الضغوط المالية تدفع تركيا إلى تأجيل مدفوعات الغاز الروسي

يعكس سعي الشركة الحكومية التركية لتوريد الطاقة إلى تأجيل مدفوعات الغاز الروسي لأكثر من سنة حجم الضغوط المالية التي تعاني منها الميزانية العامة ويؤكد توقعات المحللين بأن أنقرة ستواجه محنة أكبر في ظل السياسة الاقتصادية التي لم تثبت جدواها.
أنقرة – طلب المسؤولون الأتراك من روسيا تأجيل جزء من مدفوعات أنقرة المستحقة للغاز الطبيعي، حيث تسعى الحكومة إلى التخفيف من الأضرار الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة.
وكشفت مصادر مطلعة لوكالة بلومبرغ أن شركة بوتاش الحكومية تسعى إلى تأجيل بعض المدفوعات إلى عام 2024، وهو ما يدل على أن هناك صعوبة في توفير الأموال اللازمة لإتمام عمليات التوريد.
وتستورد تركيا جميع احتياجاتها من الطاقة تقريبا، مما يجعلها عرضة لتداعيات التقلبات الكبيرة في الأسعار. وتشكل روسيا المصدر الرئيسي لها حيث تزودها بنحو 55 في المئة من حاجتها إلى الغاز و30 في المئة من حاجتها إلى النفط.

ليام بيتش: الزيادة الكبيرة في أسعار الكهرباء والغاز رفعت التضخم
وتأتي المحادثات غير المعلنة في أعقاب صفقة بين البلدين تسمح لبوتاس بدفع 25 في المئة من التزاماتها بالروبل بدلا من الدولار.
وقالت المصادر، التي رفضت الكشف عن هوياتها، “لم يتضح بعد ما إذا كانت المحادثات الأخيرة ستؤدي إلى أي اتفاق”. وامتنعت شركة بوتاش وغازبروم، عملاق النفط الروسي الذي تديره الدولة، عن التعليق.
ونفى مصدر في غازبروم قيام تركيا بتقديم طلب رسمي إلى الشركة الروسية، لكنه أكد أنها لن تناقش التأجيل حتى تتلقى عرضا رسميا.
وزاد اعتماد تركيا الكبير على الطاقة المستوردة من الضغط على عملتها وميزانيتها، في ظل وضع يتسم بضغوط شديدة وتسبب فيه ارتفاع التضخم إلى مستويات بلغت 84 في المئة بنهاية سبتمبر الماضي، وهو الأعلى منذ 24 عاما.
وانخفضت قيمة الليرة التركية بأكثر من 28 في المئة مقابل الدولار في عام 2022، وهو أكبر انخفاض في الأسواق الناشئة بعد البيزو الأرجنتيني، وتجاوز عجزها التجاري الضّعف في أغسطس مقارنة بالشهر نفسه قبل عام، حيث وصل إلى 11.2 مليار دولار.
وأثارت علاقات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع أوكرانيا، بما في ذلك تزويدها بطائرات عسكرية دون طيار، غضب موسكو. لكن أنقرة لا تزال شريكا رئيسيا لروسيا حيث أغلقت العقوبات الدولية طرقًا أخرى للتجارة والسفر والاستثمار.
وقال أردوغان في الشهر الماضي إنه ناقش أسعار الغاز مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويأمل في الحصول على خصم.
وأعلنت وزارة التجارة التركية الثلاثاء أن العجز التجاري للبلاد قفز بنسبة 298 في المئة على أساس سنوي في سبتمبر إلى 10.3 مليار دولار، إذ يواصل ارتفاع تكاليف واردات الطاقة التسبب في تزايد العجز.
وأظهرت البيانات أن الصادرات نمت بنسبة 9.2 في المئة إلى 22.62 مليار دولار في سبتمبر، فيما قفزت الواردات بنسبة 41.5 في المئة إلى 33 مليار دولار.
وأدى ارتفاع تكاليف الطاقة العالمية في الأشهر الأخيرة إلى زيادة تكاليف الواردات التركية.
وقال وزير التجارة محمد موش في كلمة أدلى بها “إن واردات الطاقة شكلت نحو ثلث إجمالي الواردات في الأشهر التسعة الأولى من العام”.
وتنتشر بين عامة الأتراك منذ أشهر حالة من التذمر الممزوج بالإحباط جراء غلاء المعيشة غير المسبوق، وقد زاد من وطأة متاعبهم السقوط الحر للعملة المحلية وباتوا معها عالقين في هذه المعضلة، بينما يكابدون لتغطية نفقاتهم اليومية.
وتشكو شركات قطاع الصناعة من أن زيادة الأسعار وتكاليف الطاقة ستهدد نشاطها إذا تواصلت المشكلة، كما ستراكم الكثير من التحديات التي هي في غنى عنها خاصة وأنها لا تزال تعاني من تبعات جائحة كورونا.
وبينما كانت تركيا، كما هو الحال في بقية دول العالم، تسعى إلى الابتعاد عن تأثيرات الجائحة تسببت الحرب الروسية – الأوكرانية في جعل أسعار الطاقة، وخاصة النفط الخام والغاز المسال، تبلغ مستويات قياسية مما انعكس على الأسعار وتكاليف الإنتاج والشحن.
وكان أردوغان قد قال في فبراير الماضي إن حكومته “ستقدم دعما نقديا لنحو 4 ملايين أسرة لسداد فواتير الغاز الطبيعي مرتين سنويا، إلى جانب توسيع نطاق الدعم لتكاليف الكهرباء”.
ويقول كبير الخبراء في الأسواق الناشئة في مركز كابيتال إيكونوميكس للأبحاث الاقتصادية ليام بيتش لوكالة الصحافة الفرنسية إن “الزيادة الكبيرة في أسعار الكهرباء والغاز رفعت مستوى التضخم في تركيا”.
186.2
في المئة المعدلات السنوية الرسمية لارتفاع أسعار استهلاك الطاقة
وكتب في مذكرة لزبائن “نعتقد أن التضخم سيرتفع قليلا. لكن بعد أن دعا أردوغان البنك المركزي إلى المزيد من التيسير، من المرجح أن يُخفّض سعر الفائدة مرة أخرى هذا الشهر”.
وبالنسبة إلى أردوغان النمو والصادرات أولى من استقرار الأسعار، ويعد بأن الأسعار ستبدأ في الانخفاض خلال يناير المقبل.
ويرى الخبير الاقتصادي في الأسواق الناشئة تيم آش في شركة بلوباي لإدارة الأصول في لندن أن “أردوغان فقد السيطرة على التضخم، والتضخم هو ما يهتم به الناس أكثر من النمو”. وأضاف “الناخبون عاجزون عن الشعور بنمو حقيقي في إجمالي الناتج المحلي، لا يرون إلّا التضخم”.
وأثر ارتفاع أسعار الطاقة في شعبية أردوغان وحزبه العدالة والتنمية بسبب الضغوط الاقتصادية، حسب استطلاعات الرأي قبل الانتخابات المقررة في يونيو العام المقبل.
وأظهرت دراسة شهرية موثوقة، نشرها خبراء اقتصاد مستقلون من معهد إي.أن.أي. جي التركي للأبحاث، ارتفاع الأسعار بنسبة أعلى مقارنة بأرقام وكالة الإحصاء.
وقال المعهد إن المعدلات السنوية الرسمية لارتفاع أسعار الاستهلاك وصلت إلى 186.2 في المئة خلال الشهر الماضي مقارنة بـ181.3 في المئة قبل شهر.