الصومال في 2021: أزمات سياسية وأمنية وبيئية

مقديشو – أثقل العام الجاري الذي يوشك على الانتهاء كاهل الصومال بأزمات متلاحقة، بعضها داخلي مثل تلك المتعلقة بالانتخابات والجفاف الحاد وتزايد هجمات حركة الشباب المسلّحة، وبعضها الآخر إقليمي كالنزاع البحري مع الجارة كينيا، وكذلك مستقبل البعثة الأفريقية “أميصوم”.
ويعدّ الجفاف أبرز هذه الأزمات، حيث شهد الصومال للعام الرابع على التوالي ندرة في سقوط الأمطار الموسمية، وكان عام 2021 هو الأشد على مستوى التغيرات المناخية، ليضيف عبئا جديدا على كاهل البلاد.
فمطلع أكتوبر الماضي، أعلنت وزارة الشؤون الإنسانية وإدارة الكوارث، أن نحو 7.7 ملايين مواطن يواجهون أوضاعا إنسانية مزرية جراء عوامل الجفاف والجراد الصحراوي وتذبذب موسم الأمطار إلى جانب تداعيات وباء كورونا.

وحسب إحصائيات غير رسمية أجبر الجفاف حتى الآن أكثر من 100 ألف قروي على النزوح من مناطقهم بحثا عن المياه، فيما تسبب في نفوق نحو 60 ألف رأس من الماشية في الأقاليم جنوب ووسط الصومال.
وكان الرئيس الصومالي أعلن في نوفمبر الماضي، دخول بلاده حالة إنسانية طارئة بسبب أزمة الجفاف التي ضربت معظم الأقاليم الجنوبية.
وفي الشهر ذاته، توقعت الأمم المتحدة وحكومة مقديشو، في تقرير مشترك، ارتفاع نسبة الصوماليين الذين يحتاجون إلى معونات إنسانية إلى 30 في المئة من إجمالي 14 مليون نسمة، بينما يعيش أكثر من ثلثي الصوماليين تحت خط الفقر.
ويأمل الصوماليون في انتهاء أزمة الجفاف مطلع أبريل المقبل، حيث يبدأ موسم الأمطار، ويتوقع أن يكون أكثر غزارة من العام الماضي.
وكادت هذه الأزمات تعصف بالاستقرار النسبي الذي يتمتع به الشعب الصومالي، خاصة تلك المتعلقة بالخلافات السياسية حول الانتخابات.
وشهد الصومال أزمات سياسية وأمنية حيث دخل العام الجاري وسماؤه ملبدة بغيوم خلافات الانتخابات، رغم توصل الحكومة الاتحادية ورؤساء الأقاليم الفيدرالية، في سبتمبر العام الماضي، إلى اتفاق لإجراء انتخابات غير مباشرة للبرلمان (عبر ممثلين للقبائل وليس بالاقتراع المباشر)، على أن ينتخب الأخير رئيسا البلاد، دون التمكن من الاتفاق على موعد الاستحقاقين.
وبرزت الخلافات بعد انتهاء ولاية البرلمان في ديسمبر 2020، فيما انتهت ولاية الرئيس محمد عبدالله فرماجو، وهي من أربع سنوات، في فبراير الماضي.
لكن العديد من جولات المفاوضات لم تنجح خلال نهاية العام الماضي والشهور الأولى من العام الجاري في التوصل إلى مواعيد نهائية للانتخابات بعد تحديد أخرى أولية وتأجيلها نحو 5 مرات.
وآنذاك تعددت أسباب عدم التوصل إلى اتفاق حول موعد الانتخابات، وكان أبرزها الخلاف حول آلية تشكيل اللجان الانتخابية حيث اعترضت المعارضة على وجود عناصر أمنية ضمن تشكيل اللجان.
