الطاقة الشمسية بديل للبنانيين عن الانقطاع المتواصل للكهرباء

بيروت - يعاني اللبنانيون من أزمات عديدة منها انقطاع الكهرباء المتواصل والذي تتعطل معه جوانب عديدة من حياتهم فلا المكيفات تعمل ولا البرادات تحفظ أكلهم وتوفر لهم ماء باردا في حر الصيف، ويقضون معظم لياليهم في الظلام الدامس، ولم يقف بعضهم مكتوف الأيدي بل حاول إيجاد حلول لهذه الأزمة المتواصلة ووجد في الطاقة الشمسية ضالته رغم ارتفاع أسعار الأجهزة المستعملة في هذه الطاقة النظيفة.
رجع باتريك أرداهاليان في سنة 2010 من السعودية ليستقر في بلده لبنان الذي وجده بلا كهرباء غارقا في الظلام قال مصدوما، "لم أرَ انقطاعا للتيار الكهربائي بهذا الشكل من قبل. واللافت أن اللبنانيين لم يشعروا باستقرار إمدادات الكهرباء في حياتهم".
وفي محاولة لمعاجلة أزمة الكهرباء، اضطر أرداهاليان إلى شراء منظومة للطاقة الشمسية، موضحاَ أن "لبنان بلد مشمس للغاية والجميع في حاجة إلى الكهرباء. لقد وافق والدي على مساعدتي ماديا. لدي دراية بالتسويق وذهبت إلى مدرسة لكسب الخبرة في مجال الكهرباء".
وقال أرداهاليان وهو لبناني نشأ في اليونان، إنه بعد ذلك بشهور، قام بإنشاء شركته الخاصة التي أطلق عليها اسم "إيكو فرند". وأضاف أرداهاليان (48 عاما) أن الكثيرين كانوا متشككين في مدى قدرتهم على الاعتماد على الطاقة الشمسية، كما أن "البعض لم يصدق أنّي بمقدوري تزويده بالكهرباء عن طريق الشمس، وقال إني أكذب ورفض الاستمرار في النقاش".
ومع عدم قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على تزويد المواطنين بالكهرباء إلا لساعات قليلة، وجد الكثيرون في مولدات الديزل باهظة الثمن ضالتهم لتوليد الكهرباء، لكنها مثلت عبئاَ اقتصاديا مع ارتفاع أسعار الوقود بسبب تردي قيمة الليرة فضلا عن استمرار الاضطرابات الاقتصادية. وفي ضوء ذلك، بدأ الكثير من اللبنانيين مهمة البحث عن بديل يعينهم على تحمل أزمات انقطاع الكهرباء بعيدا عن مولدات الديزل.
◙ مع عدم قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على تزويد المواطنين بالكهرباء إلا لساعات قليلة، وجد الكثيرون في مولدات الديزل باهظة الثمن ضالتهم لتوليد الكهرباء
وتحدث محمد الحريري، البالغ من العمر 43 عامًا ويعيش في مدينة صيدا، التي تعد ثالث أكبر مدن لبنان، عن احتدام أزمة الكهرباء في البلاد قائلا، إن “الأزمة تعود إلى سنوات طويلة وليست وليدة اللحظة”.
وأضاف الحريري لدويتشة فيلة، “يتوقف كل شيء من دون كهرباء. أنا مقتنع بأن الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ وأن الدولة ليس بمقدورها حل هذه الأزمة”، مشيرا إلى ارتفاع أسعار الكهرباء في أعقاب الأزمة الاقتصادية حتى أن فاتورة الكهرباء الشهرية باتت تقترب من متوسط الرواتب.
وبسبب هذا الوضع، وقبل ثلاثة أشهر، لجأ الحريري إلى الطاقة المتجددة عن طريق تركيب ألواح شمسية حيث دفع ثلاثة آلاف دولار مقابل تركيب المنظومة التي تنتج قرابة 10 أمبيرات من الكهرباء صباحا و3 أمبيرات ليلا.
