الصين تتخوف من فقدان ورقة القوة العاملة

تغييرات سياسية واجتماعية إثر فقدان الصين ثلثي قوتها العاملة.
الخميس 2022/07/21
الصين تمتلك كتلة سكانية ضخمة في سن العمل

تواجه الصين مشكلة انخفاض نسبة السكان في سن العمل، حيث تشير تقارير وإحصائيات إلى انخفاض قوة العمل في الصين من 4 أمثال قوة العمل في أميركا إلى مجرد الضعف تقريبا، ما ستكون له تبعات اقتصادية في المستقبل.

بكين - نجحت الصين خلال العقود القليلة الماضية في تقليص الفارق الاقتصادي مع الولايات المتحدة، حتى أصبح إجمالي ناتجها المحلي الآن يفوق ناتج الولايات المتحدة أو قريبا منه وفقا للمقاييس المستخدمة.

لكن متوسط الدخل في الصين مازال أقل كثيرا مما هو في الولايات المتحدة، ولكن بمقاييس كمية أخرى لمستوى المعيشة ومتوسط الأعمار اقتربت الصين كثيرا من أميركا خلال عام 2020 الذي شهد تفشي جائحة كورونا، بحسب تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء وأعده الكاتب الأميركي جاستن فوكس.

ومع تقدم القرن الحالي يبدو أن الصين ستتقارب مجددا مع أميركا ولكن في أمر أقل إيجابية ويتمثل في انكماش عدد سكان الصين في سن العمل. فالمعجزة الاقتصادية التي حققتها الصين استندت بشكل أساسي إلى وجود كتلة سكانية ضخمة في سن العمل الذي يتراوح بين 15 و64 عاما والبالغ حجمها حوالي مليار شخص. هذه القوة العاملة الضخمة جعلت الصين مصنعا للعالم وسوقا استهلاكية ضخمة.

لكن التوقعات السكانية الصادرة في الأسبوع الماضي عن الأمم المتحدة أشارت إلى تراجع سريع في نسبة السكان في سن العمل بالصين خلال العقد المقبل، لتنكمش الكتلة السكانية في سن العمل بمقدار الثلثين تقريبا في نهاية القرن الحالي. في المقابل فإن التوقعات تشير إلى استمرار حجم قوة العمل في الولايات المتحدة بحلول 2100 عند نفس مستواها الحالي، وهو ما يعني انخفاض قوة العمل في الصين من 4 أمثال قوة العمل في أميركا إلى مجرد الضعف تقريبا.

ويقول جاستن فوكس مدير التحرير السابق لمجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" إن هذه النسبة تنخفض إلى 1.2 مرة عند إضافة قوة العمل في كل من المكسيك وكندا إلى قوة العمل الأميركية باعتبار الدول الثلاث أعضاء في منطقة تجارة حرة.

هذه التوقعات المعتمدة على "السيناريو المتوسط" لخبراء الأمم المتحدة تبدو مبالغة في التفاؤل بشأن الاتجاهات السكانية في الصين. وتفترض هذه التوقعات تحسن معدل الخصوبة في الصين بعد تراجعه بشدة خلال السنوات القليلة الماضية، ليقترب من المعدل في الولايات المتحدة مع مضي سنوات القرن الحالي.

كما أن التوقعات بالنسبة إلى معدل الخصوبة في الولايات المتحدة قد تكون متفائلة أكثر مما يجب أيضا، لكنها يمكن أن تعتمد على مصدر آخر للنمو السكاني ويتمثل في الهجرة الواسعة، وهو مصدر غير متاح للصين بالتأكيد.

كما يطرح خبراء الأمم المتحدة "سيناريو الخصوبة المنخفضة"، وفيه سوف يستقر معدل الإنجاب في كل من الولايات المتحدة والصين عند مستويات منخفضة. في هذه الحالة سوف تشهد الصين انكماشا في الكتلة السكانية في سن العمل بأكثر من 80 في المئة، وبالمقارنة مع الصين ستزيد هذه الكتلة في أميركا الشمالية بحلول 2097.

