العراق يغري السياح رغم تحذيرات السفر

لبلاد ما بين النهرين تاريخ وعادات وتقاليد ومعالم أثرية تغري السياح العرب والأجانب، خاصة منهم الذين يحبون المغامرة، بزيارتها واكتشاف أسرار جمالها و أطلال المدن والإمبراطوريات الأقدم في العالم، رغم تحذيرات السفر.
بغداد - عندما علمت عائلة جاكوب نيميك أنه يعتزم قضاء عطلة في العراق ناشدته إعادة النظر في ذلك. قال الشاب الأميركي نيميك (28 عاما)، وهو من سكان مدينة رينو في ولاية نيفادا ويعمل مشرفا بأحد المستودعات، “تلقيت رسالة نصية من جدتي لأول مرة منذ خمس سنوات تقول: عليك أن تحترمني كوني جدتك، سأكون ممتنة إذا لم تذهب. وتلقيت اتصالات من والدتي كانت تبكي خلالها”.
ورغم تفهمه لمخاوف العائلة فقد عقد نيميك العزم على الذهاب إلى العراق.
وشهد العراق اضطرابات متواصلة تقريبا دامت عقودا، لكن الوضع يشهد تحسنا تدريجيا منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في عام 2017، مع سقوط الجدران العازلة وظهور الرافعات في بغداد ومدن أخرى للاتجاه إلى البناء وإعادة الشعور بالحياة الطبيعية مجددا.
وفي وقت سابق من هذا العام استضاف العراق بطولة كأس الخليج لكرة القدم لأول مرة منذ أكثر من 40 عاما، حيث توافد الآلاف من الزوار العرب، وهو ما ساعد على إعادة البلاد إلى الخارطة.
والآن يتجه عدد صغير من السياح، لكنه متزايد، إلى العراق لرؤية مناطق الجذب التي تتباين من الصحاري والأهوار الشاسعة إلى أطلال المدن والإمبراطوريات الأقدم في العالم.
ويتوافد إلى البلاد الكثير من السياح القادمين من دول الخليج المجاورة، لكن في تحد للتحذيرات من السفر، ويتدفق على العراق عدد متزايد من هواة المغامرة القادمين من أوروبا والولايات المتحدة.

وزار نيميك، بصحبة سائح روسي وآخر بريطاني، الأطلال الشبيهة بالمتاهة في مدينة بابل القديمة، وكذلك مدينة النجف الشيعية ذات الأزقة الضيقة والبيوت المبنية من طوب اللبن (الطيني)، ومدينة الموصل القديمة في الشمال.
وقال نيميك “كنت مترددا بعض الشيء في القدوم لأنني أميركي، وكان لسان حالي يقول: يا إلهي، ارتكبت حكومة بلادي أفعالا سيئة حقا هنا. هل سيكرهني الجميع لهذا السبب؟”.
وأضاف “الأمر ليس كذلك على الإطلاق… يمكن أن تكون الحكومات سيئة، لكن الناس طيبون أينما ذهب المرء”.
وتتزامن زيادة أعداد السياح مع سعي الحكومة العراقية سعيا حثيثا لإظهار أن البلاد آمنة وأبوابها مفتوحة أمام الاستثمارات الأجنبية والزوار، إذ تتطلع إلى تنويع الاقتصاد المعتمد على النفط.
وقال أحمد فكاك أحمد، وزير الثقافة والسياحة والآثار، إن “العمل جار لبناء فنادق جديدة لمواكبة الطلب المتزايد وتجديد المواقع السياحية والمباني التراثية”.
وأوضح أن صورة البلاد لدى الغرب كساحة صراع ستتغير تدريجيا مع قدوم المزيد من الزائرين.
وأضاف “هؤلاء السياح هم رسل يخبرون تلك الدول بأن العراق عاد بلدا آمنا وليس خطا أحمر كما يصوره البعض. ربما تحتاج المسألة إلى فترة زمنية ولكنها وجيزة جدا”.
ولا تزال الولايات المتحدة والدول الأوروبية تحذر من السفر إلى العراق لدواع أمنية. وتنصح وزارة الخارجية الأميركيين الذين يختارون السفر إلى العراق بكتابة وصاياهم وعمل ترتيبات جنازاتهم مع عائلاتهم قبل بدء الرحلة.

وقال خمسة من الدبلوماسيين الغربيين إن تحذيرات السفر الأميركية أو الأوروبية لن تتغير على المدى القريب بسبب احتمال حدوث أعمال عنف لا يمكن التنبؤ بها، غير أن هذا لم يمنع الناس من السفر وإن كان عدد الزائرين غير واضح.
ولم يكشف وزير السياحة عن عدد السياح الوافدين. وقال الفريق عبدالكريم السوداني، المستشار الأمني لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إن ما يزيد قليلا عن 2.5 مليون أجنبي زاروا العراق في ستة أشهر بين 15 نوفمبر 2022 و15 مايو 2023، من بينهم 312 ألف زائر عربي.
ولا يزال قطاع السياحة في البلد متخلفا بشكل كبير؛ إذ لا يوجد ما يبين أهمية الآثار المنتشرة في البلاد، كما لا يوجد في العراق مرشدون سياحيون معتمدون.
وليس لمطار بغداد الدولي موقع إلكتروني خاص، وتوجه خانة البحث المتصفحين إلى صفحة تحذرهم بعبارة “لا نوصي بزيارة هذا البلد ‘إنه أحد أخطر الأماكن على وجه الأرض'”.
ويحاول العديد من العراقيين تعويض أوجه القصور هذه وإظهار جانب آخر من البلاد. من بين هؤلاء المدون في مجال السفر علي هلال، الذي زار العراق أثناء جائحة كورونا قادما من كندا حيث يعيش، وقرر أن يجوب أرجاء البلاد وأن يصور القصور القديمة الرائعة والجبال الخضراء في مقاطع فيديو نشرها على الإنترنت وتمت مشاركتها على نطاق واسع.
وقال هلال “أكيد توجد عندنا مشاكل سياسية واجتماعية وبيئية وغيرها، لكنْ هناك جانب جميل في البلاد يمكن أن نكون قد نسيناه، لذلك أحاول أن أساعد الناس على رؤيته”.