الصين تخطط لتكون رائدة تكنولوجيا منخفضة الكربون

تعمل الصين على التحول من أكبر مصدّر لانبعاثات الغازات الدفيئة في العالم إلى رائدة في التكنولوجيا منخفضة الكربون لعالم مقيّد بالكربون. وتتأسس حملة بكين الخضراء القادمة على فكرة تحقيق حضارة بيئية، وهو ما يفرض عليها فقدان دورها كممول رئيسي لمحطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم في الداخل والخارج.
بكين- تأمل الصين، التي استهدفت منذ فترة طويلة النمو الصناعي السريع على الرغم من عواقبه البيئية، في أن تصبح رائدة في “التكنولوجيا منخفضة الكربون لعالم مقيد بالكربون”.
وكانت الصين قد باشرت في الأول من فبراير الماضي تطبيق قواعد جديدة لسوق الكربون تهدف إلى خفض التلوث في إجراء كان يرتقبه الناشطون البيئيون بشدة.
وأشارت إيزابيل هيلتون، من مؤسسة تشاينا دايلوغ (منظمة إخبارية غير ربحية)، في حدث على الإنترنت الاثنين، إلى أنه من المرجح أن يشمل هذا التحول تراجعا متسارعا عن دور الصين كممول رئيسي لمحطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم في الداخل والخارج.
وتعد الصين اليوم أكبر مصدر لانبعاثات الغازات الدفيئة في العالم وهي مسؤولة عن حوالي 28 في المئة من إجمالي الانبعاثات العالمية.

لا أهداف محددة لزيادة الطاقة الشمسية
وتسمح القواعد الجديدة للمرة الأولى في الصين للسلطات المحلية بتحديد حصص الانبعاثات المسموح بها لمحطات توليد الطاقة الحرارية ولشركات الطاقة بتبادل حقوق التلوث. وتقتصر هذه الإجراءات راهنا على قطاع الكهرباء الذي تعتمد المحطات الصينية فيه بشكل كبير على الفحم، أكثر مصادر الطاقة إضرارا بالبيئة.
ومن المتوقع أن تعزز خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للفترة الممتدة بين 2021 و2025 إشارة قوية إلى الصناعة الصينية للابتعاد عن الوقود الأحفوري ومن المرجح أن تعني أن الانبعاثات الوطنية ستبدأ في الانخفاض في غضون خمس سنوات، كما توقع لي شو، وهو كبير مستشاري السياسة في غرينبيس شرق آسيا.
وقال شو إنه في بلد يضع عادة أهدافا يمكنه تحقيقها أو تجاوزها، يتعين على الصناعات الرئيسية تقديم خطط حول كيفية خفض الانبعاثات بما يتماشى مع التزام الصين العام الماضي بأن تصبح “محايدة للكربون” بحلول سنة 2060.
وأكد ديميتري دي بوير، من مكتب كلاينت إيرث الصيني الخيري للقانون البيئي، أن التحول السريع من التركيز على الصناعة الملوّثة إلى التكنولوجيا الصديقة للبيئة يمثل تحديا في كل مكان وإن الصين ليست استثناء.
ووصف ديميتري “شد الحبل” بين وكالات البيئة والطاقة في الصين، مع عدم اليقين بشأن ما إذا كان ما يقرب من 37 غيغاوات من الطاقة التي تعمل بالفحم والتي تمت الموافقة عليها في عام 2020 ستستمر.
وأفاد باحثون دوليون هذا الشهر أن ذلك، إلى جانب قدرة طاقة الفحم الجديدة البالغة 38 غيغاوات التي بُعثت في 2020 ومشاريع أخرى قيد الإعداد، كافية لتزويد ألمانيا كلها بالطاقة.
ومع ذلك، ذكر ديميتري وجود “إشارات واعدة” تدل على رغبة الصين في إزالة الكربون، لاسيما على مستوى استثماراتها المثيرة للجدل في الخارج، مع إعلان محتمل قبل تأجيل قمة المناخ “كوب 26” المقرر عقدها في نوفمبر المقبل في غلاسكو.

