الطاقة محفز للسلام في الشرق الأوسط

شرق المتوسط يُتيح للولايات المتحدة فرصة لتعزيز مكانتها كصانعة سلام.
الثلاثاء 2025/03/18
منافع مشتركة

غزة - لقرار إسرائيل تعليق إمدادات الكهرباء إلى غزة عواقب وخيمة على الحياة اليومية للفلسطينيين، وعلى إعادة إعمار غزة. وتتطلب إدارة أزمة الطاقة في غزة تطوير مصادر بديلة، وهي حقول الغاز الطبيعي البحرية التي يمكن تطويرها قبالة سواحل إسرائيل وغزة في شرق البحر المتوسط.

وتواجه غزة أزمة طاقة مستفحلة، فالمصدر الرئيسي لكهرباء غزة هو محطة توليد الكهرباء في دير البلح، وخطوط الكهرباء الإسرائيلية التي تنقل الكهرباء، والتي تُشكل ما يقرب من ثلثي إمدادات الكهرباء في غزة.

وكانت إمدادات الطاقة في غزة محدودة بالفعل قبل الحرب. وقد تأثرت الإمدادات بشكل أكبر بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للطاقة خلال حرب غزة.

وتعرضت دير البلح للقصف الجوي عام 2023، مما أدى إلى تضرر البنية التحتية للطاقة في غزة. ونتيجة لذلك، لم يتبقَّ لقطاع غزة سوى مولدات الديزل لتشغيل خدماته الأساسية، بما في ذلك المستشفيات ومحطات تحلية المياه التي توفر مياه الشرب.

ويرى الباحث ديفيد فيليبس في تقرير نشرته خدمة أنتر برس أن الغاز الطبيعي يعد بديلا يمكن أن يوفر إمدادات طاقة وفيرة ويشكل أداة لبناء السلام.

عندما تفيد التنمية الإقليمية أصحاب المصلحة، فإن حسابات بناء السلام تهيئ الظروف للتقدم الدبلوماسي

وعُثر على احتياطيات من الغاز الطبيعي في إسرائيل وغزة عام 2000. وجرت أعمال التنقيب في إطار اتفاقية ترخيص بين شركة بريتش غاز والسلطة الوطنية الفلسطينية. واعتُبر حقل الغاز المُكتشف، “غزة مارين 1 و2″، على الرغم من صغر حجمه، أحد المحركات المحتملة للاقتصاد الفلسطيني، ودافعا للتعاون الإقليمي في مجال الطاقة.

ورغم أن الاكتشاف كان مبشرا بالخير، إلا أن انتخاب حماس عام 2007 أضعف آفاق التعاون في مجال الطاقة بين إسرائيل وفلسطين. وتضاءلت هذه الفرصة أكثر مع اكتشاف حقول غاز رئيسية في المياه الاقتصادية الإسرائيلية عامي 2009 و2010. ومع ظهور آفاق جديدة، لم يعد لدى إسرائيل أي حافز للسماح بتطوير حقلي “مارين 1 و2”.

وتغيرت حسابات الانتعاش الاقتصادي عام 2023 عندما وافقت إسرائيل على تطوير حقل غاز “غزة مارين”، بمشاركة السلطة الفلسطينية ومصر. ومثّل ذلك نقطة تحول في استعداد إسرائيل للتعاون من خلال اتفاقيات تقاسم الإنتاج.

ويمكن أن يستفيد كل من هدف حل النزاع وإعادة إعمار غزة من دمج غزة والأراضي الفلسطينية الأوسع في إطار تعاوني لتطوير الطاقة في شرق المتوسط.

وتستطيع الولايات المتحدة أن تلعب دورا بتشجيع التعاون من خلال إطار “3+1″، الذي يشمل قبرص واليونان وإسرائيل والولايات المتحدة، بالإضافة إلى التعاون في مجال الاستخراج والنقل مع مصر.

ويُشكّل إطار عمل غاز شرق المتوسط أول منظمة دولية تضم كلا من إسرائيل والسلطة الفلسطينية، حيث تُعد الولايات المتحدة مراقبا.

وقد يُتيح نهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب القائم على المعاملات فرصة لتطوير الطاقة بما يعود بالنفع المتبادل على كل من إسرائيل والفلسطينيين.

ويُتيح شرق المتوسط فرصة للولايات المتحدة لتعزيز مكانتها كصانعة سلام.

ويعتمد تطوير الطاقة في منطقة شرق المتوسط على ربط غاز غزة الطبيعي بالدول الأوروبية عبر خطوط الأنابيب، وشبكات الكهرباء، ودمج مصادر الطاقة المتجددة، ومعايير كفاءة الطاقة.

وستعزز هذه الإستراتيجية للربط الاستقرار والازدهار في إسرائيل ومنطقة شرق المتوسط من خلال الجمع بين إسرائيل وتركيا ومصر واليونان وقبرص، وحتى لبنان. كما يمكن أن يُحدث تطوير الغاز الطبيعي على الجرف القاري لغزة نقلة نوعية.

وقد يُمثل اكتشاف ما قد يكون أكبر حقل للغاز الطبيعي في المنطقة قبالة الساحل المصري، بالإضافة إلى أحدث اكتشافات الغاز الطبيعي قبالة ساحل قبرص، ربحا كبيرا، مما يعزز الاكتفاء الذاتي والأهمية الإستراتيجية للطاقة في المنطقة.

تطوير الطاقة في منطقة شرق المتوسط يعتمد على ربط غاز غزة الطبيعي بالدول الأوروبية عبر خطوط الأنابيب، وشبكات الكهرباء، ودمج مصادر الطاقة المتجددة، ومعايير كفاءة الطاقة

ويلعب تطوير الطاقة في غزة دورا مزدوجا حيث يُقدر حجم احتياطيات غزة البحرية التي اكتشفتها شركة بريتيش بتروليوم عام 1999 بما يتراوح بين 1 و1.4 تريليون قدم مكعبة. وإذا ما أُضيفت هذه الاحتياطيات إلى البنية التحتية للتصدير الإسرائيلية، فإنها تُوفر إيرادات أكثر من كافية لإعادة إعمار غزة.

وسيحقق استغلال هذه الاحتياطيات فائدة إضافية تتمثل في إشراك السلطة الفلسطينية في إطار تعاون إقليمي. فالأموال المُستمدة من هذه الأصول قادرة على توليد إيرادات لإعادة الإعمار وخدمات مثل التعليم والرعاية الصحية، مما سيعود بالنفع على الفلسطينيين.

وسيمثل قيام دولة فلسطينية ذات قدرات كافية رادعا للتطرف من خلال منح الفلسطينيين حق تقرير المصير، وحرية التنقل، وإقامة الدولة، وغيرها من الحقوق التي يكفلها القانون الإنساني الدولي.

وسيؤدي إنهاء الصراع مع فلسطين إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية. وهذا أحد الأهداف الرئيسية للأطر متعددة الأطراف في شرق البحر المتوسط، والتي تشمل دولا عربية مثل مصر والأردن.

ومن شأن التعاون الإقليمي في مجال الطاقة أن يعزز العملية التي بدأت باتفاقيات كامب ديفيد عام 1978، والتي عززتها اتفاقيات إبراهيم عام 2020، وقمة النقب عام 2022.

وعندما تفيد التنمية الاقتصادية الإقليمية أصحاب المصلحة، فإن حسابات بناء السلام يمكن أن تهيئ الظروف المناسبة للتقدم الدبلوماسي.

6