العالم لا يمكنه الاستمرار في سياسة غض النظر عن انتهاك حقوق المرأة السودانية

تحتاج النساء اللاتي تعرضن للعنف الجنسي في السودان إلى رعاية فورية ودعم وشعور بالأمان. ويطلبن المساءلة بخصوص الجرائم المرتكبة ضدهن، وليس مجرد الخطاب السياسي. وتُستهدف النساء بالعنف الجنسي، ويمكن استهداف حتى اللائي قررن البقاء في منازلهن حيث تقتحم بيوتهن ويهددن بالبنادق وتسرق أموالهن وهواتفهن. وتقْدم النساء على الانتحار للهرب من تلك الوضعية.
الخرطوم – قتل محاربون من الجماعة شبه العسكرية التي تقاتل الجيش السوداني، أكثر من 120 شخصا في هجوم استمر عدة أيام على بلدة في ولاية الجزيرة في أكتوبر الماضي. وأجبر العنف، الذي شمل الحرق العمد وإطلاق النار العشوائي والنهب والعنف الجنسي، الآلاف على الفرار من منازلهم. وحدثت الهجمات ضمن نزاع اندلع في أبريل 2023 وأسفر حتى الآن عن مقتل أكثر من 24800 شخص وتشريد أكثر من 11 مليونا. وانتشرت تقارير حديثة تفيد بانتحار عشرات النساء جماعيا لتجنب التعرض للاغتصاب من أفراد الجماعة شبه العسكرية.
ومثل المواطنين الرجال، تحاول النساء والفتيات الهروب من التفجيرات وتجنب الوقوع في مرمى النيران. لكنهن يستهدفن أيضا بالعنف الجنسي الذي أصبح من أسلحة الحرب المعتمدة بشكل ممنهج.
وغالبا ما يستهدف المعتدون النساء اللاتي ينتمين إلى قبائل معينة أو يتهمونهن بدعم الحكومة السابقة لتبرير الاعتداء الجنسي عليهن. والحقيقة هي أنه لا توجد امرأة في مأمن. واختطفت 27 امرأة من عائلات عسكرية في الآونة الأخيرة، واغتصبن أكثر من مرة. ويمكن استهداف حتى اللائي قررن البقاء في منازلهن حيث يقتحم جنود الدعم السريع بيوتهن ويهددوهن بالبنادق ويسرقون أموالهن وهواتفهن.
وتسعى بعض العائلات لحماية بناتها بتزويجهن في سن مبكرة أو تعريضهن لممارسات ضارة مثل تشويه الأعضاء التناسلية، التي تسبب المزيد من الألم وتحرم المرأة من حرياتها وحقوقها.
وينتشر هذا العنف ويؤثر على مناطق بعيدة عن العاصمة الخرطوم، التي اندلع فيها الصراع. ويصل إلى مناطق مثل الجزيرة ودارفور وكردفان. وهذا ما يشير إلى كون العنف يشكل جزءا من خطة لتغيير التركيبة السكانية.
وخسرت الكثير من النساء منازلهن ووظائفهن. وتقوض وصولهن إلى الخدمات الصحية الأساسية مع تدمير المستشفيات، وحُرمن بذلك من الرعاية الصحية اللازمة للأمهات والرعاية الصحية العقلية. وغالبا ما يفتقرن إلى القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية، ما يفاقم الصدمة التي عانت منها كثيرات.
وقال المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) جيمس إلدر إن الأزمة الإنسانية التي يعيشها الأطفال والنساء في السودان هي الأكبر من حيث الأرقام ووصفها بأنها “أزمة إهمال”. وأضاف أنه من خلال غض النظر عن السودان وتجاهل المعاناة الهائلة هناك، تواصل الأطراف المتحاربة والمجتمع الدولي سابقة خطيرة من عدم الاكتراث العالمي بهذه الفئة.
إلدر كان يتحدث عبر الفيديو من السودان، في المؤتمر الصحفي لوكالات الأمم المتحدة في جنيف، حيث قال “تحدثت (…) مع عاملة طبية كبيرة أطلعتني على حجم العنف الجنسي خلال هذه الحرب. وأوضحت أنها كانت على اتصال مباشر بمئات النساء والفتيات، بعضهن في سن الثامنة، اللائي تعرضن للاغتصاب. واحتُجز العديد منهن لأسابيع متواصلة. كما تحدثت عن العدد المحزن من الأطفال المولودين بعد الاغتصاب، الذين يتم التخلي عنهم.”
تقارير حديثة تفيد بانتحار عشرات النساء جماعيا لتجنب التعرض للاغتصاب من أفراد قوات الدعم السريع التي تقترب من مناطقهن
وتروى حكايات مروعة عن العنف الجنسي الذي يُرتكب ضد النساء والفتيات في السودان من قبل الأطراف المتحاربة في الدولة الواقعة في شرق أفريقيا، وكشف تقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش أن إحدى النساء تنام بسكين تحت وسادتها، على أمل أن تتمكن من حماية نفسها من الرجال المسلحين الذين قد يقتحمون منزلها ليلا. وتتعرض أخرى للاغتصاب مرات عديدة لعدة أيام مع بناتها الأربع، بينما أُجبر زوجها وأبناؤها على المشاهدة.
