العاصمة الإدارية لمصر هي عاصمة كاميرات المراقبة أيضا

المراقبة تهديد للحقوق الأساسية أم تسهيل للحياة اليومية وجعلها أكثر أمانا.
الجمعة 2023/01/06
مدينة ذكية أم تضييق على الحريات؟

فيما تعتبر الحكومة المصرية العاصمة الإدارية الجديدة نموذجا للمدن الذكية التي تجعل الحياة اليومية سهلة وأكثر أمانا، يرى منتقدوها أنها تمثل بابا آخر لتعقب المواطنين ومراقبة تحركاتهم وقمعهم إن لزم الأمر ما يمس من الحريات الأساسية في بلد يواجه انتقادات غربية واسعة لتدهور سجله الحقوقي.

القاهرة - تختلف العاصمة الجديدة الرئيسية للرئيس عبدالفتاح السيسي عن شوارع القاهرة المزدحمة والواجهات المتداعية، حيث تتسم بالأبراج اللامعة والمنشآت عالية التقنية.

وستصبح أعمدة الإنارة في العاصمة الإدارية الجديدة التي تتشكل في الصحراء نقاط اتصال واي فاي، وستتيح بطاقات المفاتيح الوصول إلى المباني، وستراقب أكثر من 6 آلاف كاميرا أول سكانها البالغ عددهم 6.5 مليون نسمة.

ويتيح تطبيق واحد للهاتف المحمول لسكان المدينة سداد مدفوعات المرافق والوصول إلى الخدمات العامة وتسجيل الشكاوى لدى السلطات.

ويعتقد بعض الناس أن مثل هذه الميزات ستجعل الحياة اليومية أسهل وأكثر أمانا، لكن خبراء الحقوق الرقمية يقولون إن إمكانية المراقبة تشكل تهديدا للحقوق الأساسية وسط حملة قمع أوسع للمعارضة وحرية التعبير خلال حكم السيسي على امتداد هذه السنوات العشر.

وقالت مديرة سياسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “أكسس ناو” مروة فتافطة إن “زرع كاميرات المراقبة في جميع أنحاء المدينة يمنح السلطات قدرة لا مثيل لها على مراقبة الأماكن العامة وقمع المواطنين الذين يرغبون في الاحتجاج أو ممارسة حقهم في التجمع السلمي”. واعتبرت هذا الأمر “خطيرا للغاية في بلد تتعرض فيه المساحات المدنية لهجوم هائل”.

المشتبه بهم

مروة فتافطة: كاميرات المراقبة تمنح السلطات قدرة على قمع المواطنين
مروة فتافطة: كاميرات المراقبة تمنح السلطات قدرة على قمع المواطنين

تهدف مشاريع المدن الذكية المماثلة إلى دمج التقنيات المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي وأجهزة الاستشعار والتعرف على الوجه والتعلم الآلي لمكافحة الجريمة وزيادة الكفاءة وتحسين الحوكمة، لكنها تعتمد على الجمع الشامل للبيانات الشخصية ومعالجتها، عادة دون علم المستخدمين أو موافقتهم، مما يؤدي إلى المزيد من المراقبة، كما تقول جماعات حقوق الإنسان.

وقالت فتافطة إن الخطر أكبر تحت الحكومات الاستبدادية. وصرّحت بأن “الحكومة المصرية تروّج لعاصمتها الإدارية الجديدة كمدينة ذكية حيث يمكن للناس أن يتمتعوا بنوعية حياة أفضل، لكنها في الواقع تبني مدينة مراقبة”.

أصبحت العاصمة الإدارية الجديدة واحدة من حوالي عشرة مشاريع مدن ذكية جديدة في مصر، وتنتشر على مساحة 700 كيلومتر مربع، وتشمل وزارات الإسكان والمؤسسات المالية والسفارات الأجنبية. وطوّرت شركة هانيويل الأميركية نظام المراقبة الخاص بها.

وقالت شركة هانيويل في بيان في 2019 إن مركز القيادة والتحكم لشبكة الكاميرا يمكنه تشغيل “تحليلات فيديو متطورة لمراقبة الحشود والازدحام المروري، واكتشاف حوادث السرقة، ومراقبة الأشخاص أو السيناريوهات المشبوهة، وإطلاق الإنذارات الآلية في حالات الطوارئ”. وأضافت أن المسؤولين الحكوميين يمكنهم الوصول إلى البث المباشر لشبكة الكاميرات من المركز، دون تحديده.

وقالت الشركة في ذلك الوقت إنها ستستخدم ما يُعرف باسم “إنترنت الأشياء” لتحقيق رؤية شاملة للمدينة توفر خدمات سلامة عامة موحدة، وتنسيق وحدات الاستجابة الأمنية والطبية، وشرطة المدينة. ولم تصدر تحديثات بشأن المشروع منذ ذلك الحين.

