العالم متخوف من أزمة اقتصادية جديدة بسبب تداعيات العامين الماضيين

صندوق النقد الدولي يتوقع أن تفشل معظم البلدان الناشئة والنامية في تلبية توقعات النمو التي حددتها قبل الوباء حتى عام 2024.
الخميس 2021/12/02
الفقراء هم أول الضحايا

لندن - تصاعدت المخاوف لدى أغلب دول العالم من انكماش اقتصادي جديد وأزمات غذائية ستلقي بظلالها حتما على ما تبقى من قوة لدى الدول الفقيرة بينما قد لا تكون تداعياتها خطيرة على الدول الكبرى.

وليس الاقتصاد العالمي بمنأى عن الخضات والشكوك المتنامية بسبب أزمة الإمدادات والتضخم والمخاوف الصحية التي تُضاف إليها كذلك مستلزمات المحافظة على البيئة والتصدي للتغيرات المناخية غير المسبوقة.

وفي ربيع العام الماضي أدى الوباء إلى انهيار اقتصادات العالم من الصين إلى الولايات المتحدة ومن أوروبا إلى أفريقيا، وبعد مرور نحو عامين وسقوط نحو خمسة ملايين وفاة، عدا عن الإصابات وارتفاع نسب البطالة في أنحاء العالم، صار السبيل إلى الخروج من الأزمة أكثر تشتتا وصعوبة.

فقد استفادت الدول الغنية من امتياز الوصول إلى اللقاحات حيث أزالت الولايات المتحدة آثار أسوأ ركود شهدته منذ الكساد الكبير في الثلاثينات، وكان بإمكان منطقة اليورو أن تفعل الشيء نفسه في نهاية العام رغم القلق من الانتشار السريع للموجة الوبائية الخامسة واكتشاف المتحور أوميكرون.

سيباستيان بونسيليه: الغذاء الأساسي لجزء من البشرية بات مهددا
سيباستيان بونسيليه: الغذاء الأساسي لجزء من البشرية بات مهددا

وفي غضون ذلك حذرت وكالة التصنيف موديز من أن الوباء سيظل يشكل تهديدًا. ولقد ظهر التهديد بالفعل في المناطق ذات معدلات التطعيم المنخفضة مثل أفريقيا جنوب الصحراء حيث حصل على اللقاح 2.5 في المئة فقط من السكان حتى أوائل أكتوبر الماضي، وهو أمر يحكم عليها وفقًا لصندوق النقد الدولي بأن تشهد أبطأ انتعاش.

ويتوقع صندوق النقد الدولي حتى عام 2024 أن تفشل معظم البلدان الناشئة والنامية في تلبية توقعات النمو التي حددتها قبل الوباء، خاصة وأن عددًا من البنوك المركزية، كتلك في البرازيل وروسيا وكوريا الجنوبية وغيرها، قد رفعت أسعار الفائدة لدرء التضخم المتسارع الذي من شأنه أن يعيق تعافيها.

وحتى في الصين، قاطرة النمو العالمي، يتباطأ الانتعاش مع تراكم المخاطر، كما حذر صندوق النقد مؤخرًا من الاستهلاك الأسري الذي يكافح لاستعادة مستويات ما قبل الوباء وكذلك أزمة قطاع العقارات مع الصعوبات التي واجهتها شركة إيفرغراند العملاقة المثقلة بالديون، إلى انقطاع التيار الكهربائي الذي يثقل كاهل الشركات.

وكتب محللو غولدمان ساكس في توقعاتهم للعام القادم “كان ارتفاع التضخم المفاجأة الأكبر في العام الماضي”. وكان الدافع وراء ذلك هو انقطاع سلاسل التوزيع ونقص المنتجات الأساسية للتجارة الدولية مثل أشباه الموصلات بسبب الزيادة الكبيرة في الطلب أثناء الأزمة وبعدها، ولكن أيضًا بسبب النقص في صغار العاملين في قطاع التجارة العالمية من العمال الذين يفرغون البضائع في الموانئ وسائقي الشاحنات والعاملين في المتاجر الكبرى الذين لم يعودوا إلى مواقع عملهم بعد رفع الحجر الصحي.

كما يقف وراء التضخم ارتفاع أسعار المواد الخام مثل الخشب والنحاس والصلب وأسعار الطاقة كالبنزين والغاز والكهرباء.

وفيما اعتبر محافظو البنوك المركزية ارتفاع الأسعار مسألة مؤقتة فقد أثارت القلق على أعلى المستويات ودفعت الرئيس الأميركي جو بايدن إلى القول في نوفمبر إن عكس هذا الاتجاه هو “أولوية مطلقة”.

رويل بيتسما: لا بدّ من فرض ضريبة كربون تكون رادعة بما فيه الكفاية
رويل بيتسما: لا بدّ من فرض ضريبة كربون تكون رادعة بما فيه الكفاية

ويؤكد عدد كبير من الشركات مواجهة صعوبات أمام نقص السلع والمواد والتضخم. لكن في الوقت الحالي ما يزال صندوق النقد الدولي يتوقع نموًا عالميًا بنسبة 4.9 في المئة العام المقبل.

ويتساءل رويل بيتسما، أستاذ الاقتصاد بجامعة أمستردام عّما “إذا كنا خرجنا بالفعل من الأزمة”.

بين تلبية احتياجات الأسر وتجنب نهاية العالم، صار من الصعب إيجاد توازن كما اتضح من الاستنتاجات المتباينة لمؤتمر الأطراف كوب – 26.

فالاتفاق الذي تم التوصل إليه يدعو الدول إلى زيادة التزاماتها لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري اعتبارًا من عام 2022، لكنه لا يضع العالم على مسار متسق اللحد من ظاهرة الاحتباس الحراري بمقدار “أقل بكثير” من درجتين مئويتين كما هو مذكور في اتفاقية باريس عام 2015.

ويقول رويل بيتسما بأسف إن “التفكير قصير المدى هو ظاهرة معتادة، خاصة بين السياسيين”، مطالبًا بفرض ضريبة كربون موحدة في جميع القطاعات ورادعة بما فيه الكفاية، وهو أمر بعيد كل البعد عمّا هي عليه الحال اليوم.

من جهة ثانية، يمكن أن يؤثر تغير المناخ والكوارث الطبيعية المرتبطة به على أسعار الغذاء، إذ تقترب الأسعار العالمية بالفعل من مستوياتها القياسية التي بلغتها عام 2011، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة. فقد ارتفع سعر القمح بنسبة 40 في المئة تقريبًا خلال عام واحد ومنتجات الألبان بنسبة 15 في المئة، وتجاوزت أسعار الزيوت النباتية المستويات القياسية.

“واضح أن أسعار كل شيء قد ارتفعت”، كما تقول نبيهة عابد المقيمة في تونس العاصمة، مشيرة إلى أسعار اللحوم والدجاج التي تضاعفت مرتين في بعض الأحيان. وللدلالة على ما وصلت إليه الحال تقول هذه الأم إن “الشكشوكة” وهي طبق تقليدي قوامه الفلفل والبصل والبيض وزيت الزيتون “صارت رفاهية في حين كانت وصفة للناس الذين لا يملكون المال”. ويثير هذا الأمر الخشية من اندلاع احتجاجات وأعمال شغب بسبب الجوع كما حصل في العام 2008.

ويقول سيباستيان بونسيليه خبير القمح في شركة أرجيتيل الفرنسية الاستشارية إن “بين القمح والخبز، هناك خطوة واحدة فقط. فالغذاء الأساسي لجزء من البشرية بات مهددًا”.

6