العراق أمام تحدي الحفاظ على النخيل وسط أزمة الجفاف

"بلد الـ30 مليون نخلة" فقد نحو 1200 نوع من النخيل.
السبت 2024/09/07
تنوع وتميز

لطالما شكّلت النزاعات المتكررة التي ألمّت بالبلاد لاسيما الحرب بين إيران والعراق (1980 – 1988) التهديد الأبرز للنخيل، لكن التحديات البيئية والحاجة إلى إحداث نقلة نوعية بالقطاع تفرض نفسها اليوم.

جناجة (العراق) - يتسلق الفلاح علي عبد شجرة نخيل حافي القدمين ومعلّقا بحزام من قماش ومعدن، لقطع شماريخ البلح في العراق حيث تُعدّ هذه الأشجار رمزا وطنيا يقاوم الجفاف.

في العراق الذي كان يسمّى “بلد الـ30 مليون نخلة”، شكّلت النزاعات المتكرّرة، لاسيما الحرب بين إيران والعراق التي امتدّت من 1980 حتى 1988، التهديد الأبرز للنخيل، قبل أن تبدأ التحديات البيئية الناتجة عن التغيّر المناخي في منطقة تشهد سنويا موجات جفاف تزداد قسوة مع الوقت.

في قضاء القاسم بوسط العراق، لا تزال المئات من أشجار النخيل تحافظ على شموخها قرب الحقول وكروم العنب.

في موسم الحصاد، تنحني الأغصان بفعل ثقل عناقيد البلح الأصفر والأحمر في محافظة بابل. ويبدأ متسلقو الأشجار عملهم مع بزوغ الفجر تفاديا للحرّ اللاذع في الساعات المتقدّمة من النهار، يستخدموع أذرعهم للدفع بأجسادهم المعلّقة بحزام مربوط بحبل بجذع الشجرة.

التمور تشكل ثاني أكبر صادرات العراق بعد النفط وتدرّ أكثر من 120 مليون دولار سنويا، بحسب البنك الدولي

ويقول عبد البالغ 36 عاما، وهو مزارع من قرية بيرمانة، “المحصول الزراعي جيّد هذا العام، وذلك بفضل المياه”.

ويوضح “العام الماضي، عطشت البساتين، ويمكن القول إنها كادت تنتهي. أمّا هذا العام، فالحمد لله كانت كمية المياه جيدة جدا”.

في أعلى الشجرة، يقطف المتسلّقون البلح الناضج فقط لملء سلّة يتمّ إنزالها بعد ذلك بواسطة حبل إلى الأرض حيث يعمل أطفال على إفراغها، ثم يوضع المحصول في أوعية من أجل تحميله في شاحنات.

مع ذلك، يقول عبد إن المحاصيل لا تزال راهنا أقلّ بكثير من تلك التي عرفها مزارعو العراق في الماضي.

ويشير إلى تراجع محاصيله “بنسبة النصف” تقريبا في السنوات الأخيرة، إذ كانت تزيد عن 12 طنّا في الماضي فيما لا تتجاوز اليوم الخمسة أطنان سنويا.

ويشكو كذلك من أن “الدولة لا تدعم الفلّاح”، معتبرا أن الحملات العامة لرشّ المبيدات الحشرية لا تلبي الاحتياجات.

ومنذ أكثر من عشرة أعوام، تعمل السلطات العراقية ومؤسسات دينية على إنعاش أشجار النخيل التي تشكّل رمزا وطنيا ومحرّكا مهما للاقتصاد، وأطلقت برامج عدّة لدعم المحاصيل وزيادة التشجير.

وتوجد مشاريع عملاقة في هذا الإطار في محيط مدينة كربلاء المقدّسة، بإدارة مؤسسات دينية محلية.

لا تزال المئات من أشجار النخيل تحافظ على شموخها
لا تزال المئات من أشجار النخيل تحافظ على شموخها

وقال المتحدث باسم وزارة الزراعة محمد الخزاعي في أغسطس، وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء العراقية، إن بفضل الجهود المبذولة “وصلت أعداد أشجار النخيل في العراق إلى أكثر من 22 مليونا للمرّة الأولى منذ ثمانينات القرن الماضي” بعدما كان العدد تراجع إلى ثمانية ملايين.

خلال الحرب العراقية – الإيرانية، قطعت بغداد النخيل من مساحات شاسعة في البصرة الحدودية لمنع تسلل العدو على ضفاف شط العرب حيث يلتقي نهري دجلة والفرات.

