الطاقة.. إكسير حياة للاجئين ومحرك إنتاج للدول المستضيفة

توفير الطاقة في مخيمات اللاجئين يحسن العيش فيها ويقوي موارد الدول المضيفة.
السبت 2019/02/09
الأردن تجاوز مرحلة الشكوى بمشاريع تحول اللاجئ من مستهلك إلى منتج

مثّل إعلان منظمة الأمم المتحدة عن ارتفاع عدد اللاجئين بنسبة 4.6 بالمئة في عام 2018 صيحة فزع دفعت بالهيئات والمنظمات المعنية بحقوق اللاجئين إلى تعميق النقاش حول حاجات هذه الفئات التي عادة ما تمثل عبئا على الدول المستضيفة، ليتغيّر نسق الحديث من وجوب توفير حاجات أساسية كالغذاء واللباس والمسكن والصحة إلى آليات أخرى في مقدّمتها الطاقة التي تضمن بالنهاية للاجئين ظروفا أحسن لضمان مستقبلهم الاقتصادي والاجتماعي وتجعلهم يندمجون صلب المجتمعات المستضيفة لهم. ولهذا ركّزت الهيئات الأممية المعنية بملف اللاجئين في السنوات الأخيرة على تقديم حلول ومبادرات لتمكين اللاجئين من الطاقة.

لندن - غالبا ما يتم حصر مشاكل اللاجئين وحاجاتهم في ضرورات حياتية كالغذاء والمسكن واللباس والصحة أو الحقوق المدنية.

وكلما طرح موضوع اللاجئين  تتصاعد الشكوى من في تداعيات كل ذلك على الدول المستضيفة لهم، والأزمات الداخلية التي يخلقها تواجد هؤلاء اللاجئين، كما على مستوى الأزمات الصحية والأمنية والتعليمية داخل مخيمات الإيواء، التي تفتقد إلى أهم عنصر محرك ومحفز على الحياة والعطاء وهو الطاقة، بما تضمنه من فرص لتأمين الحاجات الأساسية وتحويل اللاجئ من عبء إلى عنصر فاعل منتج.

أوين غرافام: تحول نحو التفكير في الحلول التي تعتمد على مهارات اللاجئين
أوين غرافام: تحول نحو التفكير في الحلول التي تعتمد على مهارات اللاجئين

مع تجاوز أرقام النازحين في عدة دول غربية أو عربية لنسب غير مسبوقة، ولأن المساعدات المالية الدولية وحدها لم تعد تكفي أمام جحافل اللاجئين الهاربين من الصراعات، ولأن الدول المستضيفة لم تعد قادرة على استيعاب المزيد، وبعضها عاجز اليوم حتى على استيعاب اللاجئين الموجودين بها، بات من الضروري التفكير في طرق لتحويل اللاجئين من مستهلكين عاجزين إلى منتجين قادرين على الاستفادة والإفادة.

تمكين الطاقة للاجئين

ملف تمكين الطاقة للاجئين، شددّت عليه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتأكيدها على أن الطاقة هي قوة إضافية للحماية، مؤكدة أن الوصول إلى الطاقة المستدامة هو حاجة أساسية للجميع، فمن دونها، قد يتعرّض النازحون قسرا، خاصة النساء والأطفال، لمخاطر الصحة والسلامة، ويتقلّص الوقت المتاح أمام التعليم، وكسب العيش، والأنشطة الاجتماعية وأنشطة أخرى. وتعتقد المفوضية أنّ على اللاجئين القيام بدور فاعل في تخطيط الطاقة وإدارتها، ومن المخطّط أن تُحدِث برامج الطاقة المفصّلة وفق حاجات اللاجئين فارقا كبيرا في حياتهم وطريقة كسبهم للعيش وبلوغهم مرحلة تأمين الحياة والصحة.

وتظل أزمة اللاجئين في العالم مع تواصل الحروب في دول عدة كسوريا والسودان وليبيا وأفغانستان ملفا خلافيا يؤرق العديد من الدول المستضيفة وخاصة الدول الأوروبية. لكن في حقيقة الأمر فإن هذا الملف الشائك لا يشمل فحسب الدول الغربية بل إن الدول النامية التي تستضيف الفارين من الحروب هي الأكثر تضررا على جميع الأصعدة.

ويقول أوين غرافام، مدير إدارة الطاقة والبيئة والموارد بالمعهد الملكي البريطاني للسياسات الخارجية (تشاتام هاوس)، إن معظم النازحين لا ينتقلون إلى أوروبا، مثلما يعتقد الأوروبيون. إذ يعيش 85 بالمئة منهم في البلدان النامية. وتتحمل هذه البلدان العبء الأكبر، ويحتاج العالم المتقدم إلى دعمها.

