الضغوط المستمرة تؤدي إلى الاحتراق النفسي

التوقعات الذاتية العالية والسعي نحو الكمال وضغط الوقت.. أبرز مولدات الضغوط النفسية.
الجمعة 2025/02/07
ميل إلى الانعزال

يشير الأطباء النفسيون إلى أن ضغوط العمل التي تثقل الكاهل والصراعات والتنمر والتوقعات العالية من الذات والسعي نحو الكمال وضغط الوقت المستمر عوامل من شأنها أن تؤدي إلى الاحتراق النفسي. ويعاني المصابون بالاحتراق النفسي من فقدان الطاقة مع الشعور المستمر بالتعب والإرهاق، ويميلون إلى الانعزال ولا يشعرون بالسعادة في أنشطتهم المهنية كما يهملون عائلتهم وأصدقاءهم.

برلين - يعد الاحتراق النفسي حالة من الإجهاد العاطفي والجسدي تنتُج عن التعرض المستمر للضغوط المتكررة والمكثفة، سواء في بيئة العمل أو الحياة الشخصية. وتعتبر هذه الحالة ظاهرة متزايدة في المجتمعات الحديثة، حيث يواجه الأفراد تحديات كبيرة تتعلق بالتوازن بين المتطلبات المهنية والاحتياجات الشخصية.

وقالت الدكتورة بيترا بيشونر إن الاحتراق النفسي هو حالة مرضية نفسية وجسدية تحدث بسبب الضغوط النفسية المستمرة دون وجود فرصة للتعافي بشكل كافٍ واستعادة القوة.

وأضافت أخصائية الطب النفسي والعلاج النفسي والطب النفسي الجسدي أن أسباب الإصابة بالاحتراق النفسي تشمل الحياة الوظيفية والشخصية على حد السواء، موضحة أن الأسباب المرتبطة بالحياة الوظيفية تتمثل في ضغوط العمل وأعبائه التي تثقل الكاهل، والصراعات والتنمر والتوقعات الذاتية العالية والسعي نحو الكمال وضغط الوقت والافتقار إلى التقدير.

أما الأسباب المرتبطة بالحياة الشخصية فتتمثل في المشاكل العاطفية والزوجية والتوتر النفسي المستمر والأعباء المالية، التي تثقل الكاهل.

وأضافت بيشونر أنه يمكن الاستدلال على الإصابة بالاحتراق النفسي من خلال فقدان الطاقة، حيث يعاني المصابون بالاحتراق النفسي من فقدان الطاقة مع الشعور المستمر بالتعب والإرهاق.

وكذلك من خلال الانعزال، حيث يميل المصابون إلى الانعزال ولا يشعرون بالسعادة في أنشطتهم المهنية، مع إهمال العائلة والأصدقاء.

كما يجد المصابون صعوبة في التفكير والتركيز، وهو ما يؤدي إلى تراجع الأداء الوظيفي.

الاحتراق النفسي يمكن تبيّنه من خلال فقدان الطاقة؛ إذ يعاني المصاب من فقدان الطاقة ويشعر دوما بالتعب والإرهاق

ويعاني المصابون أيضا من متاعب جسدية مثل مشاكل الجهاز الهضمي وصعوبات النوم والصداع وطنين الأذن وآلام الرقبة وفقدان السمع المفاجئ.

وعند ملاحظة هذه العلامات ينبغي استشارة طبيب نفسي للخضوع للعلاج النفسي في الوقت المناسب؛ حيث يساهم مثلا العلاج السلوكي المعرفي في مواجهة الاحتراق النفسي من خلال التعرف على أسباب الاحتراق وتعلم إستراتيجيات التعامل معه.

ومن المهم أيضا وضع حد فاصل بين الحياة الوظيفية والحياة الشخصية، مع مراعاة الاهتمام بالهوايات والعلاقات الاجتماعية كزيارة الأقارب ومقابلة الأصدقاء للذهاب إلى السينما مثلا.

ويمكن أن يؤدي الاحتراق النفسي إلى فقدان الحافز والإحساس بالإرهاق الشديد، وهو ما يؤثر سلبًا على الصحة النفسية والجسدية. لذلك يصبح من الضروري فهم هذه الحالة النفسية، والتعرف على أسبابها وأعراضها، وتعلم إستراتيجيات فعالة للتعامل معها والوقاية منها.

والاحتراق النفسي، المعروف أيضًا باسم “الإرهاق العاطفي”، هو حالة مزمنة من الإرهاق العاطفي والجسدي نتيجة التعرض المستمر للضغوط الحياتية، خاصة في مجال العمل. وقد عُرف هذا المصطلح لأول مرة في السبعينات على يد عالم النفس هربرت فرويدنبرغ، الذي وصفه بأنه إجهاد شديد ناتج عن متطلبات العمل المفرطة. كذلك يمكن أن يصيب جميع الأفراد، من العاملين المبتدئين إلى المدراء التنفيذيين.

وتُظهر الإحصاءات أن الاحتراق النفسي يؤثر على نسبة كبيرة من العاملين. ووفقًا لدراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية، يعاني حوالي 30 في المئة من العمال في الولايات المتحدة من أعراض الاحتراق النفسي، بينما تشير الأبحاث إلى أن نسبة الاحتراق النفسي بين العاملين في قطاع الرعاية الصحية قد تتراوح بين 40 و70 في المئة.

