العراق يتنكر لكنوزه المعمارية

قصور صدام حسين أصبحت خاوية على عروشها أو مقار أمنية.
الجمعة 2022/02/04
فضاءات خالية

تعاني القصور التي ورثتها الدولة العراقية من الرئيس الراحل صدام حسين من الإهمال، وبدل أن تتحوّل إلى متاحف ومؤسسات ذات أهمية تحوّل بعضها إلى مقار عسكرية وأمنية، بسبب البيروقراطية والفساد اللذين استشريا في الحكومات المتعاقبة منذ الغزو الأميركي للعراق.

بغداد – شيّد الرئيس العراقي صدام حسين إبان فترة حكمه العشرات من القصور والمجمعات الفخمة، حُفرت أحرف اسمه الأولى على جدرانها، لكن معظمها بات اليوم ركاما أو قواعد عسكرية، أما ما تغلب منها على امتحان الزمن فقد وجد حياة جديدة مع سنوات الفوضى الماضية.

ويزيد عدد هذه القصور والمجمعات الرئاسية عن المئة تضم مباني ضخمة في سبع محافظات، غالبيتها في بغداد ومدينة تكريت مسقط رأس صدام حسين الواقعة على بعد 180 كيلومترا شمال العاصمة.

على الجدران الخرسانية الضخمة، حفر صدام حسين أحرف اسمه الأولى “ص.ح” إضافة إلى أسماء معاركه ضد إيران وغيرها.

إثر سقوط النظام السابق مع الغزو الأميركي العام 2003، نهبت غالبية هذه القصور قبل أن تحولها القوات الأجنبية إلى مقرات عسكرية.

☚ 166 عدد قصور ومنتجعات الرئيس السابق في سبع محافظات عراقية غالبيتها في بغداد ومدينة تكريت

واليوم أصبح عدد قليل منها منشآت عسكرية أو إدارات عامة ونادرا متاحف، فيما ترك وأُهمل أو دمر ما تبقى منها خلال المعارك التي مزقت البلاد.

يقول رئيس هيئة الآثار والتراث ليث مجيد حسين “لدينا الإمكانية أن نجعل من القصور متاحف، على الأقل في بغداد”.

ويضيف “نستطيع أن نقيم متحفا للسجاد أو متحفا للعائلة الحاكمة أو للفن الإسلامي”، لكنه يشير إلى أن بعض القصور “ضخمة جدا وتحتاج إعادة تأهيلها إلى موارد مالية طائلة”، فكان إهمال هذه الثروة العراقية أسهل من حمايتها.

وبدأ تشييد هذه القصور في نهاية ثمانينات القرن الماضي واستكملت في منتصف التسعينيات، لكن معظمها دمرته فوضى الغزو على العراق، حيث نهب اللصوص كل ما يمكنهم حمله، بل وحتى قاموا بتمزيق الأسلاك الكهربائية والزخارف من الجدران.

ويفيد مسؤولون بأن هذه القصور كانت تحظى بحماية وعناية زمن حكم صدام، لكن “البيروقراطية والفساد حالا دون إصلاح القصور اليوم وتحويلها إلى مرافق سياحية وتراثية”، كما يقول مسؤول حكومي فضل عدم كشف اسمه.

ويضيف “إن الروتين والكسب غير المشروع المتجذر يمثلان عقبات أخرى”.

وقال مهندس معماري عاصر فترة حكم صدام حسين وطلب عدم ذكر اسمه إنه، “منذ عام 2003، لم تقم الحكومات العراقية ببناء إلا القليل، وثبت أنها غير قادرة على مطابقة ما أقامه صدام”.

وتضم بغداد مجمعات لقصور رئاسية تحول قسم منها إلى مبان حكومية، كذلك حول أحدها إلى “جامعة أميركية” خاصة فتحت على يد مستثمر عراقي في قصر “الفاو” أول قصر يمنح للاستثمار الخاص.

