، وزادته قضية “الفتنة” تأزيما بعد انعكاسها بشكل مباشر على العلاقة التاريخية بين الملك والعشائر التي تعد صمام أمان أساسي في المملكة.

عمان – انعكست القضية التي تعرف بـ”الفتنة” في الأردن وقبلها تداعيات أزمة اقتصادية متشعبة على العلاقة التاريخية بين العائلة المالكة والعشائر المعروفة بدعمها غير المحدود للعرش والسلطات في بلد لا يزال يبحث عن حلول عاجلة لأكثر من أزمة على أكثر من صعيد.

ولا تبدو العلاقة التاريخية بين العرش والعشائر تسير في طريق التهدئة على الرغم من محاولات السلطات لتطويق تداعيات الأزمة الأخيرة التي كان محورها الأمير حمزة بن الحسين ولي العهد الأسبق، ورئيس ديوان ملكي أسبق وأحد أفراد الأسرة المالكة.

ووضعت تلك الأزمة العلاقة بين الملك والعشائر على المحك، بعد ارتباط مباشر أو غير مباشر بين أبناء تلك العشائر بالأزمة الأخيرة، أو التذمر المتنامي بسبب الوضع الاقتصادي المتفاقم بفعل انتشار وباء كورونا وتضرر قطاعات اقتصادية واسعة في المملكة الأردنية الهاشمية.

وسعت السلطات الأردنية بعد الأزمة مع الأمير حمزة، الذي يتمتع بشعبية واسعة بين الأردنيين وخاصة بين العشائر، إلى تعيين لجنة من 92 عضوا لتقديم خطة للإصلاح السياسي بحلول أكتوبر المقبل.

صايل المجالي: أخشى مما سيحدث لاحقا بسبب الوضع المعيشي المأساوي
صايل المجالي: أخشى مما سيحدث لاحقا بسبب الوضع المعيشي المأساوي

ويرى مراقبون أن تلك الأزمة قد تبقي الباب مفتوحا أمام اشتباك دائم بين السلطات الأردنية والعشائر في حال عدم تهدئة الغضب ومنع اتساعه وإيجاد حلول لأزمات وملفات ساخنة في الأردن.

وبرز التململ العشائري من الخطوات التي اتخذتها السلطات الأردنية للحد من تداعيات الخلافات داخل الأسرة المالكة على لسان أكثر من زعيم قبيلة في المملكة.

وتجاهل عاطف المجالي زعيم قبيلة في الكرك لجنة الإصلاح السياسي التي يترأسها سمير زيد الرفاعي، معتبرا إياها جوفاء، وقال إن الدعوات إلى الإصلاح لم تُسمع، مضيفا أن القبائل لا تطالب بصفقة أفضل لنفسها فقط بل لجميع الأردنيين.

ولا تزال القبيلة مستاءة من اعتقال اثنين من كبار مساعدي الأمير حمزة وأحدهما ياسر المجالي، حيث أبقِي الأمير قيد الإقامة الجبرية مع اعتقال أكثر من اثنتي عشرة شخصية ومسؤولين عشائريين بارزين، قبل إطلاق سراحهم جميعا بعد ثلاثة أسابيع من اندلاع الأزمة.

ويعترض أعضاء المجالس العشائرية على طريقة اقتحام قوات الأمن للمنازل، قائلين إنها إهانة وإن دعوة مركز الشرطة المحلي كانت كافية. ولم يُسمح لياسر المجالي وأعضاء آخرين من موظفي حمزة بالعودة إلى العمل، ولم يسمع أي شيء عن الأمير حمزة علانية بعد الإعلان عن حل الأزمة ضمن الأسرة الهاشمية.

وأعرب عاطف المجالي مثل غيره عن إحباطه من أصحاب القرار في الأردن، قائلا إن زعماء العشائر يتم تجاهلهم رغم نفوذهم التقليدي. وقال المجالي في تصريح لوكالة أسوشيتد برس، “صوتنا مرتفع، لكن لا أحد يسمعنا. نحاول التحلي بالصبر، لكن للصبر حدود”.

وتسببت الأزمة الاقتصادية في تآكل رابطة الولاء التاريخية بين الملك والعشائر، وهي حجر الأساس لحكم الأسرة الهاشمية التي احتفى الأردنيون  بذكرى مرور مئة عام على تأسيس المملكة في الحادي عشر من أبريل الماضي.

ويرى مراقبون أن تلك الأزمة وتداعياتها قد تكون عاملا أساسيا في مؤامرة مزعومة اتهم خلالها الأمير حمزة للفت الأنظار عن الغضب المتنامي بين العشائر.

وتقول وكالة أسوشيتد برس، في تقرير حول العلاقة التاريخية بين الملك والعشائر، إن “بعض المطلعين في الحكومة يخشون من أن الغضب الذي يتسلل تحت السطح يمكن أن يندلع في أي لحظة، وهو تحذير لا بد أن يثير قلق حلفاء المملكة الغربيين”.

ولم يخف رئيس مجلس إدارة محافظة الكرك صايل المجالي مخاوفه من التداعيات السلبية للأزمة الاقتصادية على المواطنين في منطقته القبلية والتي تعتمد على السياحة.

وقال المجالي وهو عميد متقاعد من الجيش وينتمي إلى إحدى أبرز قبائل الكرك “أخشى مما سيحدث لاحقا بسبب الوضع المعيشي المأساوي، وأن الناس لن يتحملوه بعد الآن، وأن الناس سينفجرون”. حيث بلغ معدل البطالة 40 في المئة. وتابع “أخشى فقدان السيطرة على الأمور الأمنية” إذا لم يتم حل المشاكل.