ويشير  في ملف أعده تشاتام هاوس، حول أهمية توفير الطاقة إلى اللاجئين لتحسين سبل عيشهم وموارد مجتمعاتهم المضيفة، إلى أن دعم هذه الدول مهمّ لتغيير الديناميكيات فيها. إذ تتزايد المشاعر المعادية للاجئين في البلدان النامية بما في ذلك باكستان وإيران والأردن ولبنان. وينتقل هذا التوتر إلى المواطنين الذين يعتقدون أن اللاجئين والمهاجرين يستنزفون الموارد الطبيعية لبلدانهم، من المياه والطاقة، إلى الأرض.

ويتجاوز عدد النازحين قسرا، على مستوى العالم، عدد سكان أستراليا وكندا مجتمعين. وقد أظهرت الأبحاث الحديثة التي أجراها المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) أن أكثر من 90 بالمئة من الأشخاص الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين لا يحصلون على الكهرباء. ويلتجئ أكثر من 80 بالمئة منهم إلى الطهي بمختلف أنواع الوقود المتاحة، كالخشب. ويدل هذا على تهميش اللاجئين في الحملة العالمية للوصول إلى طاقة أفضل.

نجاح في الأردن وكينيا وأوغندا في تمكين اللاجئين
نجاح في الأردن وكينيا وأوغندا في تمكين اللاجئين

وتمثل أزمة تمكين جميع الناس من الطاقة ملفا حارقا في العالم، حيث لا يتمتع سوى مليار شخص في جميع أنحاء العالم بالكهرباء في حين لا يزال أكثر من 3 مليارات شخص يطبخون بالوقود الصلب. ويقول غرافام “أنا واثق من بداية ظهور الحلول في الوقت الراهن. حيث يركز إعلان نيويورك الخاص باللاجئين والمهاجرين، على محاولة الانتقال من فكرة أن ‘اللاجئين يشكلون عبئا’، إلى ‘كيفية توظيف معارفهم ومهاراتهم في البلدان المضيفة لهم”.

ومع توجه الأمم المتحدة للتركيز على أولوية توفير الطاقة للاجئين بدلا من مزيد الاهتمام بحاجات الغذاء والصحة، يقول  غرافام إن “توفير الطاقة يساهم في تمكين هذه الجماعات، حيث من المستحيل أن تعيش حياتك اليومية دون استعمال الطاقة”.

وتمثل هذه المعضلة بالنسبة لغرافام قضية حياة أو موت، عندما يعيش الناس في مأوى مؤقت. وشهدت أوروبا والشرق الأوسط عددا كبيرا من وفيات الأطفال، على مدى فصول الشتاء القليلة الماضية، والصيف الذي سلّط حرارته الشديدة على خيامهم.

 في ما يخص ملف اللاجئين فقد عملت الأمم المتحدة على إطلاق مبادرة الطاقة المتحركة، وهي شراكة دولية تعمل على توفير الطاقة المستدامة للاجئين لتأمين حياة النازحين قسرا. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، عملت مبادرة الطاقة المتحركة على محاولة تغيير الطريقة التي توفر بها الطاقة.

الطاقة المتحركة

Thumbnail

في سياق هذه الخطوات، تم في الأردن عمل فريق غرافام مع المجلس الأردني للأبنية الخضراء للتعريف بمجموعة كاملة من تقنيات الكفاءة في استخدام الطاقة للأسر الأردنية ذات الدخل المنخفض. ولذلك، يمكنني القول “إن هناك الكثير من الأنشطة المدهشة التي تحدث على أرض الواقع”، وفق غرافام.

ولتأمين الطاقة لدى اللاجئين، تعترض العالم اليوم، تحديات بالجملة. ويعتبر تردد الحكومات أحد أكبر التحديات، إذ تعتقد العديد منها أن اللاجئين المستضافين في أراضيهم سيعودون في النهاية إلى ديارهم.

لكن، يشير بحث مبادرة الطاقة المتحركة إلى أن متوسط مدة عيش اللاجئ في مخيم للاجئين هو 18 سنة، بمعنى أن معظم اللاجئين سيبقون في البلد/المخيم الذي يستضيفهم لفترة طويلة من الزمن. وحتى لا يتحول الأمر إلى عبء، يمكن أن يمثل هذا التحدي فرصة لتقديم حلول أفضل للاجئين والمجتمعات التي تستضيفهم.

ويمكن لدراسة جيدة لملف الطاقة المتجددة أن تغير الخطاب السياسي الرافض للاجئين، حيث أن الحكومات لم تكن مهتمة بالحلول طويلة الأجل. فعلى سبيل المثال، كانت الحكومة الكينية تتطلع إلى إغلاق مخيم “داداب” للاجئين في حين كانت مبادرة الطاقة ناشطة هناك مما مكن من مواصلة العمل هناك لأن ملف الطاقة بات يعتمد على مهارات اللاجئين،

وقامت أوغندا، باستقبال عدد هائل من لاجئي جنوب السودان وكان منح هؤلاء اللاجئين الفرصة  لبناء حياة جديدة، الطريقة الوحيدة أمامهم للتمكن من تقديم مساهمة إيجابية للمجتمع الأوغندي. فيما فتح الأردن مناطق ليعمل فيها اللاجئون بشكل قانوني.

7