الضغوط تتزايد على الأردن لترويض اقتصاد الظل

فجّر تباطؤ الحكومة الأردنية في معالجة ملف الاقتصاد الموازي الجدل مرة أخرى داخل الأوساط الاقتصادية التي اقترحت حزمة من التدابير العاجلة والمحفزة لامتصاصه لرفد خزينة الدولة بعوائد إضافية تعزز من معدلات النمو في المستقبل.
عمّان – عاد ملف السوق الموازية إلى الواجهة في الأردن بعد أن تعالت أصوات الخبراء مرة أخرى مطالبة الحكومة بوضع إستراتيجية عاجلة لإدماجها ضمن الاقتصاد الرسمي وفق أسس مدروسة لتعزيز مؤشرات النمو مستقبلا.
وتنبع مخاوف الأوساط الاقتصادية من تنامي اقتصاد الظل الذي يشكل نحو 46 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلد والبالغ حجمه حوالي 42 مليار دولار، كونه خزانا لامتصاص البطالة، كما أنه يقضم مليارات من الدولارات سنويا، التي يفترض أنها تدور في فلك القنوات الرسمية.
وكانت دراسة أجراها صندوق النقد الدولي قد أظهرت أن معدل الاقتصاد غير الرسمي في الأردن في الفترة الفاصلة بين عامي 1991 و2015 وصل إلى 17.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد التي تعاني من أزمات هيكلية متنوعة.
46
في المئة نسبة السوق الموازية إلى اقتصاد البلاد البالغ حجمه حوالي 42 مليار دولار
وعكست الإحصائيات الصادمة التي أوردها منتدى الإستراتيجيات الأردني في تقرير حديث بعنوان “الاقتصاد غير المنظم في الأردن: فرصة كامنة لتحقيق المزيد من الإنتاجية والنمو الاقتصادي” أن السلطات أمامها طريق طويل لمعالجة هذه المشكلة.
وقال خبراء المنتدى في تقرير نشرت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية مقتطفات منه إن على الحكومة الإسراع في “تطوير إستراتيجية وطنية فاعلة تهدف إلى تشجيع الانتقال من القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي”.
وبرأيهم، لإنجاح ذلك فإنه من الضروري توظيف قاعدة بيانات متخصصة وتفصيلية لدراسة خصائص الاقتصاد الموازي بمختلف قطاعاته والعاملين فيه، لمساعدة المعنيين في اتخاذ القرارات المناسبة.
واعتبروا أن أي انخفاض في أعداد العمالة غير المنظمة لا بد أن يؤدي إلى انخفاض في أعداد العاطلين عن العمل في السوق المحلية بعدما بلغت نسبة البطالة بنهاية العام الماضي نحو 22.9 في المئة، وهي من بين الأعلى في المنطقة العربية.
ولا يبدو الأردن وحيدا بين المتضررين من هذه الظاهرة المنتشرة في أغلب الاقتصادات العربية عموما، ولكن رغم تشديد عمّان القيود خلال السنوات الأخيرة على التهريب، على سبيل المثال، إلا أن محاولاتها تبدو خجولة.
ولعمليات التهريب تأثير كبير على الأمن والاقتصاد المحلي والتجار والمواطنين على حد سواء لاسيما وأن البضائع المهربة تكون مقلدة، والمواد الغذائية منها تكون فاسدة وغير صالحة للاستهلاك.
وتؤكد الإحصائيات الرسمية أن هناك الآلاف العاملين في قطاعات تشمل التجارة والصناعة والخدمات يقومون يوميا بنشاطات لا تخضع للقوانين أو الرقابة، كما لا يدفعون الضرائب المستحقة.
وبيّن المنتدى الذي ترأسه نسرين بركات في تقريره، أنه بناء على التقرير السنوي عن مؤسسة الضمان الاجتماعي للعام 2021، فإن أعداد الأردنيين المدرجين في سجلات الدولة تتجاوز نحو 1.24 مليون شخص، فيما يبلغ عدد المؤمنين الأجانب نحو 170 ألفا.
