الطب التقليدي.. من التشكيك إلى دائرة اهتمام منظمة الصحة العالمية

بعد أن كان الأطباء والصيادلة، وحتى منظمة الصحة العالمية، يحذرون من الطب التقليدي الذي استعملته الشعوب للآلاف من السنين، يعود اليوم هؤلاء للبحث وجمع الأدلة والبيانات لتوجيه السياسات والمعايير والقواعد الخاصة بالاستخدام الآمن والعادل والفعال لهذا الطب، الذي يستعمل حاليا في 170 دولة من بين أعضاء المنظمة.
نيودلهي - افتتحت منظمة الصحة العالمية الخميس قمتها الأولى حول الطب التقليدي، وسط السعي المعلن إلى جمع أدلة وبيانات للسماح بالاستخدام الآمن لمثل هذه العلاجات. وقالت هذه الوكالة الصحية التابعة للأمم المتحدة إن الأدوية التقليدية تشكّل "الملاذ الأول للملايين من الناس في جميع أنحاء العالم"، مع انطلاق القمة التي تجمع صّناع القرار والأكاديميين بهدف "حشد الالتزام السياسي والتشجيع على عمل قائم على الأدلة" تجاه هذه العلاجات.
وقال رئيس المنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس أثناء افتتاح القمة "تعمل منظمة الصحة العالمية على جمع الأدلة والبيانات لتوجيه السياسات والمعايير والقواعد الخاصة بالاستخدام الآمن والعادل والفعال من حيث التكلفة للطب التقليدي". وكان تيدروس حذر في وقت سابق من أن الطب التقليدي يمكن أن يعزز "فجوات الوصول" إلى الرعاية الصحية، لكنّه لن يكون ذا قيمة إلا إذا استُخدم "بشكل مناسب وفعال وقبل كل شيء، بأمان استنادا إلى أحدث الأدلة العلمية".
ويستخدم 80 في المئة من سكان العالم الطب التقليدي، ولطالما كان الطب التقليدي للآلاف من السنين جزءا لا يتجزأ من الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم. وبدافع الاقتناع العميق أو بسبب نقص الأدوية الأخرى، يستخدم 80 في المئة من سكان العالم اليوم شكلا من أشكال الطب التقليدي. وتتنوع طرق العلاج في الطب التقليدي من استخدام الخلطات العشبية إلى الوخز بالإبر والتدليك وغيرها من الطرق التي كانت تستعملها الشعوب قبل اكتشاف الأدوية الصيدلية.
يقف المؤيدون والمعارضون لموضوع الطب التقليدي على طرفي نقيض بشكل لا يدع مجالا للتوافق بينهما. لذلك، وفي سياق الإعلان عن القمة، تلفت منظمة الصحة العالمية إلى أن الطب التقليدي موجود أيضا في العلوم الحديثة. فحوالي 40 في المئة من جميع الأدوية المعتمدة اليوم تعتمد على المنتجات الطبيعية، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
واستند اكتشاف الأسبرين مثلا إلى الوصفات القديمة المصنوعة من لحاء شجرة الصفصاف. ولكن الأمر ليس كذلك دائما، فالكثير من العلاجات لا يوجد دليل على الإطلاق على أن لها أي مفعول علاجي. ومع ذلك، فإن الطلب الصيني على المكونات الحيوانية، التي تدخل في الطب الصيني التقليدي، بات هائلا، إلى درجة أن بعض أنواع الحيوانات، مثل النمور ووحيد القرن وفرس البحر وآكل النمل الحرشفي، مهددة بالانقراض.
وتُعرِّف منظمة الصحة العالمية الطب التقليدي بأنه “حصيلة مجمل المعارف والمهارات والممارسات القائمة على النظريات والمعتقدات والخبرات المتأصلة في مختلف الثقافات، سواء كانت قابلة للشرح والتفسير أم لا، وتستعمل في صيانة الصحة، وفي الوقاية من الاعتلال البدني والنفسي، وتشخيصه، وتخفيفه ومعالجته”.