الصين تريد أن تكون مصدرا للتكنولوجيا منخفضة الكربون لعالم مقيد بالكربون
وقالت بيرنيس لي، وهي المديرة المؤسسة لمركز هوفمان لاقتصاد الموارد المستدامة التابع لمؤسسة تشاتام هاوس، إن الدعاية السيئة المتزايدة التي تلقتها الصين لتمويل التوسع في طاقة الفحم في جميع أنحاء العالم تفرض إعادة التفكير.
وأضافت أن النموذج الصيني للإنفاق التنموي في الخارج “يخضع لإعادة التقييم”، حيث قال العلماء إن استخدام الفحم في الطاقة يجب أن يتوقف بسرعة لمنع أسوأ آثار تغير المناخ.
وتابعت أن العديد من المشاريع في مبادرة الحزام والطريق، وهي مشروع لتطوير البنية التحتية المدعومة من الصين في ما يقرب من 70 دولة، بما في ذلك بالإنفاق الكبير على محطات الفحم، لم تنل تمويلا جديدا منذ 2019. لكن أندرو نورتون، وهو رئيس المعهد الدولي للبيئة والتنمية ومقره لندن، قال إن الصين لم تقدم بعد “خطة شاملة” لتخضير استثماراتها الخارجية.
وترى يونان تشن، الباحثة في تمويل التنمية في معهد التنمية الخارجية في لندن، أن التحول الأخضر المتوقع في الخطة الخمسية الجديدة الصينية، كان مدفوعا جزئيا برغبتها في الظهور وكأنها تفعل الشيء الصحيح في داخل البلاد وخارجها.
وذكرت تشن في حدث منفصل نظّمه المعهد على الإنترنت الاثنين “هناك بالفعل حقيقية في الشرعية. هذا دافع ثابت”. وفي نفس الحدث لفت سام غيل، وهو الرئيس الممثل لمؤسسة تشاينا دايلوغ، إلى أن التركيز على البيئة “لم يعد يُنظر إليه على أنه جزء من أجندة إمبريالية غربية”.
وبيّن غيل أن الصين وضعت حملتها الخضراء القادمة حول فكرة تحقيق “حضارة بيئية” وهو مصطلح أصبح الآن جزءا من عنوان قمة دولية للتنوع البيولوجي من المقرر أن تستضيفها الصين خلال الأشهر القادمة.
وقال محللون إنه مع الطلب العام القوي على مواصلة مكافحة تلوث الهواء الخانق في الصين، من المرجح أن تحظى بعض السياسات الخضراء بشعبية في الداخل وتقلل من الضغط الاجتماعي الذي تعتبره الحكومة تهديدا.

مصادر الطاقة المتجدّدة تشكل بديلا عن مصادر الطاقة الأحفورية، غير أن انتشارها لا يزال محدودا
وأضافوا أن الصين ترى زيادة الاستثمار الأخضر في الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية وتخزين البطاريات فرصة لاقتناص الريادة في صناعة عالمية متنامية.
وبحسب هيلتون، في الوقت الذي تحاول فيه القوة الاقتصادية الآسيوية تحديد تكنولوجيا المستقبل، تريد “أن تكون مصدرا للتكنولوجيا منخفضة الكربون لعالم مقيد بالكربون”. وتابعت “مهما كان شكل السياسة في السنوات الثلاث إلى الأربع المقبلة، فإنها لن تبدو كما كانت قبل ثلاث سنوات”.
وتشكّل مصادر الطاقة المتجدّدة بديلا عن مصادر الطاقة الأحفورية، غير أن انتشارها لا يزال محدودا بسبب المساعدات المقدّمة لمصادر الطاقة الأكثر تلويثا مثل الفحم والنفط والغاز.
وبحسب موقع “كلايمت أكشن تراكر”، في حال التزمت الصين وعدد من الدول من بينها اليابان ببلوغ الحياد الكربوني، سيُحصر الاحترار بـ2.1 درجة مئوية. وهو معدّل أعلى مما ينصّ عليه اتفاق باريس، لكنه أفضل من المسار الحالي الذي يتوقّع أن يفضي إلى احترار بثلاث درجات بحلول 2100.
لكن وفقا لخطة حكومية صدرت الجمعة، ستستثمر الصين المزيد من الفحم لدعم اقتصادها على مدى السنوات الخمس المقبلة. وكان دعاة حماية البيئة يأملون في أن تقدم خطة التنمية الوطنية الخمسية للصين، خارطة طريق لهدفها المتمثل في أن تصبح البلاد “محايدة للكربون”.
ومع ذلك، فإن الخطة التي أعلنها رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ، الجمعة، تحتوي على تفاصيل مقتضبة وتشير إلى القليل من الإلحاح في خفض الانبعاثات التي تسبب الاحتباس الحراري. وكان عدم وجود سقف على إجمالي استهلاك الطاقة أحد الاستثناءات الملحوظة.
التناقض بين استهداف التنمية منخفضة الكربون والاستمرار في الاستثمار في الفحم لا يزال يبدو صارخا
وقالت لوري ميليفيرتا من مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف “دون هدف التحكم في استهلاك الطاقة، هناك عدد أقل في هذه الخطة الخمسية لتقييد نمو الانبعاثات مقارنة بالخطة السابقة.. ونتيجة لذلك، ليس هناك ما يضمن تباطؤ نمو الانبعاثات، ناهيك عن التوقف، بحلول عام 2025”.
ولم تكن هناك أهداف محددة لزيادة طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية أو الطاقة الكهرومائية، على الرغم من وجود تعهدات بزيادة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.
وأضافت ميليفيرتا “التناقض بين استهداف التنمية منخفضة الكربون والاستمرار في الاستثمار في الفحم والوقود الأحفوري لا يزال يبدو صارخا في خطط الصين”.