العراق يتجه إلى الاستمطار الصناعي

يواجه العراق موجة جفاف ونقص حاد في المياه بسبب التغير المناخي الذي خلف موجة حرارة وعواصف رملية نكدت حياة العراقيين. ولتجاوز هذه الأزمة تحاول الحكومة أن تجد حلولا ممكنة منها عملية الاستمطار المائي التي يقول عنها الخبراء إنها غير مكلفة وبإمكانها إنقاذ بلاد ما بين النهرين من النقص المائي.
بغداد - كشفت وزارة البيئة العراقية عن مساع حثيثة للمضي نحو تطبيق تقنية الاستمطار الصناعي للتخفيف من الجفاف والأزمة المائية الحادة التي تعيشها البلاد وساهمت في نزوح مزارعين ومربي ماشية إلى المدينة بعد أن تضررت مصالحهم.
وشهد العراق مواسم جفاف مستمرة بسبب نقصان في نزول الأمطار في السنوات الثلاث الأخيرة وارتفاع في درجات الحرارة غير مسبوق في التاريخ الحديث، ما أدى إلى زيادة ملوحة المياه في الأنهار والمياه الجوفية بمناطق غرب بغداد وارتفاع معدلات التلوث في التربة.
وتتالت الأزمات على الشعب العراقي وتنوعت من اجتماعية وسياسية واقتصادية ثم أزمة مناخية في حين أنه من حق هذا الشعب أن يعيش في أفضل حال نظرا إلى إمكانيات البلاد وثرواتها.
وقال عضو مفوضية حقوق الإنسان فاضل الغراوي إن "حق العيش في بيئة سليمة من الحقوق الأساسية للإنسان، وعلى الدولة رعايته، في حين أن الأزمات تتزايد بسبب التغيرات المناخية وقلة وندرة الموارد المائية بفعل تعقيدات تواجه العراق مع دول المنبع والجوار الإقليمي".
وأضاف، أن "الحاجة باتت ماسة إلى أن تتعامل الدولة بآليات جديدة، وأن تستفيد من تجارب الدول المحيطة بتطبيق الاستمطار الصناعي، من أجل تحسين البيئة والحد من العواصف الرملية وتداعياتها الصحية والاقتصادية والنفسية على المواطنين”.
ويحذر الخبراء من وصول العراق إلى أعتاب جفاف حقيقي بحلول العام 2030، متوقعين أن يهدد ذلك كل المصادر المائية العراقية بالنضوب تماماً، وتمتد أضراره إلى الموارد الزراعية والحيوانية المحلية.
وقال وزير البيئة جاسم الفلاحي، إِنَّ “هناك جهوداً كبيرةً وبحثية حتى هذه اللحظة من قبل دول عِدَّة في العالم”، مبيناً أنّ “العراق من أوائل الدُّوَل التي جربت الاستمطار الصناعي، لكن حتى الآن وبكل المؤشرات العالمية هناك حساب جدوى مهم في هذه
العملية”. وأضاف الفلاحي، أن “الاستمطار الصناعي واحد من الأمور التي اتجه لها العالم لمواجهة تأثير التغيرات المناخية كالجفاف والتصحر والعواصف الغبارية”، لافتاً إلى أن "هناك دولا تقوم بمثل هذا الموضوع ليس على سبيل استخداماتها اليومية للحد من التأثيرات والتغيرات المناخية، ولكن يمكن أن يستخدم كتجارب، وهناك أمور بحثية لمواجهة تَحَدٍّ في وقت معين".
وأشار الفلاحي إلى أَنَّ "دائرة الغابات ومكافحة التصحر في وزارة الزراعة لم تحدد حتى الآن الوصول إلى تقنية تستطيع من خلالها الاعتماد الكلي على الاستمطار الصناعي لأنه يتطلب مواصفات تتعلق بالرطوبة والأنواء الجوية المناسبة واتجاه الرياح، وهي من تضمن نجاح التجربة".
◙ الخبراء يحذرون من أن الجفاف يهدد كل المصادر المائية بالنضوب تماما وتمتد أضراره إلى الموارد الزراعية والحيوانية
ونبه إلى أن "تعميم تجربة الاستمطار الصناعي مرتبط بالتقدم في التقنيات"، مستدركا أن "العراق جاد جدا في استخدام هذه التقنية في المستقبل". ويقول الخبير في الهندسة البيئية حيدر محمد عبدالحميد، أن "الاستمطار الصناعي قد ينقذ البلاد من هذه الكارثة باعتباره إحدى التقنيات القديمة المستخدمة ضمن عمليات التحكم بالطقس".
وأشار إلى أن "تقنية الاستمطار الصناعي يمكن أن تضيف حصة وتزيد من موارد العراق المائية من خلال ملء الخزانات والسدود وزيادة الغطاء النباتي والغلة الغذائية والمناطق المزروعة وتقلل البطالة، فضلاً عن درء اللسان الملحي بدلا من إطلاق مياه عذبة من سدي دوكان ودربندخان".
ويقول الخبراء إن تقنية الاستمطار الصناعي تستخدم بطريقتين؛ الأولى قديمة حيث كانت تستخدم رش مواد كيماوية صديقة للبيئة باتجاه الغيوم تطلق عبر آليات مختلفة من بينها المدافع والطائرات لتحقيق مناطق تكثيف ومن ثم سقوط الأمطار.
وقالت الهيئة العامة للأرصاد الجوية، إن تطبيق تقنية الاستمطار الصناعي يمكن أن يساهم في مواجهة العواصف الترابية وهشاشة التربة، ولاسيما أن التجربة طبقت في العديد من دول العالم ودول الخليج العربي. وأضافت أن الاستمطار الصناعي يكون في بداية فصل الشتاء لحاجته إلى غيوم نشطة وقريبة من سطح الأرض.
ويقول محمد عبدالحميد إن "جميع التجارب أثبتت دور هذه التقنية في تقليل درجة الحرارة بمقدار 5 ـ 12 درجة مئوية، ولها القابلية الكبيرة للتغيير الكامل للمناخ في البلد"، منبها إلى أن كلفة هذه التقنية ليست عالية، "بل إنها تحسب بحسب المساحات التي ترغب الحكومة بغمرها، وهي في متناول الدول الفقيرة، فكيف بالعراق الغني الذي يمتلك موارد نفطية هائلة".
وهناك طريقة جديدة للاستمطار الصناعي تتمثل في إطلاق فيض من الشحنات السالبة أو ما يعرف بالتأيين، حيث تعتمد على كميات بخار الماء في الهواء ولا تشترط وجود الغيوم.
وقالت مصادر رسمية، إن "هنالك لجانا فنية قد شكلت من قبل مؤسسات مختلفة لمتابعة الأمر وجمع المعلومات الممكنة حول تقنيات الاستمطار من خلال بعض التجارب التي طبقت في بلدان إقليمية ومعرفة حجم النجاح المحقق منها بغرض الاستفادة منها ونقلها إلى العراق".
وأشارت إلى أنه "إذا ما نجحت تلك التقنيات في البيئة العراقية سيكون تطبيقها بشكل ريادي تجريبي وإذا ما كان هنالك تقدم في ذلك الأمر سيتم المضي في تنفيذها ضمن فترات زمنية أوسع". ويعيش العراق أزمة جفاف هي الأقسى في تاريخه المعاصر جراء جملة من الأسباب في مقدمتها خنق أنهار المنبع والروافد من قبل الجارتين تركيا وإيران فضلاً عن شح سقوط الأمطار خلال المواسم الثلاثة الماضية وتقلبات التغير المناخي العالمية.