العراق أمام 30 يوماً "حذرة" من المهلة الدستورية لتشكيل حكومة جديدة

تكليف السوداني انتكاسة أميركية ونصر لإيران في المنطقة.
السبت 2022/10/15
الحكومة الجديدة ستكون تحت التهديد الدائم، إذ لا يزال الصدر قادراً على تعبئة عشرات الآلاف من مناصريه بتغريدة واحدة

يسود صمت حذر في العراق بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتكليف رئيس وزراء محسوب على أحد أكثر التيارات إشكالية في الساحة السياسية العراقية. وأبرز ما في هذا الصمت موقف التيار الصدري الذي يشي بأن ما حدث جرى رغماً عنه وعلى حساب مواقفه، أو بتسوية وصفقة أبرمت معه. وهو في كل الأحوال أمام خيارات محدودة من بينها أن يعطي فرصة للمنظومة السياسية للقيام بخطوات معينة، أو أن يحاول قلب الطاولة وإثارة الشارع من جديد.

بغداد - بعد عام من إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق، ما تزال البلاد تترنح بسبب تجاذبات سياسية بين مراكز القوى والتكتلات المختلفة لم تقف عند حدود قرارات تتخذ في اجتماعات بهدف تعطيل أو قطع الطريق أمام خطط المعسكر الآخر، بل كثيرا ما كانت تشهد الاستقواء بالشارع وحشد المؤيدين والأنصار وتطورت إلى مصادمات سالت معها الدماء.

وبانتخاب عبداللطيف رشيد رئيسا للجمهورية يبدأ فصل جديد من فصول المستجدات السياسية التي يشهدها هذا البلد وسط تطلعات أبنائه إلى حقبة تغير واقعهم إلى الأفضل وترقب الأطراف المعنية لما ستتمخض عنه هذه الخطوة، لاسيما وأنها أزالت عقبة تسمية رئيس الحكومة.

وشهدت جلسة الثالث عشر من أكتوبر الجاري حدوث اختراق بعد انسداد سياسي تخللته محاولات عدة لانتخاب رئيس العراق الجديد بسبب خلافات كردية – كردية على تسمية المرشح لهذا المنصب ومواءمات أخرى من قبل أصحاب النفوذ، لاسيما وأنه وفقا للنظام السياسي العراقي يجب أن يكون الرئيس كردياً، وهو من يسمي رئيس الحكومة، ويكون شيعيا بطبيعة الحال، بينما يكون رئيس البرلمان من السنة.

ورحب الكثير من العراقيين بخطوة انتخاب رشيد رئيسا للبلاد، آملين أن تخلّص العراق من أطول فترة فراغ سياسي منذ انتخابات عام 2005، وأن تضع حدا لمناكفات سياسية داخل البيت الشيعي بين التيار الصدري وخصومه في الإطار التنسيقي المدعوم إيرانيا تسببت في تعطيل تشكيل الحكومة على مدار الأشهر الماضية.

وألقت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية الضوء على تكليف رشيد، فور الإعلان عن فوزه بالمنصب، لمحمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة، مشيرة إلى أن أمامه 30 يوما هي المهلة الدستورية لإعلان تشكيلته الحكومية. وركزت الصحيفة على أن حسم السجال السياسي بين التيار الصدري والإطار التنسيقي لصالح المعسكر الأخير المحسوب على إيران يعد بمثابة “انتكاسة” للولايات المتحدة.

حكومة هشة

سجل السوداني يؤهله لجمع المكونات العراقية
سجل السوداني يؤهله لجمع المكونات العراقية

ويرى داعمو السوداني، وهو وزير سابق ومقرب من نوري المالكي، أن سجله يؤهله لجمع المكونات العراقية المختلفة تحت لواء التغيير والتعامل مع مشكلات مزمنة في البلاد مثل محاربة الفساد وإعادة تأهيل البنية التحتية. إلا أن آخرين ينظرون بعين الترقب، معتبرين أن ترشيحه يعد اختراقا "اسميا" فقط، وفقا للصحيفة التي استعرضت الأسس التي يقوم عليها النظام العراقي، مشيرة إلى صعوبة مهمته في توزيع المناصب الحكومية بين مختلف الأطياف.

