الصين ترضع أطفالها حب كرة القدم

الصين تواصل العمل على خطتها لتطوير كرة القدم، من خلال توفير الملاعب وبعث الأكاديميات للناشئة، حتى وصلت إلى اعتماد كرة القدم في رياض الأطفال.
الثلاثاء 2019/04/09
لا يتعلم الأطفال إلا وهم يبتسمون

هل سيصعب على الصين خوض غمار كرة القدم وهي بلد المليار ونصف المليار ساكن، وقد خاضت مغامرة الاستحواذ على الأسواق الخارجية في التجارة والاقتصاد ونجحت كما نجحت في سباق التكنولوجيا، العارفون بدأب الصينيين على النجاح لا يستبعدون ذلك خاصة وأن الخطط التي وضعها الرئيس الصيني عاشق رياضة كرة القدم الأكثر شهرة في البلاد، توحي بأن الصينيين يعملون بجدّ على تحقيق أهدافهم وأن يكونوا في أولى المراتب عالميا من خلال الحصول على كأس العالم في زمن لا يتعدّى الثلاثة عقود.

بكين - توقف الصينيون عن التندر على أنفسهم في الفعاليات الرياضية العالمية لكرة القدم حيث كانوا يقولون، إن الجنة أقرب إليهم من الحصول على كأس العالم لكرة شغلت الشعوب في أصقاع العالم، وذلك بعد الإجراءات المتتالية التي دأب الرئيس الصيني، الرجل الذي يعشق كرة القدم، على تنفيذها وتهدف إلى التأهل لاستضافة كأس العالم، والفوز باللقب الثمين.

وبدأت الصين باستقبال اللاعبين الأجانب ذوي الخبرات ثم توفير الملاعب حتى وجدت على أسطح المدارس، وبعث الأكاديميات لتكوين اللاعبين، وآخر مراحل هذه الخطة إدخال كرة القدم إلى رياض الأطفال، ولم يبق أمام التنين إلا أن يجعل من كرة القدم عصيرا يرضعه للمواليد الجدد.

وضعت الصين خطة طويلة المدى تتطلع من خلالها إلى أن تصبح أحد أبرز المنتخبات في آسيا والعالم بعد أن نجحت في أن تكون ثاني قوة اقتصادية بعد الولايات المتحدة الأميركية، وبدأ التنين يخطو خطوات اليابان وكوريا الجنوبية، لكن بطريقة أكثر احترافية وبضخ أموال كثيرة للاستثمار في كرة القدم.

وأصبح تطوير كرة القدم هدفا استراتيجيا للحكومة الصينية التي وضعت العديد من البرامج وركزت على نشر اللعبة في رياض الأطفال والمدارس والجامعات، وتشجيع رجال الأعمال على الاستثمار فيها، وأصبحت صناعة اللاعبين عبر المئات من الأكاديميات في مقدمة أولويات رياضة التنين.

وتدعو الخطة إلى تعزيز قوة إعداد الأكفاء وتحسين آلية اختيار لاعبي كرة القدم، وتشجيع الأندية والمؤسسات والقوى الاجتماعية على إرسال اللاعبين المحترفين والشباب والناشئين الذين يتعلمون رياضة كرة القدم إلى الدول المتقدمة في هذا المجال لتلقي التدريبات، إضافة إلى تعلم تقنيات كرة القدم، وأن يدرس اللاعبون المجالات الثقافية لهذه الرياضة والاهتمام بنموهم الأخلاقي.

وتسعى الصين بإيعاز مباشر من الرئيس شي جينبينغ، إلى تعزيز كرة القدم والتحول إلى قوة مؤثرة على الصعيد العالمي، وسط تقارير عن رغبة صينية في استضافة نهائيات كأس العالم للمرة الأولى في تاريخها، وذلك في العام 2030 أو 2034، كما تقدمت بطلب الترشح لاستضافة نهائيات كأس آسيا 2023.

وأعلنت وزارة التربية الصينية عن بداية برنامج تجريبي على مستوى مختلف المناطق، يهدف إلى إنشاء رياض أطفال. ويتمحور البرنامج حول رياضة كرة القدم خلال العام الحالي، ويحتوي على العديد من النشاطات البدنية كتشجيع الأطفال على الجري، والقفز، والتسلق، ورمي الكرات وركلها إلى تنمية اهتمام الأطفال بكرة القدم وتوفير مناخ ملائم لنمو ثقافة اللعبة الشعبية الأولى عالميا.

الحركات القاسية تصيب بالملل
الحركات القاسية تصيب بالملل

وكان الاتحاد الصيني لكرة القدم قد أبدى في أكتوبر الماضي، رغبته في إنشاء 10 آلاف روضة أطفال متخصصة في اللعبة بالبلاد، وهو ما دفع بعض المؤسسات إلى إطلاق برامجها الخاصة، قبل صدور القرار الرسمي.

