العراقي سامان حداد يعزف ألف نغم ونغم من بابل إلى بون

يعاني المهاجرون العرب في أوروبا من مشكلة الاندماج، هم في داخلهم منقسمون بين الثقافة الأم وثقافة البلد المضيف، لكن الشاب العراقي سامان حداد تغلب على هذا الانفصام بالموسيقى والطعام ولقاء كل المنفتحين على الآخرين وهو اليوم يعمل على مشروع موسيقي يجمع بين الموسيقى العربية والأوروبية ضمن مهرجان بيتهوفن.
بون (ألمانيا) ـ في غرفة بالحي القديم بمدينة بون، يغني سامان حداد خلف عازل بلاستيكي، وبجانبه يجلس هانز يواخيم بوشنغ عازف آلة الكلارينيت في أوركسترا بيتهوفن، محاولا مساعدة صديقه العراقي في ضبط الغناء مع الآلات الموسيقية التي تصدح بأنغام أوروبية وعربية وشرقية مثل العود والناي وآلة الكمان. وتأتي هذه التدريبات في إطار ورش عمل “1001 إيقاع بين بون وبابل”، التي ينظمها حداد ضمن مهرجان بيتهوفن.
ويقول هانز يواخيم بوشنغ لـ”دويتشه فيله” “نجتمع من ثقافات مختلفة ونتحاور عن طريق الموسيقى”، خاصة أن هؤلاء يتدربون على دمج موسيقى ابن مدينة بون الموسيقار بيتهوفن مع أغنية عربية تقليدية.
وأضحى سامان حداد من المشاهير المحليين في مدينة بيتهوفن، ليس فقط مع فرقتيه الموسيقيتين، بل لأنه مدمن للعمل الثقافي ومناضل لا يكل من أجل خلق التفاهم والاندماج.
وفي السنوات القليلة الماضية نظّم حفلات موسيقية على المراكب والحافلات ذات الطابقين، ونظم فعاليات بين الثقافات أو “حفلات عشاء” في الهواء الطلق في وسط بون، وقاد موكبا كرنفاليا كاملا وأشرف على المشهد الثقافي المحلي نيابة عن معهد غوته في أربيل شمال العراق.
ويصف الشاب نفسه بأنه “وسيط ثقافي”، وتتغير ألقابه الخيالية كل بضعة أشهر، أحيانا يطلق على نفسه اسم مصطفى موسترمان، ثم سلفادور علين خاصة وأن مهماته الثقافية كانت متنوعة، بدأت قبل عشر سنوات في مطبخه الصغير المضاء بالشموع، حيث كان يدعو أصدقاءه إلى منزله لتناول العشاء.
ويقول حداد “في البلقان هناك مقولة جميلة: الدب الجائع لا يرقص”، وقد فتح مطعمه الصغير ليصبح ملتقى أصدقاء الحي الذين يملكون الروح المنفتحة على الآخر.
ومع انتشار فايروس كورونا تعذر لقاء أصدقائه في المطعم الذي يسميه “تولبار 4″، لكنه لم يتوقف، فذهب إلى المركز الثقافي في المدينة وسأل عما إذا كان بإمكانه إقامة حفلات في الحافلة ذات الطابقين المعروفة بحافلة “بون إنفومايشن”، وهي حافلة كانت خارج الخدمة بسبب أزمة كورونا، قبل المركز الثقافي، وأقام حداد 40 حفلة موسيقية، أولا في دور كبار السن ومنازل اللاجئين ثم في جميع أنحاء بون.
ويقول إن أفضل حفلاته كانت في حي يسمى “حي المشاكل”، ويضيف “رد فعل الصغار في حي تاننبوش (حي في بون) كان الأروع. لقد عرفنا أن الأمر يستحق العناء! هؤلاء الأطفال لن ينسوا ذلك أبدا، وهذا ما يحفزني في عملي، أن أجعل الناس سعداء”.
ولد سامان في بغداد لأسرة من أصول كردية عربية وهندية وجاء إلى ألمانيا مع إخوته الأربعة ووالدته عندما كان في الـ13 من العمر. عاشت الأسرة في البداية في منازل طالبي اللجوء.
وبعد الخوض في حياة مدرسية متقطعة، تخرج من المدرسة الثانوية، لكنه لم يعرف كيف يمكنه المضي قدما بعد ذلك، لذلك قام أولا بتكوين مهني كسباك يعمل بالغاز والمياه وسرعان ما قرف من هذا العمل، فرجع إلى الدراسة وحصل على دبلوم المدرسة الثانوية في مركز تعليم الكبار، وعمل مع الأطفال ثم مرشدا سياحيا، وأيضا على متن سفينة سياحية.
علم حداد نفسه بنفسه، بدأ بمطالعة الكثير من الكتب، كان على اتصال بالنظريات التربوية مع أفلاطون وروسو وكانط وديوي وإريكسون. وبدأ يفهم نفسه بشكل أفضل قائلا “العديد من المهاجرين لا يدرسون لأن لديهم شخصيتان. فمن ناحية، أنت الطفل الجيد في المنزل الذي يفعل كل ما يقوله الوالدان ويعيش وفقا لثقافة بلده الأصلي، ولكن في الخارج تعيش شخصيتك المختلفة. هذا الإدراك جعلني أكثر صدقا مع والديّ”.
وخلال كأس العالم 2006، نظم حداد حفلات موسيقية في أحد المهرجانات، وفي عام 2007 عمل كمرشد في المعرض المتنقل “50 عاما من معاهدة روما”. مشروعان قصيران، لكنهما منحاه نظرة مهمة حول نوع العمل الثقافي الذي يقوم به اليوم.
الشاب العراقي يحب الاندماج بين الشعوب لذلك فالاقتباس المفضل لديه مأخوذ من غوته “من يعرف نفسه والآخرين سوف يُعرف أيضا. لم يعد من الممكن الفصل بين الشرق والغرب”، وحداد يعرّف ذلك على النحو التالي “حتى لو لم تعجبني مطلقا كلمة اندماج، كان هناك دائما اندماج. عندما أذهب إلى مدينة أخرى، إلى بلد آخر، أتأقلم مع الظروف. وعندما يكون أحدهم ضيفي أقترب منه، الاندماج ينطبق على الجميع سواء كان مضيفا أو ضيفا”.