الحريري ليس هو الوحيد، الذي وجد في الطاقة الشمسية ضالته حيث اتجه أصحاب منازل آخرين بل وشركات إلى استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء. ومع انتشار الأمر، بدأت المصارف اللبنانية في منح قروض لمن يرغبون في تركيب ألواح الطاقة الشمسية.
لكن عانى الكثيرون من عدم القدرة على تحمل تكاليف الطاقة الشمسية على الرغم من انخفاض الأسعار بشكل كبير خلال العقد الماضي. وفي ذلك، قال أرداهاليان إنه يحصل على قرابة ثلاثة آلاف دولار مقابل تركيب المنظومة الشمسية من صنف الـ5 أمبيرات وتسعة آلاف دولار مقابل المنظومة الـ20 أمبيرا، مؤكدا أن معظم اللبنانيين لا يستطيع تحمل هذه الأسعار.
بدوره، أكد بلال العباس وهو فني يعمل في مجال الطاقة الشمسية لأكثر من 10 سنوات، على أن العديد من اللبنانيين لا يستطيعون تحمل تكلفة تركيب منظومات الطاقة الشمسية.
وشدد على أن البعض ممن لجأ إلى الطاقة الشمسية لا يستطيع التخلي عن مولدات الديزل بسبب أن الألواح الشمسية ليس بمقدورها تلبية احتياجات المنازل من الكهرباء طوال الوقت. ويتفق معه في هذا الرأي مارك أيوب، الباحث في مجال الطاقة والزميل المشارك في الجامعة الأميركية في بيروت.
وقال "الناس ما زالوا بحاجة إلى شركة كهرباء لبنان لتزويدهم بالكهرباء. قد تساعد الطاقة الشمسية في التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال عدم الحاجة إلى حل من الحكومة".
وأضاف "قد تكون الطاقة المتجددة حلا على مستوى البلاد عندما تشرع فئات المجتمع في تركيب مزارع الطاقة الشمسية بقدرات تصل إلى مئات الميغاوات، لكن في الوقت الحالي يقوم الناس بتركيب الألواح الشمسية لتلبية احتياجاتهم الخاصة من الكهرباء".
الفئات التي تستهلك الكهرباء بمعدلات أكبر لا تستطيع تحمل تكلفة امتلاك منظومة للطاقة الشمسية نظرا لأن هذا سوف يتطلب تركيب عدد كبير من الألواح
من جانبه، سلط محمد منيمنة، مؤسس شركة "المشرق للطاقة" المتخصصة في مجال الطاقة الشمسية، الضوء على مبادرات جرى تدشينها مؤخرا لتوسيع استخدام الطاقة الشمسية في البلاد. لكنه قال إن "مشاريع الطاقة الشمسية تستدعي الحصول على تصاريح من جهات حكومية فيما يمثل الروتين الحكومي وغياب وجود نظام موحد للتوزيع أبرز العقبات أمام انتشار صناعة الطاقة الشمسية".
وأضاف أن شركته فازت مؤخرا بمناقصة بقيمة 400 ألف دولار لبناء نظام شمسي هجين يُعرف اختصارا بـ"بي في دي" لتزويد حرم "جامعة بيروت العربية" بالكهرباء، بما يشمل تركيب 920 لوحا من الألواح الشمسية لتلبية ما بين 20 و40 في المئة من إجمالي احتياجات الحرم الجامعي من الكهرباء.
وقال إن هذه المنظومة تعد خيارا مناسبا لأنها ليست في حاجة إلى وجود بطاريات تصل تكلفتها إلى قرابة 600 دولار، مضيفا "الفئات التي تستهلك الكهرباء بمعدلات أكبر لا تستطيع تحمل تكلفة امتلاك منظومة للطاقة الشمسية فقط نظرا إلى أن هذا سوف يتطلب تركيب عدد كبير من الألواح". الجدير بالذكر أن الحكومة اللبنانية تبنت هدفا طموحا لتغطية 30 في المئة من استهلاك البلاد للطاقة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.