وقال مدير روضة أطفال في بكين يدعى لي جيانلي، “لدينا مدربون لكرة القدم للأطفال الذين تجاوزوا الخامسة من العمر، والعديد من رياض الأطفال في بكين توفر برامج لكرة القدم أيضا”.

وتعتزم الصين إنشاء 50 ألف مدرسة لكرة القدم بحلول عام 2025، وقال نائب رئيس الاتحاد الصيني لكرة القدم، وانغ دينغفينغ، إن كل مدرسة ستضطلع بتدريب ألف لاعب شاب في المتوسط، مضيفا، “هذه طريقة جيدة لانتقاء الموهوبين في لعبة كرة القدم من أجل مواردنا المستقبلية. لم يعد تطوير كرة القدم الصينية مجرد حلم”.

حياة العز

لم يكن الصينيون يعتقدون أن الرياضة بصفة عامة، يمكن أن تؤمن لأطفالهم مستقبلا أفضل من التكوين الأكاديمي في الجامعات أو تعلم أحدى الحرف، وكانت الرياضة بالنسبة إليهم مجرد هواية يمارسها الطفل للحفاظ على لياقته البدنية تحت شعار “العقل السليم في الجسم السليم”، تقول سونغ فينغ، “إن كرة القدم هي مجرد هواية لابنها البالغ من العمر 11 عاما، وأن الدراسة يجب أن تحظى دائما بالأولوية، لأن طبيعة النظام التربوي في الصين حاليا تقتضي ذلك”.

ويرى خبراء تكوين الناشئة في كرة القدم أنه من الصعب تغيير هذه العقلية إذا لم تتضافر كل جهود الإعلاميين والإطار التربوي والعاملين في ميدان كرة القدم، يقول طوم باير، وهو مستشار كرة قدم كلفته وزارة التربية الصينية بإعداد برامج لتدريب النائشين، إن “التحدي الكبير هو الذهنية السائدة بأن كرة القدم تلهي الطفل عن التعليم”.

 ويضيف، “إذا نظرت إلى العائلات ذات الطفل الواحد، فالأمر فعلا لا يحتاج إلى تفكير، إذا كنت تفكر بمستقبل طفلك، هل يجب أن تركز على الرياضة أم تسعى ليكون ابنك أفضل على المستوى الأكاديمي؟”.

وتولي الصين اليوم المزيد من الاهتمام بالجمع بين تدريب كرة القدم والدراسات الأكاديمية من خلال تشجيع المربين على تطوير كرة القدم في المدارس، ويؤكد وانغ دنغ فنغ، “نريد أن نُظهر أن التعليم والرياضة يسيران جنبا إلى جنب”.

هناك أيضا، أعداد متزايدة من مديري مدارس كرة القدم يولون اهتماما متساويا لتدريب كرة القدم والتعليم الأكاديمي، كما أن المزيد من الآباء الصينيين صاروا يدعمون أطفالهم للمشاركة في اللعبة.

وبحسب مارك دراير أحد المتخصصين في كرة القدم الصينية، هناك عوائق أخرى أمام تنمية كرة القدم ولا تقتصر على الأهل، تلك التي تشمل أيضا أنظمة التدريب شبه العسكرية التي كانت معتمدة في المدارس الرياضية.

الفنيات دروس متتالية
الفنيات دروس متتالية

ويؤكد الخبراء أن الأطفال لا يمكن أن يتعلموا كرة القدم إذا لم يحبوها، ومهما صرفت من أموال لتطوير كرة القدم فلن تخلق نجوما، رغم أنهم يكتسبون مهارات التعامل مع الكرة مبكرا.

ويؤكد على أن يتخلص مدربو كرة القدم من إعطاء الأوامر وإجبار الناشئين على القيام بتمارين مكررة، متسائلا، “أي طفل سيستمتع بهذا الأمر؟ إن الأطفال في الدول الأخرى يمارسون كرة القدم والابتسامة تعلو وجوههم”.

هذه النظرة تغيرت اليوم وأصبح مديرو المدارس والأكاديميات والآباء يحرصون على أن يحصل الأطفال على نموذج تعليم خاص بنكهة كرة القدم، الأمر الذي سيؤدي بلا شك إلى التطور الصحي للعبة في الصين.

وأصبح الأطفال كما الأهل يحلمون بأن يصبحوا نجوما وأثرياء، بعد أن صار لاعبو كرة القدم وكرة السلة ينالون مبالغ خيالية لقاء عقد في فريق محترف وخاصة في كرة القدم، وصارت العائلات الصينية تسجل أطفالها في أكاديميات الكرة والإقامة فيها، رغم أن عمرهم لا يتجاوز 10 سنوات، يقول أحد أولياء الأمور، إن زوجته رفضت فكرة انتقال ابنه إلى الأكاديمية والعيش بعيدا عنهما قبل أن تتقبل الأمر، مشيرا إلى أن فراق ابنهما في عمر مبكر كان قرارا صعبا، لكنه صائب لأنه سيصنع له حياة أفضل في عالم كرة القدم.

