العالم يتجه نحو إرساء منشآت الطاقة المتجددة

تزداد الحاجة إلى الطاقة المتجددة إلحاحا مع الاحتباس الحراري الذي وصل مداه في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى الحرب الروسية - الأوكرانية التي تضع العالم على مشارف أزمة وقود حادة، لذلك تقبل الدول على خيارات نظيفة من الشمس والرياح والسدود رغم التباطؤ الناتج عن ارتفاع تكاليف توريد مواد إنشاء البنى التحتية.
باريس - توقعت الوكالة الدولية للطاقة الأربعاء أن يشهد عام 2022 رقما قياسيا جديدا على صعيد زيادة القدرات في مجال الطاقة الكهربائية المتجددة، لاسيما في مجال الطاقة الشمسية في الصين وأوروبا، لكنها حذرت من حدوث تباطؤ بعد ذلك بسبب ارتفاع التكاليف وعوائق سلاسل التوريد.
من الألواح الكهروضوئية إلى طاقة الرياح مرورا بالسدود، بلغت البنى التحتية الجديدة مستوى غير مسبوق في عام 2021، إذ شهد هذا العام سعة إضافية في هذا المجال وصلت إلى 295 غيغاواط.
ويستمر هذا المنحى، رغم الزيادة في تكلفة المواد الخام وصعوبات النقل والإمداد على طول سلسلة الإنتاج، إذ ثمة مخططات لإضافة 320 غيغاواط من قدرات الطاقة هذا العام، وهو ما يعادل الاحتياجات الحالية لألمانيا، أو إنتاج الكهرباء الأوروبية من الغاز، وفق تقديرات أوردها التقرير المحدّث للوكالة الدولية للطاقة عن سوق الطاقة المتجددة.
يُتوقع أن تتجاوز منشآت الرياح البحرية التي يتم افتتاحها عام 2022 تلك التي تم إنشاؤها عام 2020 بنسبة 80 في المئة
ويُتوقع أن تمثل الطاقة الشمسية الكهروضوئية 60 في المئة من هذا النمو، فيما تستعيد طاقة الرياح البرية التي انخفضت بنسبة 32 في المئة في عام 2021 بعد عام استثنائي 2020، إيقاعها تدريجيا.
كما يُتوقع أن تتجاوز منشآت الرياح البحرية التي يتم افتتاحها عام 2022 تلك التي تم إنشاؤها عام 2020 بنسبة 80 في المئة (رغم أن النسبة تعكس انخفاضا بنسبة 40 في المئة مقارنة بعام 2021 حين ضاعف المطورون الصينيون منشآتهم في العام الماضي للاستفادة من سياسة دعم تقترب من نهايتها).
وبحلول نهاية عام 2022، يُتوقع أن تتفوق الصين على أوروبا لتصبح المنطقة الرائدة في العالم من حيث قدرة الرياح البحرية.
وأوضح تقرير صادر عن المجلس العالمي لطاقة الرياح أن الصين تخطت الرقم القياسي العالمي لأقصى قدرة لطاقة الرياح المثبتة في عام واحد خلال 2020، حيث بلغت القدرة الجديدة التي أنتجتها 52 غيغاوات.
وبشكل عام، تُسجَّل طفرة ملحوظة في مصادر الطاقة المتجددة بشكل خاص في الصين والهند والاتحاد الأوروبي وأميركا اللاتينية، وذلك بفضل الدعم الشعبي القوي. وهذا يعوض عن انتشار لهذه المصادر أصغر مما كان متوقعا في الولايات المتحدة، حيث تلُف ضبابية أكبر إطار الدعم فضلا عن الأثر السلبي على استيراد المعدات الكهروضوئية من آسيا جراء العقوبات التجارية.
وفي الاتحاد الأوروبي، ازداد نمو مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 30 في المئة عام 2021 إلى 36 غيغاواط، متجاوزا الرقم القياسي المسجل قبل عشر سنوات وهو 35 غيغاواط.
