العدسات عيون الحياة لتوثيق اللحظات الهاربة

هاو مصري يعرض التطور الزمني لأجهزة التصوير الفوتوغرافي في بيته.
السبت 2020/03/28
كاميرات متباينة الأشكال والألوان

ولعُ إسماعيل سليمان بأجهزة التصوير دفعه إلى تحويل منزله إلى متحف خاص للكاميرات، يعرض من خلاله تطوّر تقنيات التصوير على مدى قرن وربع القرن، وأكد الهاوي المصري في حواره مع “العرب” أنه يمتلك ضمن مجموعته التي اقتناها من مزادات ومواقع إلكترونية عربية وعالمية، كاميرا عمرها حوالي 128 عاما.

تبقى الكاميرا عين الحياة، أداة لرصد أزمنة مضت، ووسيلة لتسجيل لحظات مرت، أو قانصة للوحة توثق ملامح شخوص رحلوا، وباعثة لذكريات جميلة تثير في النفوس الحنين إلى الماضي.

وإذا كانت هناك هوايات غريبة لدى البعض، فإن أكثرها إثارة للدهشة أن تتحول الكاميرات نفسها من أدوات تسجيل للزمن إلى نماذج لرصد التطور الزمني في حدّ ذاته، فكل ماركة أو نوع شاهد على تطوّر معين، بخصائص ومميزات جديدة، ما يجعل من اقتناء الكاميرات النادرة أشبه بنافذة للإطلال على التطور التكنولوجي في التعامل مع الصور.

التقت “العرب” الكاتب والمترجم السينمائي إسماعيل سليمان، أحد أبرز الهواة الذين جابوا العالم بحثا عن كاميرات نادرة وحازوها وصنفوها ورصدوا من خلالها تاريخ آلات التصوير الفوتوغرافي.

قال جامع الكاميرات، إنه استطاع على مدار ثلاثين عاما جمع نحو مئتي كاميرا فوتوغرافية متنوعة تمثل مراحل مختلفة من تطور تكنولوجيا التصوير الفوتوغرافي، تبدأ منذ عام 1892 بعد سنوات قليلة من ذيوع مهنة التصوير في أوروبا وأميركا، وتستمر حتى حقبتي الخمسينات والستينات وما بعدهما.

بدأ فن التصوير الفوتوغرافي في منتصف العشرينات من القرن التاسع عشر، وشهد تطورا كبيرا خلال النصف الثاني من القرن نفسه، بعد أن تم اختراع أفلام التصوير سنة 1884 على يد جورج إيستمان.

وكشف سليمان أن التصوير هوايته في الحياة منذ أن كان طالبا في معهد السينما بالقاهرة، حيث درس مادة التصوير ضمن المنهج التعليمي، وحلمُ حياته هو اقتناء كاميرا للتصوير الفوتوغرافي، وبعد سفره للعمل مترجما في الأمم المتحدة بنيويورك تطورت الهواية إلى ولع باقتناء كاميرات التصوير، ونمت مع تطور التكنولوجيا واتساع المعروض من الكاميرات القديمة المباعة كتحف يتم عرضها في متاجر خاصة بالآلات والأجهزة القديمة، وفي مزادات للأجهزة النادرة ذات التاريخ الغريب.

التطور الطبيعي للتصوير

 

مجموعة سليمان تضم كاميرا بدائية من أميركا تعتمد على فكرة الصندوق المظلم وتأخذ شكل المكعب الأسود الفارغ

يُخصص سليمان في منزله بحي “مدينتي” الراقي في شرق القاهرة، مكتبة أو متحفا كاملا يضم نوعيات متعددة لكاميرات فوتوغرافية متباينة الأشكال والألوان، وتعود لفترات تاريخية قديمة، راسمة التطور الزمني الطبيعي لأجهزة التصوير.

يؤكد سليمان، على أن الكاميرات التي يمتلكها غير مدوّن على معظمها تاريخ صنعها، لكن هناك رقما متسلسلا لكل كاميرا يتم من خلاله التعرف إلكترونيا على تاريخ صناعتها وخصائصها ومميزاتها، لأن كل شركة تمتلك قاعدة بيانات لمنتجاتها وتقوم بإتاحتها على موقعها الإلكتروني للتعرف على سمات كل قطعة قامت يوما ما بإنتاجها.

وأضاف أن “أبرز ما يميز مجموعة الكاميرات لديه أنها جميعا ما زالت صالحة للاستخدام حتى الآن بمجرد وضع أفلام تناسبها”.

وتعد أقدم الكاميرات لديه، كاميرا سوداء اللون ماركة “إيستمنت ـ كوداك” ترجع إلى سنة 1892، وتعتمد على أفلام 124 مليمترا، ولا تستمد تلك القطعة أهميتها من قدم تاريخ صنعها فقط، وإنما من ندرة المتاح منها في العالم، لأن الشركة المنتجة انفصلت في ما بعد إلى شركتين، إحداهما باسم شركة “إيستمنت”، والأخرى باسم “كوداك”، حيث تخصصت الأولى في تصنيع أفلام التصوير، وتخصصت الثانية في تصنيع الكاميرات.

