الضغوط المناخية لا تلغي حاجة الصين إلى نفط الشرق الأوسط للاستغناء عن الفحم وتقليص الانبعاثات الكربونية

يجمع أغلب المحللين على أنّ تحول الصين نحو الطاقة النظيفة وتحركاتها من أجل تقليص الاعتماد على الفحم لن يؤثر على حاجتها لنفط الشرق الأوسط، بل يذهب بعضهم حدّ القول إن واردات الصين قصيرة الأجل من النفط الخام ستستمر في الارتفاع، وستأتي غالبيتها من الشرق الأوسط، وحتى وإن انخفضت بفعل الارتفاع الكبير للأسعار إلا أن صادرات النفط ستواصل دعم نهضة الصين الاقتصادية ورسم ملامح العلاقات التي تربط بكين بالشرق الأوسط.
واشنطن - أثار الغياب الصيني عن قمة المناخ “كوب 26” انتقادات من كافة جهات الأرض، وبالنظر إلى تجنب الزعيم الصيني شي جين بينغ السفر إلى الخارج منذ يناير العام الماضي، فلم يشكل غيابه عن غلاسكو مفاجأة للمراقبين.
وقد التزمت الصين بالفعل بتحقيق ذروة الانبعاثات قبل عام 2030 والحياد الكربوني بحلول عام 2060، لذلك ربما اعتقدت بكين أنه ليس لديها الكثير لتقدمه في هذه المرحلة.
لكن، نظرا لكونها من أكبر الملوثين على الصعيد العالمي، تلوح في الأفق أسئلة حول الكيفية التي تهدف من خلالها الصين إلى الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالتغيرات المناخية.
وتقول المحللة الصينية يون صن، في تحليل نشر بموقع “سنديكيشن بيورو”، إن اندفاع الصين نحو الحياد الكربوني سيكون له تأثير كبير على الهيكل المستقبلي لمصادر طاقاتها، وهذا بدوره سيغير في نهاية المطاف علاقة الصين بدول الشرق الأوسط التي عولت عليها بكين لمدها بالنفط الخام لعقود، لكن انبعاثات الكربون الناتجة عن استخدام الصين للنفط هي شيء لا يُذكر أمام الضرر الناجم عن حرق الفحم، والصين تحاول الحد من استخدام الفحم، وليس النفط، وهذا هو مصدر القلق المباشر لبكين.
ففي حين أن الهدف النهائي للجميع هو الطاقة المتجددة، على المدى القصير، فإن الإلغاء التدريجي لمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم سيؤدي إلى شراء الصين للمزيد من النفط من المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، وعلى عكس ما قد يقوله الكثيرون في المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “كوب 26″، فمن المرجح أن يؤدي الضغط من أجل الصافي الصفر إلى تعزيز العلاقات بين بكين والشرق الأوسط بفضل إمدادات النفط.
80 في المئة من إجمالي انبعاثات الوقود الأحفوري في الصين تأتي من حرق الفحم
وترى صن أن الصين تحتاج إلى المزيد من النفط لدعمها خلال هذه المرحلة الانتقالية وتتناغم تلك الحاجة مع خطط الرياض للاستمرار في إنتاج النفط الخام مع استخدام طرق مثل احتجاز الكربون وزراعة الغابات الشاسعة للوصول إلى صافي انبعاثات الكربون الصفرية. وقد أُطلق على هذا النهج مسمى “اقتصاد الكربون الدائري”، وقد تم إدراج الاستمرار في مد أكبر الزبائن بالنفط وهي الصين في الخطة. وبينما تحاول بكين خفض استهلاكها للفحم مع الحفاظ على تقدمها الاقتصادي، فمن المرجح ارتفاع طلبها على نفط الشرق الأوسط بدلا من انخفاضه في المستقبل المنظور.
وتواجه الصين بالفعل أزمة كبيرة في مجال الطاقة، وقد تم تحديد الهدف الطموح للحياد الكربوني في عام 2060 قبل أكثر من عام تقريبا في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي هذا العام قدمت الصين تعهدا إضافيا لوقف بناء محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في خارج حدود الصين، ولكن تلك الأهداف النبيلة ساهمت بالفعل في إحداث نقص كبير في الكهرباء في البلاد هذا العام، وتعرضت الملايين من المنازل والشركات لانقطاع التيار الكهربائي بعد أن فرضت الصين معيارا لاستهلاك الطاقة ولكثافة الطاقة، وكانت محطات الطاقة التي تعمل بالفحم هي أول المتضررين.
