الصين تقارب علاقتها مع أفريقيا من منظور جديد

مفهوم "المشروعات الصغيرة، ولكن الجميلة" يعكس تغيرا في إستراتيجية استثمارات الصين في أفريقيا.
الاثنين 2024/10/28
الشراكة مع الصين فرص لا تخلو من مخاطر

بكين - يتدافع الكل نحو أفريقيا، وعلى الرغم من اختلاف السياقات والأطراف المتنافسة، فإن من المستحيل فهم تعقيدات عمليات التدافع الدولي الجديدة على أفريقيا دون النظر في السياق العالمي اليوم.

وركز حمدي عبدالرحمن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد، الإمارات العربية المتحدة، في مقال تحليلي مطول نشره مركز “المستقبل” للأبحاث والدراسات المتقدمة، على التحولات الجارية في العلاقة بين الصين والقارة السمراء.

يؤكد اعتماد ميثاق المستقبل الذي أقرته الأمم المتحدة مؤخرا أهمية تسليط الضوء على الشراكات العالمية لأفريقيا. هذه الشراكات في غاية الأهمية لمواجهة التحديات الملحة التي تواجه القارة، ابتداء من التركيبة السكانية والتحضر إلى البنية الأساسية والتحولات في مجال الطاقة.

ومن الواضح أن الدول الأفريقية تسعى بكل جهد إلى تنويع علاقاتها الدولية، والانخراط مع جهات فاعلة عالمية متعددة مثل الصين والاتحاد الأوروبي وتركيا والبرازيل وقوى صاعدة أخرى.

ويأتي هذا التحول في وقت ينقسم فيه العالم بشكل متزايد، ويتسم بالتوترات الجيوسياسية مثل الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط، والتي تؤثر أيضا في أفريقيا. واستنادا إلى هذه الخلفية، تستكشف البلدان الأفريقية كيفية تسخير هذه الشراكات الخارجية لدفع تنميتها. في المقابل يبدو أن الصين غيرت وجهها الأفريقي خلال الفترة القصيرة الماضية، وذلك على النحو التالي:

شراكات إستراتيجية

يسلط منتدى التعاون الصيني – الأفريقي “الفوكاك” الضوء على الطبيعة المتطورة للعلاقات بين أفريقيا والقوى العالمية الكبرى. ففي حين تعهدت الصين بتقديم 51 مليار دولار كدعم، وهو ما يمثل انخفاضا عن الالتزامات السابقة، فإن هذا لا يزال يؤكد قوة العلاقة بين الصين وأفريقيا.

ومع ذلك، فبعيدا عن الأرقام الرئيسية، هناك اعتراف متزايد بقدرة أفريقيا على التحرك. ويدفع القادة الأفارقة بشكل متزايد نحو ترتيبات تجارية أكثر توازنا، وضمان انفتاح سوق الصين على السلع الأفريقية تماما كما انفتحت الأسواق الأفريقية على السلع الصينية.

وفي سياق المنافسة الجيوسياسية العالمية، وخاصة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، توضح هذه الشراكة الأهمية الإستراتيجية لأفريقيا. كما تعكس الحاجة إلى أن تفكر الدول الأفريقية مليا في مشهد دولي معقد في حين تدافع عن أولويات التنمية لديها.

◙ الدول الأفريقية تسعى لتنويع علاقاتها الدولية والانخراط مع جهات فاعلة عالمية متعددة مثل الصين والاتحاد الأوروبي وقوى صاعدة أخرى

ويؤكد هذا التوازن الدقيق الحاجة إلى حوار مستدام وهادف، مع استمرار الدول الأفريقية في التعامل مع مجموعة من الشركاء العالميين، سعيا إلى تعزيز قدرتها على التحرك وتأمين مكانها في نظام عالمي أكثر تعددية. لقد تطورت العلاقة بين الصين وأفريقيا بشكل كبير على مر السنين، وتحولت من التركيز الاقتصادي في المقام الأول إلى التركيز الآن أيضا على الشراكات السياسية الإستراتيجية.

وقد أسهم استثمار الصين في البنية التحتية الأفريقية، وخاصة من خلال مبادرات مثل مبادرة الحزام والطريق، بدور رئيس في ترسيخ نفوذها في القارة، ومع ذلك، فمع نضوج هذا الانخراط، نشهد تكاملا أعمق للأهداف السياسية جنبا إلى جنب مع المصالح الاقتصادية.