ويستخدم الطب التقليدي حاليا في 170 دولة من بين أعضاء منظمة الصحة العالمية، وقد طلبت هذه الدول أدلة وبيانات، لتكون أساسا للسياسات والمعايير واللوائح، بهدف استخدام الطب التقليدي بشكل آمن ورخيص وعادل. لذلك ستقوم هذه القمة ليس بجمع مختلف الجهات الفاعلة في مجال الطب التقليدي فقط، وإنما ستضع أيضا معايير لممارسات ومنتجات الطب التقليدي، وإنشاء قاعدة أدلة موثوقة للسياسة.
ولهذا يجب فحص ما إذا كانت هناك اختلافات كبيرة بين الفائدة المتصورة والفائدة الفعلية التي تقدمها طرق العلاج البديل. هل يقتصر الأمر على الاعتقاد بأن طريقة معينة تساعد على الشفاء، أم أنه يمكن إثبات هذا التأثير أيضا؟ بالإضافة إلى ذلك، ستتم مناقشة كيفية استخدام التكنولوجيا الحديثة كالذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة في الطب التقليدي.
وليس من قبيل المصادفة أن تعقد أول قمة عالمية لمنظمة الصحة العالمية حول الطب التقليدي في الهند، فمن الهند أتت "الأيورفيدا" وترجمتها باللغة السنسكريتية تعني "علم الحياة"، والتي تعتبر منذ أكثر من ألفي عام طبا شعبيا في جنوب آسيا، وبالتالي فهي واحدة من أقدم أنظمة العلاج الطبيعي المعروفة. ويعتبر الطب البديل في الهند أمرا شديد الأهمية إلى درجة أن لديهم وزارة خاصة للأيورفيدا واليوغا والمعالجة الطبيعية والمعالجة التجانسية.
◙ 80 في المئة من سكان العالم يستخدمون اليوم الطب التقليدي إما بدافع الاقتناع العميق وإما بسبب نقص الأدوية الأخرى
واستجابة للاهتمام العالمي المتزايد، أنشأت منظمة الصحة العالمية في مارس 2022 المركز العالمي للطب التقليدي التابع لمنظمة الصحة العالمية في جامناغار، للجمع بين الحكمة القديمة والعلوم الحديثة من أجل صحة البشر والكوكب. وقال رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، "يهدف المركز ليكون محركا للابتكار من أجل جمع الأدلة والبيانات والاستدامة في الطب التقليدي".
وبإلقاء نظرة فاحصة على طرق العلاج التي تم تطويرها على مدى قرون، يبدو أمرا منطقيا، من أجل التحقق من مدى معقولية هذه الطرق، وفي حالة الشك إجراء دراسات سريرية جيدة، كما يقول جورج رويشيماير من منظمة كوكرين، وهي منظمة مستقلة غير حكومية وغير ربحية تتألف من أكثر من 31 ألف متطوع في أكثر من 120 بلدا، هدفها تنظيم معلومات الأبحاث العلمية الطبية بشكل منهجي، مما يسهل اتخاذ القرارات من قبل الأخصائيين في مجال الطب، وذلك حسب مبادئ الطب المسند بالدليل.
ومع ذلك، يؤكد رويشيماير في حديث لوكالة الأنباء الألمانية أنه بالإضافة إلى الأمثلة التي ذكرتها منظمة الصحة العالمية، مثل الأسبرين، ربما توجد أمثلة عديدة أثبتت فيها الطرق التقليدية أنها غير فعالة أو حتى خطيرة عند الفحص الدقيق مثل الفصد وهو طريقة لإخراج الدم من الجسم كانت تستخدمه العرب في علاج العديد من الأمراض.
ويضيف رويشيماير "من خلال تجربتي في كوكرين، أود أن أقول إنني لم أجد الكثير من مراجعات كوكرين التي تظهر دليلا مقنعا حقا على نجاعة طريقة من طرق العلاج التقليدي". بيد أن من أسباب ذلك أيضا حقيقة أنه في الكثير من الأحيان لا يوجد سوى عدد قليل من الدراسات التي يتم إجراؤها، وغالبا بشكل سيء، ولا يمكنها بالتالي إثبات أو دحض فائدة أي طريقة علاج تقليدية.