وتضم المجموعة أيضا كاميرا بدائية من أميركا تعتمد على فكرة الصندوق المظلم الذي توجد فيه فتحة صغيرة يمرّ منها الضوء لتسجيل مشهد ما باللونين الأبيض والأسود، وتعرف بالـ”تيني تايب”، وتأخذ الكاميرا شكل المكعب الأسود الفارغ تماما.

كما توجد لدى الرجل تحفة أخرى وهي عبارة عن كاميرا صغيرة من ألمانيا ماركة “ليتز” تعود إلى سنة 1937، وتتمثل قيمتها في كونها قطعة من عدد محدود كانت تستخدم في تصوير دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في مدينة برلين حينذاك، وما زالت تحتفظ بطباعة شعار النازي عليها.

مزادات عامة

أوضح سليمان، أن أسعار الكاميرات القديمة ترتفع حال طباعة شعارات سياسية عليها أو نحت أي رموز تعبر عن وضع سياسي لم يعد قائما.

وتعلو كذلك قيمة أي قطعة إن كانت الشركة المصنعة قد تمت تصفيتها ولم يعد لها وجود، مثلما هو الحال مع ماركة “براوني” الألمانية التي انقرضت تماما، لكن ظلت الكلمة مستعملة بين المصورين كتعبير على جودة العدسات المستخدمة.

وكانت إحدى صالات المزادات في فيينا قد باعت في مارس سنة 2018 أغلى ساعة في العالم بقيمة 2.1 مليون جنيه إسترليني، وهي ألمانية الصنع من ماركة لايكا وترجع إلى سنة 1923 ويعتقد أنها واحدة من ثلاثة أنواع أنتجتها الشركة في هذا العام.

سليمان يعد أول كاتب لموسوعة متخصصة في السينما
سليمان يعد أول كاتب لموسوعة متخصصة في السينما 

وعرض سليمان ضمن مقتنياته كاميرا من ماركة “بولورويد” تعود إلى فترة الخمسينات، وهي من أوائل الكاميرات التي عرفها الناس لالتقاط الصور وطباعتها فوريا دون حاجة إلى أفلام يتم تحميضها، وكانت تلك التقنية محل اهتمام وترحيب واسعين في العالم وقت إنتاجها باعتبارها تمثل تقدما مذهلا، وهي شبيهة للكاميرا السينمائية، غير أنها لم تستمر طويلا بعد أن اكتشف المستهلكون أن ألوان صورها تتغير مع الوقت وتبهت.

وكشف جامع الكاميرات، أنه اشترى معظم مجموعة مقتنياته من الكاميرات من صالات مزادات عامة ومتاجر إلكترونية في أميركا وأوروبا ودول آسيا. وحكى أنه في بعض الأحيان كان يسافر إلى قرى نائية في أوكرانيا أو أي دولة في أوروبا الشرقية لمعاينة وشراء كاميرا قديمة أو نادرة، وأصبح مع الوقت خبيرا في تطور الكاميرات وقادرا على التعرف على زمن كل كاميرا بمجرد النظر إليها.

وأشار سليمان إلى أن هناك هواة مماثلين له في مختلف دول العالم، يتمتعون بعضويتهم في مواقع ونواد إلكترونية ويتشاورون ويتناقشون فيها، وما زال هناك من يستهويهم التصوير الفوتوغرافي بكاميرات قديمة، وإن كان الحصول على الأفلام المناسبة لها بات صعبا إلى حد ما.

ولفت إلى أن ظهور التكنولوجيا الأكثر تطورا في فن التصوير الفوتوغرافي لم يؤثر سلبيا على هواية اقتناء الكاميرات، بل على العكس رفع من قيمتها، ودفع بعض المصورين المحترفين إلى التباهي في معارضهم بكتابة ماركات وتواريخ صناعة الكاميرات التي قاموا بتصوير الصور بها.

وذكر أن صور الكاميرات الديجيتال الحديثة ظلت بعد ابتكارها في نهاية التسعينات أقل وضوحا من الكاميرات الاحترافية، وفي سنة 2005 شهدت تقنيات التصوير الديجيتال تطورا كبيرا فاق التوقعات، ما ساهم في انقراض مهنة تحميض الأفلام، واستغناء الناس عن فكرة طباعة الصور الراصدة لذكرياتهم.

وأكد سليمان على وجود علاقة وثيقة بين دراسته واهتمامه بالسينما، وبين هواية جمع الكاميرات، إذ كانت السينما دائما تهتم بفن التصوير وأبعاده وخصائصه الفنية، ما ولد لديه ولعا شديدا بعدسات التصوير، والسعي إلى تتبع تطورها عبر الزمن.

ويعدّ سليمان أول كاتب لموسوعة متخصصة في السينما حملت اسم “موسوعة الشاشة الكبيرة”، وصدرت عن مكتبة لبنان في نحو 1750 صفحة، واعتمدت على أكثر من 700 صورة فوتوغرافية من أفلام عالمية وعربية في أزمنة متنوعة، وصدرت له مؤخرا رواية أدبية بالقاهرة بعنوان “المتمثلون” عن دار الأدهم للنشر.

17