واشتدت حدة الخلافات في أبريل، بعد قرار البرلمان تمديد ولاية الرئيس فرماجو عامين على أن تجرى الانتخابات خلالهما، وهو ما لاقى اعتراضات إقليمية ودولية وكذلك محلية أسفرت عن اشتباكات مسلحة بالعاصمة مقديشو بين مؤيدين ومعارضين، وانتهى الأمر بتراجع البرلمان عن قراره.
بعد ذلك قرر الرئيس فرماجو في مايو، إسناد ملف الانتخابات برمته إلى رئيس الوزراء محمد حسين روبلي، في قرار لاقى ترحيبا من معظم الأطراف.
ونجح روبلي واللجان الانتخابية في الانتهاء من انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) منتصف نوفمبر الماضي، فيما تتواصل انتخابات مجلس الشعب (الغرفة الأولى) ببعض الولايات الفيدرالية، فيما لم يحدد بعد موعد إجراء الانتخابات الرئاسية.
حركة الشباب المسلحة استغلت تأزم الانتخابات لتكون عبئا جديدا على الصومال، عبر تكثيف هجماتها في ربوع البلاد
لكن منذ انطلاق الانتخابات البرلمانية في أكتوبر الماضي، تزداد شكاوى المرشحين من عدم تطبيق النزاهة والشفافية وإجراء الانتخابات بمخالفة القوانين المنظمة لها في البلاد.
وإثر ذلك، أعلن الرئيس الصومالي في بيان، “فشل” رئيس الحكومة روبلي في قيادة مهمة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالبلاد، لتشتد حدة الغموض مرة أخرى وتتلبد السماء بالغيوم مجددا حول مستقبل ملف الانتخابات.
وقال مراقبون سياسيون إن تصعيد فرماجو ضد روبلي يتنزل ضمن الأجندة التركية التي تدفع نحو انتخابات صومالية تفرز قيادة موالية لأنقرة وقادرة على حماية المصالح التركية وتنفيذ سلسلة من الاتفاقيات الموقعة بين البلدين.
وكانت حركة الشباب المسلحة استغلت تأزم الانتخابات خلال 2021، لتكون عبئا جديدا على الصومال، عبر تكثيف هجماتها في ربوع البلاد مستغلة انشغال المؤسسات الرسمية بالاستحقاق الانتخابي.
وشهد الصومال منذ بداية العام الجاري نحو 57 تفجيرا ما بين انتحاري وبسيارات مفخخة وألغام أرضية، وطال أغلبها المقاهي الشعبية والمركبات العسكرية الحكومية والأفريقية.
وكان الأكثر دموية التفجير الانتحاري الذي استهدف مقهى “لول يمني” بمقديشو في مارس الماضي، حيث قتل نحو 25 شخصا وأصيب 30 آخرون بجروح متفاوتة.
وربط محللون تكثيف الهجمات الإرهابية بالفترة الانتقالية التي يمر بها الصومال، بتراجع العمليات العسكرية الحكومية وعمليات القوات الأفريقية “أميصوم” ضد مقاتلي الشباب التي تنشط بقرى وبلدات جنوب ووسط البلاد.
وقال عبدالرحمن محمود رئيس المخابرات الأسبق، في تصريحات سابقة إنه من المألوف أن تكثف حركة الشباب عملياتها ضد أهداف حكومية وغير حكومية في الفترة الانتقالية أي العام الأخير من النظام الحاكم.
وأضاف أن الحركة تهدف من ذلك إلى “خلط الأوراق السياسية ورفع معنويات مقاتليها الذين خسروا ميدانيا أمام القوات الحكومية بدعم من أميصوم” في 2020.
فيما أشار حسن شيخ المحلل السياسي والأمني إلى أن العديد من العوامل ساهمت في تراجع العمليات العسكرية الحكومية هذا العام، منها محدودية عمليات “أميصوم” نتيجة نقص التمويل، إلى جانب انخراط المؤسسات الأمنية في الحياة السياسية خلال الفترات الانتقالية.