وقال الباحث في المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس” ريناد منصور إن “مجرد أنهم تمكنوا من الجمع بين القادة السنة والشيعة والأكراد لتشكيل حكومة، هذا لا يعالج الاضطرابات السياسية العميقة في البلاد. ولا يعالج الإحساس العميق بالغربة لدى الشعب العراقي عن النخبة السياسية". ويضيف منصور “لا نزال نرى نفس الشخصيات المهيمنة على المشهد السياسي منذ 2003 والتي خنقت الإصلاح وسمحت بالفساد السياسي الذي يضر بالعراقيين كل يوم".

غير أن التطورات التي شهدتها الساحة السياسية العراقية يوم الخميس تركت مقتدى الصدر "شخصية متضائلة"، وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية التي نقلت عن المحلل السياسي العراقي محمد جاسم من بغداد قوله “أعتقد أن ما حدث اليوم (الخميس) ضربة قاصمة لمقتدى الصدر سياسيا، بانتصار الإطار التنسيقي عليه، بات الطريق ممهدا تماما لهم لتشكيل الحكومة".

ويصف جاسم ما حدث بأنه “انتصار لإيران وانتكاسة للمصالح الأميركية في المنطقة، فالإطار التنسيقي المدعوم إيرانيا سيفعل كل ما في وسعه لمحو أي وجود أميركي في البلد وسيضع العراقيل أمام أي تعاون اقتصادي مع الولايات المتحدة، وكله لصالح إيران".

في الأثناء تعهد السوداني رئيس الحكومة المكلف بتقديم التشكيلة الوزارية في أقرب وقت ممكن. وقال في تغريدة على تويتر “أعد العراقيين أن أكون عند حسن ظنهم بتقديم التشكيلة الوزارية بأقرب وقت، وأن أكوّن حكومة قوية وقادرة على بناء البلد وخدمة المواطنين وحفظ الأمن والاستقرار وبناء علاقات دولية متوازنة".

ويرى مراقبون أن السوداني أمامه مهمة ليست بالسهلة، ويرجعون ذلك إلى المحاصصة التي وصفوها بأنها سبب كل المشاكل التي يعاني منها العراق. وفي هذا الإطار جاء أيضا الموقف الذي عبرت عنه الأمينة العامة للحركة المدنية الوطنية في العراق شروق العبايجي في تصريحات لقناة السومرية الفضائية، والتي اعتبرت خلالها أن "العملية السياسية المشوهة لن تقدم شيئا للبلاد".

وأضافت العبايجي “لا أمل في تغيير الواقع، والشعب العراقي عبر عن غضبه ورفضه ولكن الطبقة السياسية لا تعي ما يعانيه الشعب وهناك فجوة، فهم يعيشون في عالم منعزل”. وتابعت قولها “بعد الانتخابات الأخيرة كانت هناك محاولة لتشكيل الأغلبية السياسية لم تنجح لأن القوى السياسية متمسكة بالمحاصصة، والإطار التنسيقي يريد مشاركة التيار الصدري في الحكومة المقبلة لإعادة المحاصصة ومبدأ تقسيم الكعكة".

وتبدو مهمة تشكيل الحكومة في بلد متعدد الطوائف والعرقيات وتقوم فيه الحياة السياسية على مفاوضات لا تنتهي بين القوى المهيمنة على المشهد صعبةً، وقد تعود الخلافات من جديد إلى الواجهة.

وعن ذلك يقول منصور إنه حينما ستبدأ المحادثات بشأن من سيكون وزيراً، ومن له اليد الأعلى في الوظائف العليا، والمؤسسات الحكومية وخزينة الدولة "سيطفو المأزق من جديد على المشهد". ويضيف "سنكون أمام حكومة محاصصة تحاول فيها الأحزاب السياسية تقاسم ثروات البلاد".