ويقع هذا القصر الذي تحيط به بحيرات وعدد من المباني الصغيرة من الحجر والرخام الأنيق قرب مطار بغداد. وكان معدا لاستقبال كبار الضيوف لكنه حول إلى مقر للجيش الأميركي بعد العام 2003.

ويشعر مايكل مونلكس رئيس “الجامعة الأميركية” بفخر بالحال التي أصبح عليها المجمع بعد تأهيله.

ويقول “جميع المباني الأخرى قد دمرت بالفعل. كانت النوافذ كلها محطمة، وهناك طيور تحلق حولها، وثعابين على الأرض، بالمعنى الحرفي للكلمة. الوضع كان كارثيا، لذا وجب علينا دخولها وإجراء تجديدات كبيرة”.

ويتابع مونلكس وهو ينظر إلى حروف “ص.ح” المحفورة في سقوف القصر المزينة بنقوش ملونة، “كنا نتساءل ماذا نفعل بها أنزيلها أم نغطيها؟” لكن في النهاية كان القرار بالإبقاء عليها كما هي لأن هذا “مكان تاريخي”.

ويختم مبررا رمزية المكان بـ”أنه قصر الرئيس الأسبق، الآن تحول إلى مؤسسة تعليمية لفائدة كل العراقيين”.

لا أحد يهتم
لا أحد يهتم

وفي البصرة، أقصى جنوب العراق، بنى صدام حسين ثلاثة قصور كبيرة تطل على شط العرب بات اثنان منها مقرا للحشد الشعبي، تحالف فصائل موالية لإيران باتت منضوية مع القوات الأمنية، فيما تحول الأخير إلى متحف تابع لوزارة الثقافة.

ويقول قحطان العبيد مدير آثار وتراث البصرة والمنسق العراقي الوطني لليونسكو، البصرة “المحافظة الوحيدة التي نجحت في تحويل أحد القصور إلى مبنى لائق وتراثي”، موضحا “هناك عدد كبير من القصور، أكثر من 166 مبنى بين قصر ومنزل” فخم.

وتسعى السلطات المحلية في محافظة بابل إلى تحويل قصر في مدينة بابل الأثرية إلى متحف. ويطل هذا القصر على الموقع الأثري وقد شيد على تل صناعي على ارتفاع 90 مترا.

ويضم قصر بابل أيضا أحرف صدام منقوشة على الجدران وكذلك نقوشا لصدام وملوك من الحضارات القديمة مثل نبوخذ نصر الثاني.

وتحمل جدران كل قاعة أسماء المعارك التي خاضعها العراق خلال حربه مع إيران (1980-1988) مثل “رمضان مبارك” و”محمد رسول الله”.

وتتدلى اليوم في القاعات الكبرى المهجورة ثريات متهالكة، فيما انتشرت على الجدران كتابات لزوار أتوا لالتقاط صور.

وتحول عدد من المباني والمرافق الخدمية المحيطة بالقصر إلى منتجع سياحي،  يقول عبدالستار ناجي مدير منتجع بابل “عندما دخلنا الموقع العام 2007، كان بحالة يرثى لها، الحكومة المحلية قررت أن يكون الموقع متنفسا لأهالي بابل والمناطق المجاورة والمحافظات الأخرى”.

ويوضح معماري كان يعمل في زمن النظام السابق، أن “الحكومات المتعاقبة لم تبن شيئا ولم تستطع أن تقوم بما قام به صدام في بناء القصور”.

وعلى ضفاف نهر دجلة يضم المجمع الرئاسي في تكريت، أكثر من ثلاثين قصرا تحول معظمها إلى أطلال جراء المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية، فيما استحال مبنى صغير فيه يطل على نهر دجلة، إلى مزار لكونه كان شاهدا على إعدام ما لا يقل عن 1700 من المجندين في يونيو 2014، بعد اختطافهم من معسكر سبايكر القريب.

18