وشهد العام 2021 محاولات لإعادة هيكلة قوات “أميصوم” باءت بالفشل في حين يبقى مصيرها مجهولا للعام المقبل، ففي منتصف مارس الماضي، مدد مجلس الأمن الدولي ولاية بعثة حفظ السلام الأفريقية بالصومال حتى نهاية ديسمبر الجاري، لكنه أوصى بالبحث عن خيارات لتمويل البعثة بالاشتراك مع الاتحاد الأفريقي والتشاور مع مقديشو.
وقدمت لجنة تابعة للاتحاد الأفريقي آنذاك ثلاثة سيناريوهات، منها تحويل البعثة إلى قوات مشتركة من الاتحاد والأمم المتحدة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يعني توسيع مهام البعثة ومنحها صلاحيات جديدة في قيادة السياسات الأمنية بالصومال.
إلا أن الصومال رفض في عدة بيانات رسمية منتصف العام الجاري، هذا الاقتراح جملة وتفصيلا، وأصر على إبقاء البعثة كما هي دون تعديل في مهامها.
الجفاف أجبر الآلاف من القرويين على النزوح بحثا عن المياه، فيما تسبب في نفوق الماشية في الجنوب والوسط
وطالبت الخارجية الصومالية الاتحاد الأفريقي بالعدول عن خطة تحويل بعثة “أميصوم” إلى مهمة مشتركة مع الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى خطة يمكن العمل والتعاون عليها معا.
ومطلع نوفمبر الماضي، طرد الصومال نائب الممثل الخاص للاتحاد الأفريقي سيمون مولونغو، واعتبره “شخصا غير مرغوب فيه”، وذلك في اعتراض مباشر على تعديل مهام البعثة.
وفي التاسع من الشهر ذاته، زار وفد مجلس السلم والأمن الأفريقي مقديشو للتهدئة، وبحث مستقبل بعثة “أميصوم”، الذي يدخل عام 2022 دون حسمه.
وشهد العام الجاري أزمة دبلوماسية بين الصومال وجارته كينيا بدأت منذ أواخر العام الماضي، حيث أعلن الصومال في ديسمبر 2020 قطع علاقاته الدبلوماسية مع كينيا، لتستمر تلك القطيعة نحو 5 أشهر، حتى أعلنت مقديشو عودة العلاقات في أبريل بعد نجاح وساطة قطرية.
وكان التوتر بين مقديشو ونيروبي نتيجة خلافات حول العديد من القضايا أبرزها نزاع الحدود البحرية، إلى جانب اتهام كينيا بالتدخل في شؤون الصومال الداخلية. لكن المحادثات التي جرت خلال العام الجاري أفضت إلى زيارة وزيرة الخارجية الكينية راشيل إمامو لأول مرة إلى مقديشو، في الثامن من أغسطس، لبحث سبل ترميم العلاقات بين البلدين.
كما سلمت إمامو، دعوة لرئيس الوزراء الصومالي، الذي لبى الدعوة سريعا، حيث زار نيروبي بعدها بأربعة أيام، مصحوبا بوفد رفيع المستوى. واعتبر محللون تلبية الزيارة بهذه السرعة تعكس مدى استعداد البلدين لطي صفحة الخلافات فيما بينهما.
وفي أكتوبر الماضي، أصدرت محكمة العدل الدولية حكما نهائيا يمنح بموجبه الصومال حق السيطرة على الجزء الأكبر من المنطقة البحرية المتنازع عليها مع كينيا.
وكان النزاع يدور حول طريقة ترسيم الحدود البحرية، حيث يطالب الصومال بترسيمها عند المحيط الهندي بطريقة مماثلة لحدوده البرية جنوبا باتجاه كينيا، بينما تطالب كينيا بترسيم الخط في شكل زاوية قائمة في عمق الحدود البحرية للصومال.