ويصف المهندس الزراعي علاء البدران المشهد بأنّه “مقبرة” للنخيل التي كان عددها ستة ملايين شجرة قبل النزاع، ولا تتجاوز أعدادها اليوم ثلاثة ملايين شجرة. يتحدّث البدران عن تحد آخر وهو “ارتفاع (مستوى) ملوحة مياه شطّ العرب”.يرى المزارع أحمد العوّاد أنّ الحلّ لهذه المشكلة هو إنشاء “منظومات تقطير وتحلية” للريّ، لكنها “قد تكون مكلفة كثيرا”. كانت لعائلته في الماضي أرض تضمّ 200 نخلة، فيما لا يتجاوز عددها الآن 50 شجرة.

في شرق العراق قرب الحدود مع إيران، تظهر نتائج الحرب أيضا في بدرة في محافظة واسط، حيث تبدو جذوع بعض أشجار النخيل الشاهقة مقطوعة.

ويندّد المسؤولون المحليون بصعوبة التزوّد بالمياه منذ أكثر من عقد، مع اتهام إيران بتحويل مجرى نهر “ميرزاباد” المسمّى محليا نهر الكلّال. وينتقد أركان الشمري مدير زراعة محافظة واسط “سياسات الدول المجاورة وقطع المياه عن البلد”.

يقول المزارع موسى محسن الذي يملك نحو 800 نخلة إن “تمرة بدرة يضرب بها المثل”. ويضيف “أرض بدرة كانت تتغذى سابقا بنهر الكلال الذي يأتي من إيران”، متابعا أن “المياه كانت فائضة، بدرة كانت مثل بحر”، لكن “اليوم لنسقي، نعتمد على الآبار”.

تشكّل التمور ثاني أكبر صادرات العراق بعد النفط وتدرّ أكثر من 120 مليون دولار سنويا، بحسب البنك الدولي.

في العام 2023، صدّر العراق نحو 650 ألف طن من التمور بحسب وزارة الزراعة.

مع ذلك، تكثر أشجار النخيل مقطوعة الرؤوس أو الذابلة قرب قرية جناجة، في مشهد يعزوه المزارع ميثم طالب (56 عاما) إلى “الجفاف”.

ويوضح لوكالة فرانس برس “كلّ النخيل الذي ترونه هنا مات بسبب الجفاف، والمنطقة كلّها تعاني”. ويضيف “في السابق، كان الري بطريقة الغمر بالمياه. أمّا الآن، فبات المزارعون يستخدمون آلات صعبة”.

ويعاني العراق منذ أكثر من أربع سنوات من جفاف قضى على جزء كبير من الأراضي والمزروعات. ويعدّ العراق، وفق الأمم المتحدة، من بين الدول الخمس الأكثر تأثّرا ببعض أوجه التغيّر المناخي.

محاولة إنقاذ
محاولة إنقاذ

وبالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة ونقص الأمطار، تعزو السلطات العراقية الجفاف أيضا إلى بناء الجارتين تركيا وإيران سدودا على نهري دجلة والفرات اللذين يرويان منذ آلاف السنين بلاد ما بين النهرين، مهد الزراعة.

ويتحدّث الفلّاح كفاح طالب (42 عاما) عن تأثير الجفاف على تحوّل “جنّة” الفاكهة من “تفاح ورمان وحمضيات وعنب” إلى أراض قاحلة.

ويقول “في السابق كنّا ننتج كثيرا ونصدّر كثيرا، لكن الكميات اليوم لا تسدّ احتياجاتنا”.

وأوضح مصدر في وزارة الزراعة أنه “لا ينبغي أن نكون متفائلين أكثر من اللازم. وسوف تصبح المياه نادرة مرة أخرى. العراق يحتاج إلى مشاريع مائية جديدة. هناك زيادة كبيرة في عدد السكان، وهناك ضعف في الموارد المائية، ولم يتم إنشاء أي مشاريع جديدة منذ ثلاثة عقود”.

وقال المصدر إن “العراق فقد نحو 1200 نوع من النخيل وأكثر من 40 في المئة من المحاصيل الزراعية”.

وأضاف “قد يتحسن الوضع، لكن ليس هناك ما يضمن ذلك، حيث إن طرق الري المستخدمة قديمة جدا، والمياه الجوفية شحيحة جدا. كل هذا يجب أن يتم حله في أسرع وقت
ممكن”.

وأطلق العراق مبادرة كبيرة لزراعة 5 ملايين شجرة في جميع محافظاته، رغم أنه عدد قليل جدا للحد من التصحر، بحسب تقرير وزارة البيئة العراقية لعام 2022.

16