العالم يستنفر دعما لبيروت المنكوبة

تحاول بيروت الصمود أمام مصابها الكبير، وسط استنفار عربي ودولي لمساعدتها، ولسان حال الجميع يقول إن حال لبنان ما بعد الانفجار لن يكون كما قبله في ظل تزايد نقمة الشارع على كل الطبقة السياسية في داخل السلطة وخارجها.
بيروت – لا تزال بيروت أو “عروس المتوسط” كما يحلو لمحبيها تسميتها، تحت وقع صدمة الانفجار المدوي الذي أشاع دمارا هائلا في أنحائها وأودى بحياة ما لا يقل عن 135 شخصا وأسفر عن إصابة أكثر من خمسة آلاف، فيما لا يزال العشرات مفقودين.
وفيما ينشغل قادة لبنان في البحث عمّن يتحمل مسؤولية هذا الانفجار الذي جد الثلاثاء في مرفأ بيروت، والذي تقول الترجيحات إنه ناجم عن إهمال، تئن المستشفيات تحت ضغط أعداد الجرحى، الذين يعاني المئات منهم من إصابات خطيرة تستوجب تدخلا جراحيا عاجلا.
وأظهر العالم تضامنا واسعا مع بيروت التي أعلنتها الحكومة، الأربعاء، منطقة منكوبة، ومن المقرر أن يصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس إلى العاصمة اللبنانية للوقوف على حجم الكارثة التي ألمت بها، وسط تقديرات تتحدث عن أن حجم الأضرار الناجمة عن انفجار المرفأ، يتراوح بين 3 و5 مليارات دولار، كرقم أولي.
وكان رئيس الحكومة الفرنسي جان كاستيكس اجتمع بعد ظهر الأربعاء مع الوزراء الأساسيين المعنيين من أجل “تنسيق كل المساعدات ومواد الإغاثة التي سنرسلها” إلى بيروت.
من جهته، أكد وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان مغادرة “ثلاث طائرات إلى بيروت، واحدة من مرسيليا (جنوب) محملة بفرق عاملين طبيين جاهزين للعمل على الفور، واثنتان من رواسي بمعدات زنتها 25 طناً، وبفرق أمنية من وزارة الداخلية”.
وأعلن لودريان أن فرنسا ستقوم “بمبادرات إضافية في الأيام المقبلة” بهدف تحريك مساعدة دولية ضرورية لاسيما على المستوى الأوروبي، لتقديم دعم فوري للبنان.
ونتج الانفجار، بحسب السلطات، عن تخزين 2750 طنا من مادة نيترات الأمونيوم في مستودع في مرفأ بيروت “من دون أي تدابير للوقاية”، ويعتبر الأضخم في تاريخ لبنان الذي شهد سنوات شديدة الاضطراب منذ عقود.
ويأتي الانفجار وسط أزمة اقتصادية خانقة لم يشهد لها لبنان مثيلا في الحقبة الحديثة، ونقمة شعبية على كل الطبقة السياسية التي يتهمها المواطنون بالعجز والفساد. وقد فجّر غضبا متصاعدا تجلّى خصوصا عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
وقال محافظ بيروت مروان عبود، الأربعاء، “إنه وضع كارثي لم تشهده بيروت في تاريخها”. وأضاف “نحو نصف بيروت تضرّر أو دُمّر”.
وأضاف “أعتقد أن هناك بين 250 و300 ألف شخص باتوا من دون منازل، لأن منازلهم أصبحت غير صالحة للسكن”، مقدرا كلفة الأضرار بما بين ثلاثة وخمسة مليارات دولار، في انتظار أن تصدر التقارير النهائية عن المهندسين والخبراء.
وقال إيلي زكريا الذي يسكن حي مار مخايل القريب من المرفأ، مستذكرا ما حصل الثلاثاء، “لا أعرف ماذا أقول…. جحيم… لم نر في حياتنا مثل هذا. مشهد مروّع ومخيف”. وأضاف “كان الأمر أشبه بتسونامي أو هيروشيما”.
وإلى جانب التحرك الفرنسي، انهالت عروض المساعدة على بيروت من المجتمع الدولي. وأعلن الأردن والعراق وقطر وإيران، في بيانات رسمية، إرسال 5 مستشفيات ميدانية إلى لبنان. فيما أكدت الكويت والإمارات ومصر وتونس إرسال طائرات عسكرية مُحملة بمواد غذائية ومساعدات إنسانية وإغاثية ومستلزمات طبية، لمساعدة المستشفيات اللبنانية على إدارة الأزمة الصحية الناجمة عن الانفجار.