وتشير الدراسات الحديثة إلى أن النساء يعانين من الاحتراق النفسي بمعدلات أعلى مقارنة بالرجال، وذلك عبر مختلف الصناعات والمهن. وهذا التفاوت يظهر بشكل واضح في قطاع الرعاية الصحية، حيث تواجه النساء ضغوطًا كبيرة ناتجة عن عدم التوازن بين العمل والحياة الشخصية، وعدم وجود تحكم كافٍ في بيئة العمل، فضلاً عن تحمل مسؤوليات رعاية الأسرة والأعمال المنزلية.

وفي دراسة أجرتها جامعة جورج واشنطن تبين أن النساء في المهن الصحية يعانين من مستويات أعلى من الاحتراق النفسي مقارنة بزملائهن الرجال، حيث يُكلَّفن غالبًا برعاية حالات طبية معقدة تتطلب مجهودًا عاطفيًا وذهنيًا إضافيًا.

ويرى الخبراء أن الاحتراق النفسي هو تحدٍ نفسي يمكن تشبيهه بالاحتراق الداخلي، ويمكن أن يؤثر على جميع جوانب الحياة إذا لم يتم التعامل معه بفاعلية، لذلك من المهم اتخاذ خطوات وقائية وعلاجية لحماية صحة الأفراد النفسية والجسدية.

طلب الدعم من الآخرين خطوة مهمة في العلاج
طلب الدعم من الآخرين خطوة مهمة في العلاج

ووفقًا لـ”كلينيك ليز ألب” هناك مجموعة من الإستراتيجيات التي يمكن إتباعها للوقاية من الاحتراق النفسي. وتعتبر إدارة الوقت والمهام من الأسس المهمة في التعامل مع هذه الحالة، فمن خلال تنظيم الوقت وتحديد الأولويات يمكن للأفراد تخفيف الضغط الناتج عن تراكم المهام.

كما يساعد وضع خطة يومية وجدولة الأنشطة على توزيع الوقت بشكل فعال، وهو ما من شأنه أن يقلل الشعور بالإجهاد. بالإضافة إلى ذلك يجب تعلم قول “لا”عندما يكون الشخص غير قادر على تحمل المزيد من المسؤوليات، وهذا يساهم في الحفاظ على الطاقة والتركيز.

وللراحة والاسترخاء دور حاسم في مكافحة الإرهاق. ويعد الحصول على قسط كافٍ من النوم أحد العناصر الأساسية لتحقيق ذلك، حيث أن النوم الجيد يعيد التوازن للجسم والعقل. وبالإضافة إلى النوم يُنصح بممارسة أنشطة الاسترخاء مثل التأمل، الذي يساعد على تهدئة العقل وتخفيف التوتر. وممارسة الرياضة بانتظام تساهم أيضًا في تحسين المزاج وزيادة الطاقة. كما أن الاستمتاع بالهوايات، مثل القراءة أو الاستماع إلى الموسيقى، يمكن أن يكون له تأثير مهدئ ويساعد على تبديد التوتر اليومي.

ويعد طلب الدعم من الآخرين خطوة مهمة في العلاج، حيث أن الشعور بالعزلة يمكن أن يزيد من حدة الاحتراق النفسي. لذلك من الضروري التواصل مع الأصدقاء والعائلة للتحدث عن المشاعر والمشاكل التي يواجهها الشخص. وفي بعض الأحيان قد يكون من الضروري اللجوء إلى مختص نفسي للمساعدة على معالجة الأفكار والمشاعر السلبية بطرق مهنية.

كما أن تحقيق التوازن بين العمل والحياة عنصر أساسي للوقاية من الاحتراق النفسي. فمن المهم تخصيص وقت للأنشطة الترفيهية واللقاءات العائلية والاجتماعية. وتساعد مثل هذه الأنشطة على تجديد الطاقة وتعزيز الروابط الاجتماعية. والاسترخاء من خلال مشاهدة فيلم أو حضور حفل موسيقي يمكن أن يكون وسيلة فعالة للتخلص من التوتر.

وفي بعض الأحيان يكون من الضروري “تغيير البيئة” كجزء من العلاج. إذا كانت بيئة العمل هي المصدر الرئيسي للتوتر، فإن التفكير في تغيير الوظيفة أو حتى أخذ إجازة والسفر إلى أماكن جديدة يمكن أن يكون له تأثير إيجابي. هذا التغيير قد يوفر منظورًا جديدًا ويساعد على استعادة الحيوية والنشاط.

وإذا أردنا اختزالا لما سبق يمكن القول إن الوقاية والعلاج من الاحتراق النفسي يتطلبان مجموعة من الإستراتيجيات المتنوعة التي تشمل الإدارة الجيدة للوقت والراحة والدعم الاجتماعي والتوازن بين العمل والحياة، وأحيانًا تغيير البيئة. وتبنّي هذه الإستراتيجيات يمكن أن يساعد على الشفاء والمحافظة على الصحة النفسية.

16