الظروف الاقتصادية الصعبة تفرق أهل الصعيد في مناسباتهم

ارتفاع تكاليف حفلات الزفاف العائد إلى انخفاض سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار جعل التمسك بهذه العادة صعبا.
الخميس 2023/04/13
أفراح زمان

القاهرة – لم تقتصر تداعيات الأزمة الاقتصادية في مصر  على ارتفاع الأسعار ونسب الفائدة المصرفية فقط، بل أسهمت في تقييد عادات راسخة لدى أهل الصعيد والدلتا.

تأتي على رأس هذه العادات، التي بدأ يهجرها سكان الشمال والجنوب، احتفالات الزفاف وتحضيراته التي اعتاد الأغنياء والبسطاء في هاتين المنطقتين على الاحتفاء بها.

ففي محافظة المنوفية بدلتا النيل اعتاد أهالي القرى على الاحتفال بيوم الحناء، الذي يسبق حفل الزفاف، فيجمع من هو مقبل على الزواج في ذلك اليوم أصدقاءه وأقاربه للاحتفال بالزواج وينتهي بوضع الحناء على قدمي العريس وكفيه.

ويقام يوم الحناء في سرداق مصنوع من الأقمشة الملونة وتذبح فيه بقرة أو جاموس لإعداد الطعام وتقديم المشروبات المتنوعة للحضور. ويتخلله كذلك إحضار فرقة فنية ومكبرات صوت للغناء والرقص، على أن يغطي العريس وأهله التكاليف. إلا أن هذه العادة بدأت تختفي حسب قول المهندس الشاب محمد شديد في بلدته قويسنا والقرى المحيطة.

33.9

في المئة نسبة التضخم في مصر وما يزيد من حدته التراجع المتواصل في سعر صرف الجنيه الذي فقد 50 في المئة من قيمته

ويوضح شديد “الاحتفال بيوم الحنّاء قلّ كثيرا، كنا نرجع السبب إلى جائحة كورونا في بادئ الأمر لكن بعدها اصطدم الناس بالظروف الاقتصادية التي طالت ضروريات حياتهم اليومية، وأصبح رب العائلة يجاهد لتوفير حاجيات أطفاله متنازلا عن طلبات أطفاله التي أصبح يراها من الكماليات”.

ويعاني الاقتصاد المصري في الفترة الأخيرة من تداعيات الجائحة، فضلا عن تأثير الحرب في أوكرانيا، إذ إن روسيا وأوكرانيا هما المصدر الرئيسي الذي تستورد منه مصر القمح. وهما مصدر أساسي للسياح الذين يزورون بلاد النيل.

ويعاني المصريون من تضخم نسبته 33.9 في المئة، وما يزيد من حدته التراجع المتواصل في سعر صرف الجنيه الذي فقد 50 في المئة من قيمته.

ومنذ عام 2017 حصلت مصر على أربعة قروض من صندوق النقد الدولي لمواجهة النقص في الدولار ودعم الموازنة، ولكن لا تزال مؤشرات التعافي من الأزمة الاقتصادية سلبية.

في النوبة في أقصى جنوب البلاد يقول عمر مغربي، مدرس اللغة النوبية البالغ من العمر 43 عاما، “بسبب الغلاء لم تعد أفراحنا أو تعازينا كما كانت”. ويتابع “الحالة أصبحت صعبة والبيوت الآن تحتاج إلى ما كنا ننفقه من قبل على عاداتنا”.

وكانت حفلات زفاف النوبيين تمتد ثلاثة أيام، لا بل أسبوعا عند الأغنياء، حسب ما يفيد به مغربي، حيث تتم دعوة كل أبناء القرية “وتقدّم إليهم وجبات الفطور والغداء والعشاء خلال المدة المحددة بأكملها”.

لكن ارتفاع تكاليف حفلات الزفاف العائد إلى انخفاض سعر صرف الجنيه المصري في مقابل الدولار، وكذلك أسعار المواد الغذائية في بلد يستورد معظم احتياجاته الغذائية، جعل التمسك بهذه العادة صعبا.

ويضيف مغربي “قبل بضعة أشهر اتفقت القرى النوبية على تخفيض نفقات الأفراح؛ بات الزفاف يقتصر الآن على وجبة عشاء خفيفة”. وأضاف “حتى الذهب.. عندما كان السعر في المتناول كان العريس مطالبا بوزن معين أما الآن قد ينتهي الأمر بخاتم صغير”. وتبنت قرى ومدن مصرية مبادرات أهلية بالتوافق بين المواطنين لتخفيف مطالب الزواج، خصوصا فيما يتعلق بالذهب المقدم إلى الفتاة.

30

في المئة نسبة الفقراء من مجمل عدد السكان البالغ زهاء 105 ملايين نسمة، وفق إحصائيات رسمية

كذلك نشرت دار الافتاء المصرية على منصات التواصل الاجتماعي قبل فترة قصيرة فتوى تفيد بأنه يمكن استبدال الحلي المصنوعة من الذهب بأخرى من الفضة أقل ثمنا “تيسيرًا لأمر الزواج وترغيبًا فيه”.

ويؤكد البرلماني السابق محمد رفعت عبدالعال من قريته العضّاضية في محافظة قنا بجنوب البلاد عبر الهاتف أن “الجميع اعتادوا في القرية أثناء المآتم على إخراج صواني الطعام لمواساة أسرة المتوفى” قبل الظروف الاقتصادية القاسية، أما الآن “فقد أصبح الأمر مقتصرا على أفراد العائلة المقربين من أسرة المتوفى”، وفق قول عبدالعال الطبيب البالغ من العمر 68 عاما. ويضيف “تقترح عائلات أن يقتصر العزاء على الجنازة لتجنب التكاليف”.

وتفيد الإحصائيات الرسمية بأن الفقراء يمثلون نحو 30 في المئة من مجمل عدد السكان البالغ زهاء 105 ملايين نسمة. وفيما خفض الجميع استهلاك اللحوم والدجاج والحلويات في المناسبات الكبرى، لا يزال الخبز منتشرا.

لكن ارتفاع أسعار سلع مثل الدقيق والزيت أدى إلى تضاؤل عادة هامة وحيوية في قرى الصعيد وهي تحضير الخبز في المنازل، حسب ما يفيد به عبدالعال؛ فقد أدى الإبقاء على الدعم في مخابز الدولة إلى الإقبال على شراء الخبز منها.

ويوضح ” في الماضي كان عارا على أهل القرى في الصعيد أن يشتروا خبزا من الطابونة (المخبزة) لأن ذلك يشير إلى التراخي والكسل داخل المنزل”. وتابع “الآن الجميع يتسابقون إلى الطابونة لانخفاض ثمن الخبز فيها وسرعة تجهيزه”.

16