العراق يعيد نازحيه من المخيمات إلى الخرائب

بغداد - تبذل السلطات العراقية جهودا حثيثة لإقفال ملف النازحين، بما ينطوي عليه من مآخذ إنسانية وما يجلبه للحكومة الاتحادية من انتقادات، مأتاها من جهة الأوضاع المزرية للمقيمين في مخيمات النزوح المفتقرة لأبسط مقوّمات العيش، والتأخّر من جهة ثانية في إعادة إعمار المناطق التي نزح عنها هؤلاء فرارا من تنظيم داعش ومن الحرب الضارية التي دارت ضدّه، وإعادة الخدمات الأساسية إليها وبسط الأمن فيها، وتطبيق القانون للَجم نزعة الانتقام التي ما تزال تنفّر الكثيرين من العودة إلى ديارهم.
وأعلنت وزيرة الهجرة العراقية إيفان فائق جابرو، الجمعة، إغلاق مخيم السلامية للنازحين، بمحافظة نينوى شمالي العراق، بعد إعادة ساكنيه إلى مناطقهم الأصلية.
وقالت جابرو في بيان “تم إغلاق مخيم السلامية شرقي مدينة الموصل في نينوي، وإعادة آخر 68 عائلة نازحة إلى مناطقها الأصلية ضمن المحافظة”.
وأنشأت السلطات العراقية عام 2017 المخيم، لاستيعاب الأسر النازحة إثر اندلاع المعارك بين القوات العراقية ومسلحي تنظيم داعش.
وفرّ الملايين من العراقيين من محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين والأنبار وديالى وبابل صيف عام 2014 إثر سيطرة التنظيم على مساحات واسعة من تلك المحافظات.
وأوضحت الوزيرة أنّ “عودة النازحين وإنهاء ملف النزوح يشكلان أولوية لدى الحكومة العراقية لما ينطوي عليه من جوانب إنسانية.. فضلا عن أن حسمه يسهم في تعزيز السلم الأهلي في المجتمع ويفتح الباب أمام مستقبل ملائم لبناء منظومة اجتماعية مزدهرة ومستقرة”.
وأضافت “الآلاف من الأطفال عاشوا بالمخيمات في ظروف صعبة وآن الأوان لتنشئة هذا الجيل بشكل صحيح في بيئة مستقرة وملائمة تختلف كثيرا عن قسوة المخيمات”.
لكن كلام الوزيرة يبدو نظريا إلى حدّ بعيد بالنظر إلى أوضاع المناطق التي تتمّ إعادة النازحين إليها.
ويبلغ عدد النازحين في العراق 770 ألفا معظمهم بإقليم كردستان الذي يضم 27 مخيما لإيوائهم، فيما أُغلقت المخيمات بباقي محافظات البلاد ولم يبق سوى مخيمين فقط بمحافظة الأنبار.
وتقول الأمم المتحدة إنّ ما لا يقل عن 5.5 مليون عراقي اضطروا للنزوح بسبب الحرب ضدّ داعش. ولا يزال الكثير منهم غير قادرين على العودة إلى مناطقهم الأصلية نتيجة الدمار الذي ألحقته الحرب بمناطقهم التي لم تتم إعادة إعمارها وما تزال مفتقرة للبنى التحتية الأساسية، كما تفتقر للأمن وتسود في بعضها نزعة الانتقام من العوائل المتّهمة بأن لها صلات ما بتنظيم داعش، كأن يكون أحد أفرادها قد قاتل مع التنظيم، بالإضافة إلى تهم كيدية تلاحق بعض العوائل لأسباب مرتبطة بصراعات عائلية وعشائرية.
وتحول الصعوبات المالية التي يواجهها العراق منذ سنوات، وتعمّقت مؤخّرا بشكل غير مسبوق جرّاء التراجع الكبير في أسعار النفط وتبعات جائحة كورونا، دون إطلاق عملية إعمار للمناطق التي لحق بها دمار هائل جرّاء الحرب ضدّ تنظيم داعش، الأمر الذي يحول دون استكمال طي ملف النازحين المرتبط أصلا بالحقبة الحالكة التي سيطر خلالها التنظيم المتشدّد على ما يقارب من ثلث مساحة البلد بين سنتي 2014 و2017.
ويطالب سكّان تلك المناطق الواقع أغلبها في شمال العراق وغربه، بالتعجيل بإعادة إعمار مناطقهم وتطبيع الحياة فيها.
وفي هذا السياق قال عضو الجبهة القومية التركمانية فوزي أكرم، الجمعة، إنّ المناطق التركمانية التي تمت استعادتها من تنظيم داعش “لم تشهد أي عمليات إعمار، وتتطلب تدخلا من الحكومة العراقية بهدف إعادة نازحيها”.
وأضاف أكرم لوكالة الأناضول أنّ “هناك الآلاف من النازحين التركمان في محافظات كربلاء والنجف وغيرها إضافة إلى تركيا، وهم غير قادرين على العودة إلى مناطقهم بسبب تضرر منازلهم والبنى التحتية”.
وبقدر ما يطالب النازحون بإعادتهم إلى مناطقهم، يخشى هؤلاء من إعادة قسرية لهم دون توفير الظروف الحياتية الأمنية الملائمة.
وتقول مارين أوليفسي، منسقة الإعلام في المجلس النرويجي للاجئين، “قد يبدو إخراج الناس من المخيمات بمثابة إنهاء للنزوح، لكنه لا يحل الأزمة ولا يقدم حلولا دائمة لهذه القضية”.
وخلال الأشهر الماضية بادرت السلطات العراقية إلى إغلاق أغلب مخيّمات النزوح وأجبرت سكّانها على مغادرتها، لكنّهم فوجئوا بأنّ مناطقهم الأصلية ما تزال على حالها عندما غادروها أثناء الحرب وتفتقر إلى أدنى المرافق ولا يتوفّر فيها الأمن، فضلا عن انعدام موارد الرزق فيها.
وتحذّر جماعات الإغاثة من أن إغلاق المخيمات بشكل مفاجئ قد يتسبب في تشريد عشرات الآلاف من الأشخاص في ظل جائحة كورونا، حيث يهدد التنفيذ العشوائي لمخطّط إعادة النازحين، على حد قول تلك المنظمات، بخلق نزوح جديد وانتشار النازحين عشوائيا وإشعال الاستياء في المجتمع العراقي الذي لا يزال بصدد التعافي البطيء من ذكريات حقبة داعش الوحشية.
وتظهر بعض الأرقام تأثر ما لا يقل عن 34 ألف شخص بسبب إغلاق أو دمج مخيمات نزوح في العراق منذ أكتوبر الماضي.
ويواجه عدد من النازحين خطر الانتقام منهم من قبل سكان مناطقهم على خلفية اتهامهم بوجود صلات لهم مع تنظيم داعش. وتعيش العائلات التي تجمعها صلة ما بأشخاص انتموا للتنظيم معاناة مضاعفة، وفضلا عن كونها منبوذة وليس لديها أماكن تلجأ إليها، فهي تواجه أخطارا حقيقية على أمنها وحياة أبنائها.