وقد حقق العراق 87 مليار دولار كاحتياطات نقدية بفضل الإيرادات النفطية، لكنها تقبع في البنك المركزي بانتظار حكومة جديدة وإقرار موازنة تسمح بالاستفادة من تلك الأموال، خصوصا بمشاريع بنى تحتية كبيرة يحتاج إليها العراق بعد عقود من النزاعات.

وسارع السوداني في كلمة ألقاها ليل الخميس إلى تبني "إصلاحات اقتصادية تستهدفُ تنشيط قطاعات الصناعة والزراعة"، مضيفاً كذلك بأنه سوف يعمل “على توفير فرص العمل والسكن” للشباب، معرباً عن استعداده التامّ للتعاون مع جميع القوى السياسية والمكونات المجتمعية، سواء المُمثَّلة في مجلس النواب أو الماثلة في الفضاء الوطني.

لعبة تهديد الاستقرار

مهمة تشكيل الحكومة يمكن أن تكون سهلة بسبب "حالة التوافق" بين القوى الموجودة في البرلمان
مهمة تشكيل الحكومة قد تكون سهلة بسبب "حالة التوافق" بين القوى الموجودة في البرلمان

صحيح أن رئيس الوزراء المكلّف شدّد على أنه لن يسمح بالإقصاء والتهميش، فالخلافاتُ كما يقول “صدّعت مؤسسات الدولة وضيعت كثيرا من الفرص على العراقيين في التنمية والبناء والإعمار”، إلا أن خطر انفراط عقد الاستقرار لا يزال قائماً، وقد يحصل في أي لحظة.

وتواجه الحكومة الجديدة تهديدا من نوع آخر، إذ ما يزال الصدر قادرا على تعبئة عشرات الآلاف من مناصريه بتغريدة واحدة. وهو الذي كان قد سحب في يونيو الماضي نوابه البالغ عددهم 73 نائباً من البرلمان، الذي بات يهيمن عليه الإطار التنسيقي مع 138 نائباً من أصل 329.

◙ السوداني أمامه مهمة ليست بالسهلة بسبب المحاصصة التي توصف بأنها سبب كل مشاكل العراق

ويضمّ الإطار كتلة دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الخصم التاريخي للصدر، فضلاً عن كتلة الفتح الممثلة للحشد الشعبي الذي يضمّ فصائل موالية لإيران.

وفي هذه الأثناء يسود صمت حذر، على حد وصف المحلل السياسي العراقي علي البيدر، يعكسه موقف التيار الصدري، ويضيف "واحد من الخيارات، أنه يعطي فرصة للمنظومة السياسية للقيام بخطوات معينة"، أو قد يكون الصمت "ناتجاً عن عملية تسوية وترضية حصلت بين التيار الصدري والأطراف السياسية".

وبلغ التوتر السياسي في البلاد ذروته في التاسع والعشرين أغسطس الماضي، حينما قتل أكثر من 30 من مناصري الصدر في مواجهات مسلحة مع الجيش وقوات الحشد الشعبي المنضوية في أجهزة الدولة. لذلك فإن الوضع لا يزال “هشاً” حسب تعبير منصور الذي يقول إن “الصدر لا يزال حاضراً، ويحاول التأثير، واستخدام ورقة التظاهرات للتعويض عن رأس المال السياسي الذي خسره” بخروجه من البرلمان.

وهدف الصدر حالياً هو فرض انتخابات مبكرة عبر استخدام لعبة عدم الاستقرار الممنهج، كما يفعل عادةً، ليحافظ على قوته وتأثيره في المفاوضات. لكن أخطاءه السابقة تضعه في موقف صعب للتفاوض.

ويرى البيدر أن “مهمة تشكيل الحكومة سوف تكون سهلة” وذلك "بسبب حالة التوافق" بين القوى الموجودة في البرلمان. لكن "مهام جسيمة" تنتظر الحكومة متعلقة بـ"محاربة الفساد والقضاء على ظاهرة الفقر والسلاح المنفلت".

6