وطُردت أخرى من منزلها وفُصلت عن أطفالها بعدما اكتشف زوجها أنها أصبحت حاملا نتيجة الاغتصاب. ويتوفر بعض الدعم للناجيات، لكن الوصول إليه يبقى صعبا بسبب نقص المعلومات وغياب نظام الإحالة المناسب وتعطيل أنظمة الاتصالات. كما تمنع وصمة العار المحيطة بالعنف الجنسي العديد من النساء من طلب المساعدة وتعزلهن.
ويبحثن عن الدعم غالبا بسبب مشاكل جسدية ناتجة عن العنف الجنسي الذي تعرضن له وليس بسبب الصدمة نفسها. ويخلف العنف الذي يواجهنه آثارا طويلة الأجل تتطلب تدخلا طويل الأمد.
وينكر الكثيرون للأسف هذه الجرائم أو يقللون من شأنها. ويزيد هذا آلام الناجيات، حتى أن الجنود أنفسهم شاركوا مقاطع فيديو تصور جرائمهم، قائلين إنهم فخورون باغتصاب النساء والتسبب في حملهن. ويسلب هذا الناجيات كرامتهن وخصوصيتهن أكثر.
وتسعى مجموعات المناصرة، وخاصة منها المنظمات النسائية والنسوية، جاهدة لزيادة الوعي ولفت الانتباه إلى الفظائع المرتكبة. وتحاول توثيق أكبر قدر من الانتهاكات وتضغط للاعتراف الدولي بالجرائم وتطالب بالمساءلة.
لكن محاسبة أفراد الجماعة شبه العسكرية ليست من المهمات السهلة بعد أن أصبح العنف الجنسي مؤسسيا باندراجه ضمن أسلحة الحرب المعتمدة. وتتمتع هده القوات بسلطة وموارد ونفوذ سياسي هائل. وتبقى الحملات الدعائية والإعلامية التي تقلل من شأن العنف وتدعمهم أقوى بكثير من جهود المجتمع المدني. وتحتاج المنظمات النسوية إلى مناصرة ورسائل أقوى لاختراق التلاعب الإعلامي ودفع القوى الوطنية والدولية إلى الاهتمام والتحرك كما يجب.
وكانت استجابة المجتمع الدولي مخيبة للآمال. فرغم الانتهاكات الحقوقية التي تحدث على أرض الواقع، لم يكن المجتمع الدولي صريحا بما يكفي في إدانة هذه الأعمال أو المطالبة بمساءلة حقيقية. وكثيرا ما تفشل تقارير الهيئات الدولية في تحديد مدى العنف الحقيقي. ويبدو أنها تقلل من خطورة الوضع. وغالبا ما تفتقر اللغة المعتمدة إلى الإلحاح أو القوة اللازمة للتعبير عن فظاعة الانتهاكات، خاصة في حالة العنف الجنسي.
واعتُبرت المرأة السودانية تاريخيا مرنة، بعد أن لعبت دورا رئيسيا في ثورة 2019 التي أطاحت بأحد أكثر الدكتاتوريين وحشية في المنطقة، عمر البشير. لكن هؤلاء النساء يعانين الآن في صمت وعزلة، ويشعرن باليأس وبأنهن منسيات.
وتبقى الرسالة إلى المجتمع الدولي واضحة: توقفوا عن الحديث عن النساء السودانيات بصفتهن من رموز الإلهام وافهموا حاجتهن إلى الدعم والحماية. تحتاج اللائي تعرضن للعنف الجنسي إلى رعاية فورية ودعم وشعور بالأمان. ويطلبن المساءلة بخصوص الجرائم المرتكبة ضدهن، وليس مجرد الخطاب السياسي وتبادل إلقاء اللوم. ويجب أن يتوقف المجتمع الدولي عن غض النظر عن معاناة المرأة السودانية وأن ينطلق في معالجة هذه القضية بالإلحاح الذي تستحقه.
ومنذ اندلاع الحرب الأهلية في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، تحولت مساحات من المدينة إلى أنقاض، حيث قصفت القوات المسلحة السودانية الأحياء المدنية في محاولة لطرد قوات الدعم السريع من مواقعها المحصنة.
كما امتد الصراع إلى أجزاء أخرى من البلاد، بما في ذلك إقليم دارفور غرب البلاد. ووصفت الأمم المتحدة الوضع في السودان بأنه “إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث،” مع وجود أكثر من 6 ملايين سوداني نازح داخليا، و1.5 مليون يبحثون عن الأمان في الخارج، وحوالي 26 مليون شخص (أكثر من نصف السكان) يواجهون خطر المجاعة.
وخلال 15 شهرا من الصراع، تعرضت النساء والفتيات في العاصمة لأعمال اغتصاب واسعة النطاق، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي، فضلا عن الزواج القسري والاستعباد الجنسي، بحسب تقرير هيومن رايتس ووتش المكون من 88 صفحة، بعنوان “الخرطوم ليست آمنة للنساء”، والذي صدر في 29 يوليو الماضي.