ومع اقتراب فصل الشتاء وتنامي الحاجة إلى المزيد من الطاقة، سارعت الصين إلى استخراج المزيد من الفحم وحرقه لضمان تلبية احتياجات الاستهلاك المحلي وتهدئة الغضب من انقطاع التيار الكهربائي، ويشير ذلك إلى أن هناك حدا لمدى سرعة الصين في تغيير هيكل استهلاك الطاقة الحالي، فبغض الطرف عن أي شيء آخر، يتعين على بكين الاعتماد على التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي لضمان شرعيتها.
وقد كانت هذه التجربة بمثابة تذكير بمدى اعتماد الصين على الفحم ولماذا يظل الفحم المصدر الرئيسي لانبعاثات الكربون في الصين، ففي عام 2019 شكل الوقود الأحفوري نسبة 85 في المئة من استهلاك الطاقة في الصين، وهو تقريبا نفس استهلاك بقية العالم. لكن ما يقرب من 58 في المئة جاء من الفحم، وهو رقم يتجاوز بكثير المتوسط العالمي الذي يقل عن 30 في المئة وبالتالي، فإن حرق الفحم يمثل حوالي نسبة 80 في المئة من إجمالي انبعاثات الوقود الأحفوري في الصين، ويليه النفط بنسبة 14 في المئة ثم الغاز الطبيعي بنسبة 7 في المئة، ويعكس ذلك التحدي الذي تواجهه الصين في مسعاها لخفض استهلاك الفحم فقط.
والتركيز على تخفيض الفحم سيخفف مؤقتا من القلق الناجم عن خفض استهلاك النفط، على الرغم من أن النفط سيواجه نفس المصير في المستقبل البعيد. ووفقا لمختبر اقتصاد منخفض الكربون بجامعة تسينغهوا، بلغ الفحم ذروته تقريبا في الصين وسيستقر لمدة عقد تقريبا قبل أن يبدأ في الانخفاض بشكل حاد، ويتبع النفط مسارا مشابها للفحم، ولكن مع نمو إضافي للطلب، وإن كان محدودا في العقد المقبل، بينما لن يصل الغاز الطبيعي إلى ذروته بحلول عام 2030 قبل أن يبدأ في الانخفاض. وتتفق دراسات وتقارير أخرى على أن واردات الصين قصيرة الأجل من النفط الخام ستستمر في الارتفاع، وستأتي غالبيتها من الشرق الأوسط، على سبيل المثال، يُظهر تقرير “ستاندرد آند بورز جلوبال” أن اعتماد الصين على خام الشرق الأوسط ارتفع في يونيو على الرغم من تقلص عدد موردي الخام العالميين إلى الصين إلى 26، وهو انخفاض من 41 موردا من نفس الشهر من العام الماضي، وكمية النفط الذي تشتريه الصين من بلد مثل المملكة العربية السعودية سيتوقف، على المدى القريب، على السعر وليس على المخاوف من الانبعاثات الكربونية.
ويتمثل أحد التحديات التي تواجه واردات النفط الخام في مخاوف الصين من قضية أمن الطاقة، حيث تسعى للحصول على مصادر طاقة جديدة للتقليل من التهديدات التي تواجه نموها الاقتصادي، وتدرك بكين جيدا أنه لا يمكن تحقيق الحياد الكربوني إلا من خلال الاستعانة بنظام طاقة أكثر نظافة، ويعني ذلك أن خفض انبعاثات الكربون في الصين ليس فقط لمكافحة تغير المناخ، ولكن أيضا للحد من اعتمادها الكبير على الإمدادات الخارجية.
وتشعر الصين بالقلق من احتمال قطع الإمدادات عند نقاط المعابر الملاحية مثل مضيق ملقا أو مضيق هرمز أثناء الحروب أو النزاعات الدولية.
وتقول الباحثة الصينية يون صن إنه مثل البلدان المتقدمة، سينخفض اعتماد الصين على واردات النفط الخام في نهاية المطاف، وسيتعين على منتجي النفط في الشرق الأوسط أخذ ذلك في عين الاعتبار والنظر في استراتيجية التنويع الاقتصادي على المدى الطويل، لكن في غضون ذلك، ستستمر صادرات النفط في دعم نهضة الصين الاقتصادية ورسم ملامح العلاقات التي تربط بكين بالشرق الأوسط.