المثير للاهتمام أن الصين لا تهتم فقط بتطوير كرة قدم للرجال، بل تسعى أيضا لتطوير كرة القدم النسائية، وتقوم بتشجيع الفتيات على الالتحاق بالأكاديميات وممارسة اللعبة، ولِمَ لا الاحتراف في الأندية الأوروبية؟

وجعلت الصين من تطوير برامج كرة القدم للناشئين أولوية، مع خطة رسمية تشمل إقامة 20 ألف أكاديمية متخصصة، وأكثر من 70 ألف ملعب، و30 مليون طالب في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة يلعبون هذه الرياضة بانتظام مع موفى 2020.

ويسعى المارد الآسيوي إلى أن يصبح أحد أفضل المنتخبات عالميا بحلول 2050، وإحياء حلم “القوة الكروية العظمى”.

الاستثمار قوام الكرة

 المارد الصامت يخطط ليصبح قوة كروية في العالم
 المارد الصامت يخطط ليصبح قوة كروية في العالم

نجح الصينيون في ميدان الاقتصاد واستثمروا في قطاعات نجح فيها آخرون، وقد تفوّق المارد الآسيوي على من سبقه، لذلك لن يخشى الاستثمار في كرة القدم التي باتت تدر الملايين من الدولارات، أضحت اللعبة اقتصادا جديدا مربحا.

وأكد الرئيس الصيني في مناسبات كثيرة على ضرورة فوز الصين بكأس العالم لتفتك مكانتها كقطب من أقطاب المجتمع الدولي لكرة القدم، مستهدفا أن تمتلك بكين بحلول عام 2025 صناعة لكرة القدم بقيمة 840 مليار دولار. هذا الدعم الكبير لكرة القدم، دفع رجال الأعمال الصينيين إلى الدخول في غمارها، وأضحت الصين ماردا صامتا يشق طريقه ببطء في مجال الاستثمار في كرة القدم، حيث استقطبت الأندية الصينية العديد من المدربين واللاعبين النجوم الذين كانوا ينشطون في أكبر الأندية الأوروبية، وكذلك تم الاستحواذ على العديد من الأندية العريقة في أوروبا وامتلاكها.

وتهافتت الشركات الصينية للاستثمار في المجال الكروي، فقامت شركة “سي.أم.سي” الصينية بشراء 13 بالمئة من نادي مانشستر سيتي الإنكليزي، وحصل رجل الأعمال وانغ جيانلين على نسبة 20 بالمئة من نادي أتليتيكو مدريد الإسباني، وامتلكت مجموعة ساننيغ ما يقارب 67 بالمئة من أسهم نادي أنتر ميلان وكذلك الحال بالنسبة لنادي أي.سي ميلان الذي استحوذ عليه مستثمرون صينيون.

الاستثمار في كرة القدم الأوروبية سيعطي للصينيين صوتا مسموعا داخل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم يمكن الاستفادة منه عندما تنوي الصين الترشح لاستضافة كأس العالم في 2030، أو هذا ما تخطط له الصين التي تعمل دائما في صمت وعلى مهل.

وقام العديد من الفرق الأوروبية بجولات صيفية في الصين، بالإضافة إلى قيام عدد من الدوريات الأوروبية بتعديل مبارياتها الكبرى، لكي تتناسب مع التوقيت الصيني، وهذا ما اعتبره خبراء كرة القدم نجاحا كبيرا للاستراتيجية التي وضعها الرئيس الصيني لتطوير كرة القدم من ناحية المستوى الجماهيري، والاستثمار المالي في هذه الرياضة الأولى لدى شعوب العالم.

وأعطى البذخ في استقدام اللاعبين والمدربين ذوي الشأن في عالم كرة القدم العالمية مؤشرا جيدا لتطوير كرة القدم الصينية، وبدأ هذا الأمر ينعكس بالإيجاب على اللاعبين الصينيين من خلال اكتساب الخبرة إضافة إلى المردود المالي الجيد.

مع الاستيقاظ المتأخر لكرة القدم الصينية يتوقع الخبراء أن تشهد الأجيال اللاحقة تطورا فنيا كبيرا في كرة القدم الصينية يمكن أن يساهم في تكوين منتخب قادر على حصد الألقاب القارية وربما العالمية، ليبقى السؤال المطروح كيف سيكون مصير استراتيجية الرئيس الحالي عاشق كرة القدم بعد أن يترك الحكم في 2022، وهل أن من سيخلفه سيجعل من كرة القدم أحد أولوياته؟

20