ولم يستجب لطلبات التعليق رئيس شركة هانيويل في مصر وشمال أفريقيا خالد هاشم، ونائب وزير الإسكان خالد عباس الذي يشغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية الجديدة للتنمية العمرانية.

وتبيع شركة هانيويل أنظمة المراقبة الجماعية في جميع أنحاء العالم، لكن “من المستحيل الدفاع أخلاقيا عن توفير التكنولوجيا للحكومة المصرية، حسب تعبير توني روبرتس خبير الحقوق الرقمية وزميل باحث في معهد دراسات التنمية بلندن، الذي استشهد بسجل حقوق الإنسان في البلاد”.

وقال إن “للمواطنين المصريين الحق في الخصوصية وحرية الرأي وتكوين الجمعيات، إلا أن سجون الدولة وتعذيب الصحافيين ورجال المعارضة السياسية باستخدام معلومات المراقبة ضدهم”.

لكن المسؤولين قالوا إن تكنولوجيا المراقبة تهدف إلى الكشف عن الجريمة وتعزيز السلامة، وأن البيانات ستكون محمية بموجب القانون المصري والمعايير الدولية.

انتهاكات المراقبة

واحدة من حوالي عشرة مشاريع مدن ذكية جديدة في مصر

أظهرت الأبحاث توسعا سريعا في تقنيات المراقبة عبر أفريقيا في السنوات الأخيرة، باعتماد أنظمة مقدمة من شركات مقرها الولايات المتحدة والصين وأوروبا.

وتمكن المجتمع المدني في كينيا وجنوب أفريقيا، حيث تبقى وسائل الإعلام والمحاكم حرة نسبيا، من مساءلة الحكومات وتأمين بعض الإصلاحات لممارسات المراقبة، وفقا لشبكة الحقوق الرقمية الأفريقية.

وأمرت المحكمة العليا في كينيا، على سبيل المثال، في 2020 الحكومة بإدخال لوائح أقوى لنظام هوية رقمية جديد، وقالت إنه لا يمكن استخدامها لجمع الحمض النووي للمواطنين وبيانات الموقع الجغرافي.

ولكن ممارسات المراقبة لا تخضع للرقابة في مصر والسودان، حيث تسيطر الحكومة إلى حد كبير على وسائل الإعلام والمحاكم، كما قال روبرتس الذي كتب تقريرين حديثين عن استخدام أدوات المراقبة في الدول الأفريقية.

وواجهت مصر أسئلة متكررة حول حقوق الإنسان في عهد القائد العسكري السابق السيسي، واشتكى المشاركون في قمة الأمم المتحدة للمناخ العام الماضي في مصر من تعرضهم للتجسس من قبل تطبيق الهاتف المحمول الرسمي.

الأبحاث أظهرت توسعا سريعا في تقنيات المراقبة عبر أفريقيا في السنوات الأخيرة، باعتماد أنظمة مقدمة من شركات مقرها الولايات المتحدة والصين وأوروبا

وقال روبرتس “وجدنا أن الحكومات تنتهك حقوق الخصوصية بشكل روتيني من خلال مراقبة جماعية لمواطنيها مع الإفلات من العقاب. لم تكن هناك ملاحقات قضائية ولم يخسر أي شخص وظيفته بسبب انتهاكات المراقبة المكتشَفة”.

ليس أمرا جديدا

بدأ المسؤولون والمقيمون في الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة التي تقع على بعد حوالي 45 كيلومترا شرق القاهرة، رغم أن العديد من سكان القاهرة يقولون إنهم لا يستطيعون العيش في المدينة الجديدة.

ولا يعتبر أحمد إبراهيم، وهو مهندس برمجيات اشترى شقة في بناية شاهقة في المدينة الجديدة، نظام المراقبة مقلقا، بل يراه مجرد ميزة أخرى عالية التقنية.

وتساءل “ما الخطأ في وجود كاميرات في جميع أنحاء المدينة لرصد الانتهاكات والقضاء على الجريمة؟ أنا أثق في الحكومة. ستجعل الأنظمة الحياة أسهل لنا كمقيمين”. لكن الآخرين يرون نظام المراقبة مقلقا.

وقالت هبة أحمد (33 عاما) التي تخطط للانتقال إلى المدينة الجديدة مع أسرتها قريبا إن “مثل هذه الأنظمة سارية المفعول في العديد من الأماكن حول العالم. لكن الأمر يصبح مقلقا عندما يتعلق الأمر بالدول التي تعاني من مشاكل قمع مثل مصر”. وقالت “لا أحد يريد أن يخضع للمراقبة، وأن تنكشف حياته الخاصة”.

6