الضربات العسكرية الأميركية تعمق مآسي العائلات السورية

دمشق - تستهدف الولايات المتحدة منذ سنوات التنظيمات الجهادية ومنها تنظيما القاعدة وداعش، في سوريا والعراق، بضربات جوية من حين إلى آخر، وعادة ما تستهدف أيضا الميليشيات المدعومة من إيران.
وتثير هذه الضربات الجوية انتقادات واسعة، لتسبّبها في مقتل وإصابة مدنيين.
وكان تقرير صادر في سبتمبر الماضي ونقلته صحيفة الغارديان البريطانية عن مجموعة “إير وارز” لمراقبة الأضرار المدنية كشف أن الطائرات الأميركية دون طيار والغارات الجوية الأميركية عامة قتلت ما لا يقل عن 22 ألف مدني، وما يصل إلى 48 ألف مدني في حربها على الإرهاب التي شنتها إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.
وفي شمال غرب سوريا، تحولت زيارة كان أحمد قسوم يقوم بها مع عائلته إلى أقاربهم، إلى مأساة، بعدما أصيب كل أفراد العائلة بجروح وصدمة جراء ضربة أميركية استهدفت قيادياً مرتبطاً بتنظيم القاعدة، إذ صودف مرور سيارتهم في المكان تزامنا مع الغارة.
ويقول أحمد (52 عاماً) من منزل عائلة زوجته في قرية الرامي في منطقة جبل الزاوية في جنوب إدلب بينما يده مضمدة “صادفنا دراجة نارية سارت أمامنا، وعندما حاولت تجاوزها، لم أشعر إلا بضربة طائرة طالتنا”.
خلال لحظات بعد الضربة، تحوّلت السيارة إلى “بركة دماء”. ويضيف “أصيبت زوجتي بكسور في رجلها وأصيبت ابنتاي ويقبع طفلي في العناية المشددة. لم أعرف من عليّ أن أسعف أولاً”.
وتسيطر هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) مع فصائل أخرى على قرابة نصف مساحة محافظة إدلب ومحيطها.
وتستهدف واشنطن قياديين جهاديين في المنطقة مرتبطين بتنظيم القاعدة. وأدت غارة شنتها طائرة مسيّرة أميركية الجمعة، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، إلى مقتل “قيادي بارز” في تنظيم “حرّاس الدين” المتشدد المرتبط بتنظيم القاعدة.
1417 مدنيا قتلوا نتيجة غارات التحالف الدولي منذ بدء عملياته في سوريا والعراق ضد تنظيم داعش
وقال جون كيربي، المتحدث باسم البنتاغون لصحافيين الاثنين، إن “المراجعة الأولية للضربة تشير بالفعل إلى احتمال وقوع خسائر مدنية محتملة”. وأعلن عن بدء تقييم للخسائر البشرية.
وكان أحمد برفقة زوجته وأربعة من أطفاله في طريق العودة إلى مكان إقامتهم في مدينة عفرين (شمال حلب) التي نزحوا اليها قبل حوالي عامين. وكانوا قد أمضوا أسبوعاً لدى أسرة زوجته، في زيارة كانت الأولى منذ تسعة أشهر.
ويسأل بانفعال “ما ذنبنا حتى تقصفنا الطائرة الأميركية؟”، محملاً الولايات المتحدة المسؤولية ومطالباً “بتعويض.. وبمحاسبة من تسبّب لنا بذلك”.
ولا يفارق أحمد هاتفه الجوال، يردّ على العشرات من الرسائل والاتصالات للاطمئنان من الأقارب والمعارف، عدا عن زوار يتوجهون إلى المنزل أو المستشفى لمواساة العائلة.
ويتردّد الأب بانتظام على مستشفى تابع للجمعية السورية – الأميركية الطبية في مدينة إدلب حيث يخضع ابنه محمود (تسعة أعوام) للعلاج. ويسأل الأطباء عن وضع صغيره، ويحمل له الهاتف خلال تواصله مع شقيقته المقيمة في تركيا، ثم يعرض عليه تناول كأس من العصير الطازج.
داخل غرفة العناية المشددة، يتمدّد محمود على السرير وفوقه غطاء شتوي. تغزو نصف وجهه جروح سبّبتها الشظايا، بينما ضمادة مثبتة على رأسه في موقع التدخل الجراحي وقدماه مضمدتان.
يطمئن والده عليه ويقول “لم أذق الطعام خلال ثلاثة أيام دخل فيها محمود في غيبوبة” موضحاً بتأثر “محمود أغلى من روحي ومدلل جداً. كل العائلة في كفّة وهو في كفّة أخرى”.
ويشرح الطبيب أحمد البيوش المشرف على علاج محمود أن الطفل حضر وعائلته إلى المستشفى مصاباً “بأذية دماغية” أوجبت خضوعه لـ”عمل جراحي من قبل أخصائي الجراحة العصبية”.
وأوضح أن “حالة الطفل باتت أفضل اليوم والعلامات الحيوية مستقرة” لكنه “ما زال ضمن وحدة العناية المشددة قيد المراقبة”، آملاً أن يغادر المستشفى “في أقرب وقت ممكن”.
وتراوحت إصابات أفراد الأسرة الآخرين، وفق الطبيب بين خفيفة ومتوسطة وشديدة.
ويعدّ عام 2017 أسوأ عام بالنسبة إلى المدنيين، حيث قُتل ما يصل إلى 19623 شخصًا، جميعهم تقريبًا في حملة ضد تنظيم داعش.

وفي الثالث من نوفمبر الماضي، أعلن البنتاغون أنه فتح تحقيقاً في غارة جوية في الثامن عشر من مارس 2019 أسفرت عن مقتل مدنيين في بلدة الباغوز التي شكلت آخر معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. وجاء الإعلان عن التحقيق بعد أسبوعين من تحقيق صحافي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” اتّهمت فيه الجيش الأميركي بأنّه حاول التستّر على وجود ضحايا غير مقاتلين في عداد قتلى الغارة.
ومنذ بدء عملياته في سوريا والعراق ضد التنظيم المتطرف صيف العام 2014، رجّح التحالف الدولي بقيادة واشنطن في تقريره الشهري الأخير الصادر في أغسطس الماضي أنّ “ما لا يقل عن 1417 مدنياً قتلوا دون قصد نتيجة لغارات التحالف منذ بدء” عملياته في البلدين. لكن منظمات دولية تقدر أن يكون الرقم أعلى بكثير.
وفي منزل عائلتها، تبدو معالم الإرهاق واضحة على فاطمة كركوع (47 عاماً)، زوجة أحمد المستلقية على فراش داخل غرفة متواضعة، ولا تتمكن من التنفس والتحرك وحتى الكلام إلا بصعوبة، وعلى وجهها بقايا دماء متخثرة وغرز جراحية، بينما تثبت أسلاك حديدية قدمها الملفوفة بالجص.
لم تستفق السيدة بعد من هول الصدمة التي لحقت بأسرتها وكادت تحوّل إجازة عائلية إلى مأساة.
وتسأل بغضب “ما ذنبنا حتى تقصفنا الطائرة أنا وأولادي.. صحيح أنه لم يمت أحد لكننا ضحايا دم وخسرنا سيارتنا، نحن مدنيون وليس أمامنا إلا أن نشكو الأمر إلى رب العالمين”.