وكانت تقديرات سابقة نشرتها منظمة العمل الدولية قد أشارت إلى أن ما يزيد عن مليون فرد في الأردن يكسبون رزقهم في الاقتصاد غير المنظم، معظمهم من الذكور.
وأوضح المنتدى أنه بناء على هذه الأرقام، فإن نسبة العمالة غير المنظمة إلى إجمالي العمالة تبلغ 46.1 في المئة، وهي نسبة قريبة من تلك التي قدرتها منظمة العمل الدولية، وهي تساوي 51.6 في المئة.
وتطرق التقرير إلى أبرز أسباب التوجه نحو العمل غير المنظم، وهي تجنب الضرائب، أو تجنب الاشتراك في الضمان الاجتماعي، علاوة على تجنب الالتزام بمعايير سوق العمل اللائق، أو تجنب الالتزام بالتشريعات القانونية والإدارية، وغيرها من الأسباب الأخرى.
وثمة العديد من الآثار السلبية المترتبة عن الاقتصاد غير المنظم، من أهمها ضعف الإيرادات الضريبية بسبب ارتفاع معدلات التهرب الضريبي، الأمر الذي يقود في نهاية المطاف إلى اتساع العجز المالي الحكومي.
وفي ضوء ذلك تتدنى الكفاءة والمنافسة نظرا لبقاء الشركات العاملة في اقتصاد الظل في معظم الأحيان صغيرة الحجم لتجنب الكشف عنها، إذ أنها لا تستفيد من وفورات الحجم والكفاءة.
وأكد معدّو التقرير أن المنافسة الخفية وغير العادلة التي تواجهها الشركات الرسمية (المسجلة قانونيا) من قبل الشركات غير الرسمية، تؤثر سلبا على أدائها من حيث الإنتاجية والربحية.
الأوضاع الصعبة تلقي بظلال قاتمة على حياة المواطنين الذين يبحثون بدورهم عن حل يوفر لهم كرامة العيش
ولتوسع الاقتصاد الموازي أثار تتجاوز تقلص إيرادات الدولة، إذ أنه يؤثر بشكل سلبي على معدلات الفقر، الأمر الذي يؤثر بدوره سلبا على حجم البرامج الممولة من الإيرادات الضريبية المخصصة لدعم الطبقات الهشة ومحدودة الدخل.
وبالمقابل، يرى بعض الخبراء أن القطاع غير الرسمي بحد ذاته يسهم في حماية الطبقة الفقيرة عبر تلبية احتياجات المستهلكين الفقراء عن طريق تأمين السلع والخدمات بأسعار منخفضة.
ومن المفارقات بحسب المنتدى، أن هناك جانبا إيجابيا للاقتصاد غير الرسمي، فهو يسهم في دفع عجلة الاقتصاد كونه يوفر فرص عمل، ويوفر دخلا ثابتاً للأفراد العاملين فيه وأسرهم.
وتعاني البلاد، التي تستورد أكثر من 90 في المئة من حاجاتها من الطاقة من الخارج ظروفا اقتصادية صعبة وديونا، كما أنها تأثرت كثيرا بالأزمتين في كل من العراق وسوريا ولاسيما أزمة اللاجئين.
ويؤكد خبراء أن حدة التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني رغم التحسن الطفيف بفضل الإصلاحات المدعومة من صندوق النقد، قد تنذر بعودة التقلبات إلى البلد الذي يعتمد على المساعدات الدولية بشكل كبير.
وتلقي هذه الأوضاع الصعبة بظلال قاتمة على حياة المواطنين الذين يبحثون بدورهم عن حل يوفر لهم كرامة العيش، فيما تحاصرهم ضغوط البطالة والضرائب وزيادة الأسعار.