القوة العاملة دعامة التنين الصيني لكنها بدأت تتجه نحو الشيخوخة
القوة العاملة دعامة التنين الصيني لكنها بدأت تتجه نحو الشيخوخة  

والحقيقة أن فقدان نحو ثلثي حجم قوة العمل في الصين يمثل تطورا غير مسبوق في العالم الحديث، وهذا التهديد يمكن أن يؤدي إلى تغييرات سياسية واجتماعية. كما يمكن أن تحدث الكثير من الأشياء خلال الـ75 عاما المقبلة والتي من شأنها أن تغير هذه التوقعات، مثل الكوارث المناخية والحروب العالمية وغزو الفضاء وغير ذلك.

وتقدم توقعات الأمم المتحدة معلومات أخرى عن إمدادات قوة العمل في المستقبل على مستوى العالم والتي قد تصبح أكثر أهمية مما يحدث في الصين والولايات المتحدة. ومن المتوقع أن تصبح الصين الرابح الأكبر، حيث سيصل حجم الكتلة السكانية في سن العمل في منطقة شمال أميركا إلى حجمها في الصين تقريبا بنهاية القرن الحالي.

ومازالت مشكلة انكماش الكتلة السكانية في سن العمل التي تواجه الصين منذ سنوات قليلة مشكلة قائمة بالنسبة إلى دول أخرى في آسيا حيث تراجعت في اليابان بنسبة 17 في المئة منذ 1994، في حين يبدو أن الكتلة السكانية في سن العمل وصلت إلى ذروتها في كوريا الجنوبية عام 2017 وفي تايوان عام 2016، لتبدأ بعد ذلك بالانكماش، ما يعني أن هذه الكتلة تحولت من النمو إلى الانكماش وهو تحول من الصعب تجاهله.

◙ الخوف من تراجع النفوذ الاقتصادي في المستقبل قد يدفع الصين إلى تبني سياسات أقل إنتاجية وأكثر عدوانية على الصعيد الخارجي

ويقول جاستن فوكس إن هناك وجها آخر للمقارنة من خلال تحليل التطورات حتى عام 1950 لمعرفة التأثير الكامل لهذا التراجع. وقد كان صعود شرق آسيا أحد أهم اتجاهات الاقتصاد العالمي خلال النصف الثاني من القرن العشرين. فماذا يعني التراجع الأخير؟

التراجع لا يعني الانهيار الكامل كما حدث للدولة الرومانية في التاريخ القديم. فاليابان مازالت تمتلك اقتصادا قويا ومؤثرا، رغم ربع قرن من التراجع المطرد لكتلتها السكانية في سن العمل. ولكن نصيبها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي تراجع خلال العام الماضي إلى 5.1 في المئة مقابل 7.9 في المئة عام 1994. وكان كل تراجع في نصيب الدول الغنية من الناتج المحلي الإجمالي العالمي يصب في مصلحة الصين والاقتصادات الصاعدة الأخرى.

كما تراجع نصيب الولايات المتحدة من 26.1 في المئة إلى 23.9 في المئة ونصيب الاتحاد الأوروبي من 25.7 في المئة إلى 17.8 في المئة. في المقابل بلغ نصيب الصين من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في العام الماضي 18.5 في المئة في حين أنها تمتلك 19.2 في المئة من الكتلة السكانية في سن العمل على المستوى العالمي. ومن المتوقع تراجع نصيب الصين من هذه الكتلة إلى 6.1 في المئة بنهاية هذا القرن.

والسبيل الوحيد أمام قادة الصين لمنع تراجع نصيب بلادهم من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنفس وتيرة تراجع نصيبها من الكتلة السكانية في سن العمل هو إصلاح الاقتصاد وزيادة الاستثمارات بهدف نمو دخل الفرد الصيني بأسرع من معدل النمو العالمي لدخل الفرد.

لكن كما يقول المحلل السياسي هال براندز والباحث في الشأن الصيني بجامعة تافتس ميشيل بيلكي فإن الخوف من تراجع النفوذ الاقتصادي في المستقبل قد يدفع الصين إلى تبني سياسات أقل إنتاجية وأكثر عدوانية على الصعيد الخارجي. وأخيرا يظل "المسار الأشد خطورة في السياسات العالمية هو الصعود طويل المدى الذي يعقبه احتمال تدهور حاد".

مشكلة التهرم السكاني وانخفاض نسبة السكان في سن العمل تواجه الصين ودولا أخرى في آسيا
مشكلة التهرم السكاني وانخفاض نسبة السكان في سن العمل تواجه الصين ودولا أخرى في آسيا

6