وقد أبرز هذا التحول قرار الرئيس شي جينبينغ الأخير بالارتقاء بالعلاقات الدبلوماسية مع الدول الأفريقية إلى مرتبة الشراكات الإستراتيجية. ولا يخفى أن هذه الخطوة تعكس طموحات الصين طويلة الأجل في أفريقيا، ليس فقط من حيث التعاون الاقتصادي، ولكن أيضا من خلال التوافق السياسي، مما يشير إلى أن الصين ترى أفريقيا شريكا أساسيا في الساحة العالمية، وخاصة مع سعي الصين إلى تعزيز نفوذها في المؤسسات الدولية.

مشروعات صغيرة

يعكس مفهوم “المشروعات الصغيرة، ولكن الجميلة” إعادة مغايرة لإستراتيجية استثمارات البنية التحتية الصينية في أفريقيا، حين كانت المشروعات الضخمة مثل السدود والطرق السريعة والسكك الحديدية تهيمن في السابق على بصمة الاستثمار في الصين، لكن الاتجاهات الأخيرة كانت نحو التحول إلى مبادرات أكثر قابلية للتطوير والتوسع، وخاصة في مجال الطاقة المتجددة والشبكات الذكية والتكنولوجيا.

إن المشروعات الصغيرة التي تعتمد على وحدات صغيرة تسمح بالمرونة، مما يجعلها أسهل في التنفيذ مع الاستمرار في إحداث تأثير تراكمي كبير. كما أنها تتجنب بعض الخلافات والتحديات التي تأتي مع الاستثمارات واسعة النطاق، مثل المخاوف البيئية أو ردود الفعل السياسية بشأن مستويات الديون غير المستدامة.

◙ الإدراك الأوسع هو أن الانقسام الجيوسياسي لم يعد الشرق مقابل الغرب بشكل صارم بل أصبح وبشكل متزايد الشمال مقابل الجنوب

من الواضح اليوم وكما أبرزته طبيعة التحالفات الدولية المتغيرة أن الإدراك الأوسع هو أن الانقسام الجيوسياسي الأساسي لم يعد الشرق مقابل الغرب بشكل صارم، بل أصبح وبشكل متزايد الشمال مقابل الجنوب.

ويمكن رؤية هذا التحول في قضايا عالمية مثل تغير المناخ والأزمات الدولية، إذ يتم وضع الجنوب العالمي، بما في ذلك الدول الأفريقية، بشكل متزايد كفاعل مركزي. في هذا السياق، فإن الدور المتطور للصين بحسبانها تنتمي إلى عالم الجنوب وتدافع عن مسارات التحديث البديلة أمر مهم.

ولا يخفى أن التأطير الصريح للتحديث الغربي باعتباره مرتبطا بالاستعمار، يشير كما ورد في الخطاب الصيني الأخير، إلى سرد تاريخي يتردد صداه لدى العديد من الدول الأفريقية التي عانت من استغلال غربي في الحقبة الاستعمارية وما بعدها. ومع ذلك، فإن الشراكة الصينية – الأفريقية الجديدة وإن قدمت فرصا فإنها ليست خالية من المخاطر.

شراكة أم هيمنة

تاريخيا، اتسمت الشراكات الخارجية لأفريقيا بالاستغلال والاستبعاد البنيوي. وعادة ما كنا نعبر عن ذلك ونحن على مقاعد الدراسة من خلال المثل الأفريقي القائل “عندما يتصارع فيلان فإن المتضرر الأكبر هو الحشائش تحتهما”.

وهناك قلق مشروع من أن العلاقات الجديدة مع دول مثل الصين، قد تكرر هذه الديناميكيات. ومع ذلك، إلى جانب هذه المخاطر، هناك فرص واضحة لأفريقيا للاستفادة من أهميتها السياسية المتزايدة، وخاصة من حيث تصويتها في المحافل الدولية.

يكمن التحدي في موازنة هذه الديناميكيات، من خلال ضمان أن أفريقيا ليست مجرد بيدق في الجغرافيا السياسية العالمية، وإنما أيضا فاعل رئيسي يشكل مستقبله ضمن سردية الجنوب العالمي المتطورة.

6