العراقيون يحتفون باستعادة أعمال فنية منهوبة

الأعمال المعروضة تعود لمعلمي الفن التشكيلي ورواده ونخبته وهي تمثل جزءاً من تاريخ الفن العراقي المعاصر.
الأحد 2022/04/24
الفن سلاح ناعم

شهد العراق أعمال نهب وحشية طالت كنوزه الأثرية والفنية، وهو يحاول اليوم بجهود رسمية ومبادرات خاصة استعادتها، من ذلك لوحات ومنحوتات من الإرث الفني تم عرضها في بغداد.

بغداد - في بغداد، بات بإمكان الجمهور أن يتمتع من جديد بلوحات لمناظر طبيعية وأعمال نحتية تمثل جزءا من الإرث الفني التشكيلي العراقي الذي فُقد جراء السرقة والنهب عقب غزو العراق عام 2003، في معرض يضم نحو مئة من أعمال استعادتها البلاد خلال السنوات الماضية.

وافتتحت وزارة الثقافة نهاية شهر مارس الماضي في قاعة كبيرة معرضا جمع أعمال فنانين رواد في الرسم والنحت، كانت سُرقت عام 2003 من أكبر المراكز الفنية في بغداد الذي كان يضم الآلاف من اللوحات والأعمال النحتية التي مازال مصير أغلبها مجهولا.

وتحمل القاعة اسم أشهر الفنانين العراقيين الرواد فائق حسن، وتضم قرابة مئة لوحة رسم وعمل نحتي تمت استعادتها من الولايات المتحدة وإيطاليا وسويسرا والأردن وقطر.

ويقول الفنان التشكيلي فاخر محمد “هذه الأعمال المعروضة تعود لمعلمي الفن التشكيلي في العراق ورواده ونخبته تعرضت لأضرار أثناء سرقتها عام 2003، وهي تمثل جزءاً من تاريخ الفن العراقي المعاصر”. ويضيف “لكن تمت صيانتها وتأهيلها في زمن قياسي”.

وأُنجزت تلك الأعمال في فترات مختلفة انطلاقاً من مطلع الأربعينات، ويعود تاريخ بعضها إلى حقبتي الخمسينات والستينات.

وتتنوع أساليبها الفنية ومدارسها، ولكن معظمها مستقاة من الواقع والبيئة الاجتماعية. وتبرز لوحة “الأهوار العراقية” في واجهة الأعمال الواقعية، وهي مستوحاة من منطقة الأهوار الساحرة في جنوب البلاد حيث تطفو بيوت القصب والزوارق الخاصة المعروفة بـ”المشاحيف”.

ومن الأعمال اللافتة للأنظار، لوحة كبيرة للفنان فائق حسن تظهر فيها انتفاضة الناس البسطاء ضد الحرمان والفقر، وقد أنجزت عام 1967 وتطغى عليها الألوان القاتمة والوجوه الفزعة الهاربة من أماكن محترقة.

وهناك أيضا تمثال “الأمومة” لجواد سليم، وهو تمثال خشبي استعاده النحات العراقي طه وهيب مقابل مئتي دولار دفعها لشخص كان يقتني التمثال من دون أن يعلم قيمته التي قد تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات، وفق ما يقول الفنان.

كما توجد أعمال تعود إلى نخبة من أبرز الأسماء الفنية العراقية مثل عبدالقادر الرسام وكاظم حيدر وجميل حمودي ونوري الراوي وإسماعيل الشيخلي وحافظ الدروبي وشاكر حسن آل سعيد ونوري مصطفى بهجت وعبدالكريم محمود وسعد الكعبي.

وكانت الأعمال المستعادة معروضة قبل 2003 في أحد أكبر المراكز الفنية العراقية في العاصمة ويعرف بـ”مركز صدام للفنون”.

ويشير محمد إلى الأعمال التي ما زالت في المخازن والتي تنتظر ترميمها، مشيراً إلى أن جزءا منها تعرض أيضا إلى أضرار ناتجة عن “طريقة التخزين غير المثالية طيلة السنوات الماضية بعد استعادتها”.

ويتابع “نعمل الآن على تهيئة أكثر من قاعة لاستيعاب بقية الأعمال”.

ويضيف “يجب أن تفتح المتاحف للناس ولا تبقى هذه الأعمال مسجونة في المخازن”.

وشهدت الحركة التشكيلية في العراق قبل عام 2003، وعلى الرغم من الحصار الاقتصادي إبان التسعينات، ازدهارا وانتعاشا، مع انتشار قاعات العرض العامة.

وتقول الفنانة التشكيلية لميعة الجواري، المسؤولة عن عرض المقتنيات المتحفية، “عدد الأعمال التي تمت استعادتها بعد عام 2003، بلغ 2300 عمل من أصل سبعة آلاف سُرقت”.

وتضيف “أعمال كثيرة كانت متضررة.. أعمال لا تُقدّر بثمن”. وتشير الجواري إلى أن “بعض الأعمال استعيدت عبر قنوات رسمية، فالسفارة السويسرية ساعدت في عودة بعضها. كذلك ساعد مواطنون في ذلك على المستوى الشخصي”.

وعمل الفنان العراقي كاظم مرشد من آخر الأعمال الفنية التي استعيدت من العاصمة الأردنية عام 2021، في حين يستمر التنسيق مع شرطة الأنتربول للكشف عن باقي الأعمال المسروقة.

وتسلّم وزير الثقافة العراقي حسن ناظم أخيرا خمسة أعمال تخطيطية تعود إلى الفنان الراحل محمد غني حكمت، من السفارة الإيطالية، وكانت مهداة من حكمت إلى شخصيات إيطالية عملت في مجال التنقيب في العراق، فقام هؤلاء بتسليمها إلى جهات عراقية لدعم جهود نهضة المتاحف. وتقول الجواري “نعمل على تدوير عرض الأعمال بين فترة وأخرى ليكون هذا الإرث الفني متاحاً للعرض أمام الزائرين”.

ويبدي الفنان التشكيلي العراقي المقيم في السويد علي النجار(82 عاما) ارتياحه لعودة جزء من هذا الإرث إلى واجهات العرض، قائلاً “منذ خروجي من العراق عام 1997 كنت أؤكد على المحافظة على الأرشيف الفني العراقي وحمايته.

ويضيف “الرواد هم الذين أسسوا الفن العراقي المعاصر، إذا فقدنا أعمالهم فقدنا التأسيس ودائما البناء دون أساس يهدم”.

20