Thumbnail

وزعمت السلطات أن الأمير حمزة، الذي جرد من ولاية العهد في العام 2004، عمل على تسخير الاستياء العشائري لتولي العرش، على الرغم من نفي الأمير كل التهم المتعلقة بعمله على التحريض على أخيه غير الشقيق.

ويعرف الأمير حمزة بقربه الشديد من القبائل، وعمل على تنمية العلاقات معها على مر السنين. وفي مقطع فيديو تسرّب من الإقامة الجبرية في أبريل الماضي، شدد الأمير على علاقته بالأردنيين العاديين، مقارنا إياها بما وصفه بنظام حكم منعزل مصمم على إثراء نفسه.

وقال حمزة حينها “حاولت أن أبقى على تواصل مع الناس على أمل أن يدركوا أن هناك أفرادا من هذه العائلة لا يزالون يحبون هذا البلد ويهتمون بهم وسيضعونهم فوق كل شيء آخر”.

ويرى المحلل السياسي لبيب قمحاوي أن الأمير حمزة اكتسب على مرّ السنين سمعة طيبة بالتقوى الصادقة، مما جعله رمزا للأمل في التغيير، خاصة بين أفراد القبائل الأصغر سنا.

وتابع قمحاوي “ليست المسألة زيارة حمزة لهذه القبائل. القضية هي كيف استقبلت هذه القبائل حمزة”.

ولم توجه أي تهم للأمير حيث قال الملك عبدالله الثاني إن الأسرة الهاشمية ستتعامل معه، لكن اسمه يظهر طوال لائحة الاتهام ضد باسم عوض الله رئيس الديوان الملكي السابق، والشريف حسن بن زيد ابن عم الملك. ويُزعم أنهما عملا على رسائل وسائل التواصل الاجتماعي التي كان الأمير ينشرها لإثارة السخط، وعرضا أيضا طلب المساعدة الأجنبية.

ويقول محمد المومني وزير الإعلام الأردني السابق إن الأمير حمزة حاول استغلال الألم الاقتصادي، متهما اياه بـ”التنسيق الشرير” مع شركائه المزعومين.

وتابع المومني، الذي تجاهل التلميحات بأن الانكماش الاقتصادي أدى إلى تآكل الرابطة التاريخية بين الملك والقبائل، “إنها ليست محاولة لمحاولة مساعدة البلاد، بل محاولة لمحاولة زعزعة استقرارها”.

ويعتبر المسؤول الأردني السابق أن العشائر قد تختلف مع بعض سياسات الحكومة، لكن “في نهاية المطاف، تقف إلى جانب الدولة والملك”.

وأشارت لائحة الاتهام إلى أن المتهمين سعوا للحصول على مساعدة أجنبية، وهي الرواية التي عززها المومني. ويُزعم أن بن زيد سأل مسؤولين في سفارة أجنبية مجهولة عن دعمهم المحتمل، بينما شغلت لائحة الاتهام علاقات عوض الله بالسعودية.

ويحمل عوض الله الجنسية الأردنية والأميركية والسعودية، وله مصالح تجارية في الخليج، ويرتبط بولي العهد السعودي القوي. ومع ذلك، لم يصل الأردن إلى حد اتهام المملكة العربية السعودية، الداعم المالي المهم، بالتورط في المؤامرة المزعومة.

Thumbnail

ويقول تقرير وكالة أسوشيتد برس إن “الأمل نادر في المناطق الريفية في الأردن وبلدات المحافظات التي تعد موطنا للقبائل البدوية الأصلية في المملكة، حيث كانت المتاجر والشوارع في وسط المدينة في مدينة الكرك مهجورة إلى حد كبير خلال زيارة أخيرة”.

ويشكو السكان من الإهمال وغياب الوظائف في ظل وجود قوى عاملة شابة سريعة النمو. وتبقى حياة الكثير من الشباب الأردنيين معلقة لأنهم لا يستطيعون اتباع المسار التقليدي للعمل والزواج والأطفال.

وينقل عن الشاب الأردني مصطفى الشمايلة، وهو شاب جمع أوراق اعتماد أكاديمية على مدى العقد الماضي، على أمل العثور على وظيفة، “لا أستطيع أن أعيش. إذا كنت أريد الزواج الآن، فكيف؟ ليس لدي أي شيء”.

والشمايلة يبلغ من العمر الآن 30 عاما، ولا يزال عاطلا عن العمل ويعيش مع والديه، على الرغم من حصوله على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة من الدرجة الأولى في الهند. وكان يسلم الطعام على دراجة نارية لتخفيف العبء عن والده البالغ من العمر 70 عاما. ويواصل البحث عن عمل على الرغم من أن الوظائف النادرة تُمنح من خلال العلاقات الشخصية، أو “الواسطة” التي يقول إنه لا يملكها.

ويتذكر والده علي، سائق سيارة إسعاف متقاعد، عندما وفرت الرعاية الملكية شبكة أمان. وحصل الأردنيون القبليون على وظائف في قوات الأمن والخدمة المدنية. وقد مُنحوا الأفضلية على أحفاد اللاجئين الفلسطينيين، وهم أيضا شريحة كبيرة من السكان، لكن يُنظر إليهم على أنهم أقل ولاء للنظام الملكي. ويقول المحلل قمحاوي “ليس الأمر أن الملك لا يريد أن يمنحهم (وظائف) الآن. ليس لديه المال. لا تملك الحكومة المال. البلد ليس لديه المال”.

6