ولا تزال إمكانات الطاقة المتجددة في أفريقيا غير مستغلّة إلى حد كبير، وفقا لتقرير صدر في أبريل 2022 عن اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة.
وسلط التقرير الضوء على إمكانات الطاقة المتجددة في أفريقيا من مزارع الرياح على امتداد الساحل الأفريقي إلى مشروعات الطاقة الحرارية الأرضية في الوادي المتصدع بشرق أفريقيا.

فاتح بيرول: السنوات القليلة المقبلة لن تكون سهلة
وأشار التقرير إلى أن إنجاز مشروعات الطاقة المتجددة في أفريقيا يمكن أن يخفّف من حدة آثار الاحتباس الحراري القاسية، ويدعم التنمية الاقتصادية المتوقعة للقارة، وينقذ الملايين من تداعيات الفقر الاقتصادي، حسبما نشرت مجلة يو إس نيوز الأميركية في أبريل الماضي.
ويأتي تقرير اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة في وقت تزدهر فيه أعمال الطاقة المتجددة في أفريقيا حاليا.
وتكثّف العديد من الدول الأفريقية جهودها لتبني مسارات بديلة للطاقة المتجددة والاستغناء عن الوقود الأحفوري، إذ تتصدر دول مثل كينيا وتنزانيا والمغرب ومصر وإثيوبيا وجنوب أفريقيا مساعي تبني الطاقة النظيفة على نطاق واسع.
وتُجدر الإشارة إلى أن أفريقيا لم تجتذب سوى 2 في المئة (60 مليار دولار) من أصل 2.8 تريليون مخصصة للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة في جميع أنحاء العالم في العقدين الماضيين، وتمثل 3 في المئة فقط من سعة الطاقة المتجددة الحالية في العالم.
وأفاد تقرير الأمم المتحدة بأن الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية أو 2 درجة مئوية، بما يتماشى مع اتفاقية باريس للمناخ لعام 2016، سيشمل تحولا أكبر في نظام الطاقة.
ويُتوقع أن يفقد النمو الإجمالي للطاقة المتجددة زخمه اعتبارا من 2023، بفعل السياسات المعمول بها اليوم، بحسب الوكالة التي قالت “في غياب تدابير أكثر استدامة” في الأشهر الستة المقبلة، من المتوقع أن يتباطأ النمو العام المقبل في السعة الإجمالية، في ظل فشل نمو الطاقة الشمسية في تعويض انخفاض بنسبة 40 في المئة في توسع الطاقة الكهرومائية.
وقال مدير المنظمة الدولية للطاقة فاتح بيرول إن “تسريع إصدار التصاريح وتوفير الحوافز المناسبة لنشر الطاقة المتجددة هما من بين الإجراءات الرئيسية التي يمكن أن تتخذها الحكومات اليوم لمواجهة التحدي المتمثل في أمن الطاقة والأسواق مع الحفاظ على الأهداف المناخية”.
وأضاف أن هذه هي أهم الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الحكومات لمواجهة صعوبات السوق وأمن الطاقة في الوقت الراهن مع الحفاظ على إمكان الوصول للأهداف المناخية الدولية.
وقال “أثبتت التطورات في سوق الطاقة خلال الأشهر الأخيرة، وخاصة في أوروبا، مرة أخرى الدور الأساسي لمصادر الطاقة المتجددة في تحسين أمن الطاقة، بالإضافة إلى الفاعلية الواضحة في الحدّ من الانبعاثات”.
وحذر بيرل في وقت سابق من أن العالم يواجه أول أزمة طاقة عالمية على وقع الحرب الروسية – الأوكرانية، قائلا إن “السنوات القليلة المقبلة لن تكون سهلة”. وخلص إلى أنه من الضروري “أن نكون مستعدين للتغلب على الصعوبات”.