الضحك مخدر جديد في جراحات المخ

يتطلب إجراء عمليات جراحية للمخ المفتوح بسبب بعض الأمراض ترك المريض مستيقظا دون تخدير، وتوصّل باحثون إلى أن هناك محفزا يمكنه جعل المريض يتجاوب دون مخاوف وألم ألا وهو الضحك.
واشنطن – قال باحثون من الولايات المتحدة إن تحفيز المخ لجعل صاحبه يشعر بحالة مزاجية طيبة يمكن أن يساعد المرضى أثناء خضوعهم لجراحة مخ مفتوح.
وقال باحثون من جامعة ايموري في مدينة أطلنطا بولاية جورجيا الأميركية، في دراستهم التي نشرت الثلاثاء في مجلة “جورنال أوف كلينكال اِنفستيجيشن”، إن تحفيز منطقة ما في المخ لدى المريض يجعله يضحك فورا، وهذا الضحك يليه شعور بالراحة والسعادة.
ويأمل الباحثون في الاعتماد على هذه الطريقة مستقبلا لتهدئة المرضى الذين يضطرون إلى البقاء في حالة اليقظة أثناء خضوعهم لجراحة مخ مفتوح.
غير أن خبيرا ألمانيًّا متخصصا شكك في إمكانية نجاح هذه الفكرة.
هناك تدخلات جراحية في المخ تتطلب أن يكون المريض واعيا أثناء الجراحة، على سبيل المثال عندما تجرى هذه الجراحة لاستئصال ورم سرطاني قريب جدا من مركز الرؤية أو مركز النطق، وذلك ليتمكن الأطباء من متابعة نتيجة الجراحة بشكل مستمر من خلال اختبارات الرؤية لدى المريض أو اختبار قدراته اللغوية من خلال تكليفه بمهام تكشف هذه القدرات، أثناء الجراحة.
وكثيرا ما تنطوي مثل هذه التدخلات الجراحية على ضغط عصبي وإجهاد شديدين للمريض “بل إن المرضى الذين أعدوا جيدا لمثل هذه الجراحة يمكن أن يتعرضوا لحالة من الذعر أثناء إجرائها، وهو ما يمكن أن يكون خطيرا على مسار الجراحة” حسب كيلي بيجانكي، المختصة في جراحة الأعصاب وكبيرة الباحثين الذين أعدوا الدراسة، وفقا لبيان من الجامعة.
وتحدث الباحثون في دراستهم عن حالة مريضة (23 عاما) أصيبت بالصرع، كانت تعاني من نوبات خوف ومراحل اكتئاب، وكانت تخضع للفحص في مستشفى الجامعة لمتابعة هذه النوبات.
ويقوم الأطباء أثناء هذه المتابعة من خلال جراحة أولى، بتثبيت أقطاب كهربية في المخ، وظيفتها توضيح مناطق المخ التي تتسبب في حدوث نوبات صرع. وأثناء هذا العرض استخدم الباحثون نبضات كهربية لتحفيز ما يعرف بالتلفيف الحزامي لمخ المرأة، وهو جزء مما يعرف بالجهاز النطاقي أو الحوفي للمخ، والذي يعتبره علماء التشريح فصا خامسا قائما بذاته في المخ، وذلك لأهميته في معالجة العواطف.
وعندما استحث جراحو الأعصاب جزءا بعينه في هذا الحزام، بدر عن المريضة سلوك ينم عن شعورها بالسعادة والارتياح، ونشر الباحثون مقطع فيديو تظهر فيه المرأة غير قادرة على إبداء وجه عابس وغير قادرة على عدم الضحك، حتى بعد مطالبة الأطباء لها بتذكر موقف محزن في حياتها، واكتفت المريضة بالقول مقهقهة تحت تأثير التحفيز الكهربي لهذه المنطقة من المخ “أشعر بشيء طيب”. واستغل الباحثون هذا التأثير الذي رصدوه لتهدئة المرأة خلال عملية جراحية أجريت لها بعد يومين من هذا التحفيز.
ويتلقى المريض في مثل هذه الجراحات في البداية تخديرا يجعله لا يشعر بفتح الجمجمة. ورغم أن المرأة في بداية الأمر لدى إفاقتها دخلت في حالة من الذعر فقد “قالت عندما شغلنا عملية تحفيز الحزام النطاقي كهربيا، إنها تشعر بالسعادة والراحة، كانت تروي بعض النكت عن أسرتها واستطاعت تحمل عملية الإفاقة بنجاح”، وفقا لبيجانكي.
كما أوضح الباحثون أن عملية التحفيز توقفت بشكل غير متعمد أثناء التدخل الجراحي، مما جعل المرأة عصبية ومتخوفة وكانت توشك على البكاء.
وبعد أن أعاد الأطباء عملية التحفيز الكهربي تراجعت مخاوف المرأة بسرعة، وعاد لها ابتهاجها بعد وقت قصير من التحفيز.
وتأكدت ردود الفعل هذه أيضا من خلال تجارب مع مريضين آخرين من مرضى الصرع.
ومعلقا على نتائج الدراسة رأى فالتر شتومر، مدير قسم جراحة الأعصاب بمستشفى مدينة مونستر الجامعي، ورئيس الجمعية الألمانية لجراحة الأعصاب، أنه رغم أهمية هذه النتائج “إلا أنني لست متيقنا مما إذا كانت جدوى هذا التحفيز تبرر الجهد المبذول من أجلها”.
وفسر شتومر قائلا إنه يتم خلال جراحة تثبيت الأقطاب الكهربية وضع رأس المريض في إطار يشبه نظام إحداثيات، ثم يبحث الأطباء عن الموضع الصحيح للأقطاب، و”رغم أن مخاطر هذا التدخل الجراحي ضئيلة إجمالا، إلا أنه يتطلب معلومات خاصة وفريقا طبيا كبيرا متعدد التخصصات، يضم جرّاحي أعصاب وأطباء أعصاب وأطباء في الفسيولوجيا العصبية”.
وتابع أنه إذا كان من الممكن استخدام هذا التحفيز بجهد أقل فإنه سيكون إجراء إضافيا يصب في صالح المريض، حيث يمكن استخدامه من ناحية في تهدئة المرضى الخائفين، ومن ناحية أخرى سيساعد هذا التحفيز المرضى خلال الجراحات التي تستمر فترة طويلة، والتي يتم خلالها تكليف المرضى بواجبات للتأكد من استجابتهم للجراحة.