وفي وقت سابق الأربعاء، أعلن رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، عبر حسابه على تويتر، إجراء اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، تعهد خلاله الأخير بتقديم بلاده مساعدات عاجلة إلى لبنان، لم يحدد طبيعتها.
وكان مجلس الوزراء اللبناني وافق على مٌخصص استثنائي بقيمة 100 مليار ليرة لبنانية للتصدي للكارثة. ويساوي هذا المبلغ 66 مليون دولار على أساس سعر الصرف الرسمي الذي يبلغ 1500 ليرة للدولار، لكن قيمته تساوي فعليا حوالي 13 مليون دولار بناء على أحدث سعر في السوق الموازية وهو حوالي 7500 ليرة مقابل الدولار في الأيام التي سبقت الانفجار.
ويرى مراقبون أن مخلفات الانفجار ستضاعف من حجم الأعباء المالية والاقتصادية بشكل يصعب على اللبنانيين تحمل وطأتها، وسط مخاوف متصاعدة من أن تؤدي الكارثة إلى انفجار اجتماعي لاسيما مع تزايد نقمة الشارع على النخبة السياسية.
وتداول ناشطون على موقع “تويتر” وسم “علّقوا المشانق”، منددين بفساد السلطات وإهمالها، محملين إياها مسؤولية الكارثة التي حلت على العاصمة.
وكتب أحدهم “دمروا أحلامنا، فليدمرهم الله”. وأرفق آخر صورة لزعماء سياسيين بعبارة “عليكم أن تدفعوا ثمن حرق قلوب الأمهات ومستقبل الشباب ورعب الأطفال”.
وقالت لينا داوود خلال تفقدها حي مار مخايل قرب المرفأ “الزعماء هم أعداء الوطن، يقتلوننا… قتلوا كل شيء جميل، جعلوا من لبنان جهنم”.
ووقع الانفجار بعيد الساعة السادسة مساء الثلاثاء (15:00 ت غ). وأشار مصدر أمني إلى وقوع انفجارين متتاليين. وقال المعهد الأميركي للجيوفيزياء إنّ الانفجار سُجّل مثل زلزال بقوة 3.3 درجات على مقياس ريختر.
المشهد كان مأساويا في مكان الانفجار الذي هزّ كل لبنان وصولا إلى جزيرة قبرص على بعد 200 كلم؛ ركام، وبقايا دخان حرائق، وعنابر لم تعد موجودة. وعمل رجال الإنقاذ بدعم من عناصر الأمن طوال الليل بحثا عن ناجين أو ضحايا عالقين تحت الأنقاض. ووصلت المستشفيات التي تتعامل مع الإصابات بوباء كوفيد – 19، إلى أقصى طاقاتها الاستيعابية. وجال مصابون خلال الليل على مستشفيات عدة لم تكن قادرة على استقبالهم.
وكانت معظم شوارع العاصمة، الأربعاء، مليئة بحصى وزجاج وأوراق وأغراض طارت من المكاتب التي تحطمت أبوابها ونوافذها. كما كانت سيارات محترقة موجودة هنا وهناك. ووصلت الأضرار إلى الضواحي وإلى مناطق بعيدة نسبيا عن مكان الانفجار.
وأعلن رئيس الحكومة اللبناني، حسان دياب، الحداد الوطني على “ضحايا الانفجار” لمدة ثلاثة أيام. وقال خلال اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع الثلاثاء “من غير المقبول أن تكون هناك شحنة من نيترات الأمونيوم تقدّر بـ2750 طنّاً موجودة منذ ستّ سنوات في مستودع، من دون اتّخاذ إجراءات وقائية… لن نرتاح حتى نجد المسؤول عمّا حصل ومحاسبته”.
وكان مصدر أمني أوضح أن المواد الموجودة في المستودع مصادرة منذ 6 سنوات من باخرة في مرفأ بيروت حدث بها عطل، وموضوعة في “العنبر رقم 12 في المرفأ”، مشيرا إلى أنه لم تتم “متابعتها بالشكل المطلوب”.
وبحسب تقديرات مصدر أمني آخر، تعادل “القدرة التدميرية” للشحنات التي كانت موجودة في المستودع، “بين 1200 و1300 طن من مادة ‘تي.أن.تي'”.
ومادة نيترات الأمونيوم عبارة عن ملح أبيض عديم الرائحة يُستخدم كأساس للعديد من الأسمدة النيتروجينية، وتسبّب بعدد من الحوادث الصناعية منها انفجار مصنع “أي.زد.أف” في مدينة تولوز الفرنسية عام 2001.