الصومال أمام فرص ضئيلة لملء الفراغ الأمني بعد انسحاب "أتميس"

الانسحاب السريع لقوات الاتحاد الأفريقي في الصومال قد يؤدي إلى انهيار سريع للحكومة الصومالية ويقوض "النجاحات" الأمنية. ويفتح ضعف الجاهزية العسكرية الباب أمام حركة الشباب لتكثيف تهديداتها وتوسيع سيطرتها.
مقديشو - تتواصل عملية انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال “أتميس” من البلد العربي، وسط مخاوف متصاعدة من حدوث فراغ أمني قد يستغله مسلحو حركة الشباب الإرهابية لإعادة سيطرتهم على بعض المناطق.
وبينما تخشى دول مجاورة للصومال أيضًا من أن تنعكس مخاطر تلك الخطوة على استقرارها، ربط محللون نجاح حكومة مقديشو في إتمامها دون مخاطر، بتجهيز القوات المحلية ودعم قدراتها، لتكون قادرة على الاضطلاع بالمهام الأمنية فور انسحاب “أتميس” وهو ما ليس متاحا.
بعد سيطرة “اتحاد المحاكم الإسلامية” وجناحها العسكري “حركة الشباب” على العاصمة مقديشو عام 2006، سارع الاتحاد الأفريقي بتفويض من مجلس الأمن إلى إنشاء قوات “أميصوم” عام 2007؛ بغرض مساعدة حكومة الصومال في استعادة السيطرة على كافة أراضي البلاد والقضاء على حركة الشباب. وفي أبريل 2022 تسلمت بعثة انتقالية جديدة للاتحاد الأفريقي باسم “أتميس” المسؤولية من نظيرتها “أميصوم”.
وضمت “أتميس” حوالي 20 ألف جندي من دول أفريقية عدة أبرزها، أوغندا وبوروندي وكينيا وجيبوتي وإثيوبيا، وشملت مهامها الأساسية إعداد قوات الأمن الصومالية لتولي المسؤوليات الأمنية.
وتحدثت تقارير صحفية آنذاك عن أن إنشاء “أتميس” جاء تحت إلحاح الحكومة الصومالية ورغبتها في نقل المسؤوليات الأمنية تدريجيا إلى القوات المحلية. إذ تتمسك مقديشو بانسحاب قوات “أتميس” من البلاد بحلول عام 2025، في إطار خطة انتقالية وضعتها بالتعاون مع شركائها لنقل المسؤوليات الأمنية إلى الجيش الوطني تباعًا.
فالحكومة الصومالية، وفق مراقبين، تسعى إلى بسط سيطرتها الكاملة على أراضيها، كما تتشكك في توجهات سياسية ضارة ببلادها من قبل بعض الدول المشاركة بقوات “أتميس”. وفي يونيو 2023 أتمت “أتميس” بالفعل المرحلة الأولى من انسحابها، التي شملت مغادرة 2000 جندي، وفي فبراير 2024 أتمت المرحلة الثانية من الانسحاب، التي شملت 3000 جندي.
ومن المخطط أن تستكمل “أتميس” المرحلة الثالثة من الانسحاب في يوليو المقبل، بمغادرة 4000 جندي. والأسبوع الماضي، أعلن المستشار الأمني للرئيس الصومالي حسين معلم محمود انطلاق هذه المرحلة من الانسحاب بالفعل.
وقال محمود في تصريحات للصحافيين إن القوات الإثيوبية ستكون أولى الوحدات التي يتم إجلاؤها من المناطق المنتشرة بها حاليا، لاسيما في ولايتي غرب الصومال وجوبالاند. وأكد أن الجيش الصومالي “سيصبح المسؤول الوحيد عن فرض الأمن والاستقرار” في البلاد بحلول نهاية العام الجاري.
وبعد استكمال المرحلة الثالثة، سيتبقى من قوات “أتميس” في الصومال 10 آلاف و600 جندي، سيتم سحبهم تدريجيًا حتى نهاية 2024، بموجب جدول زمني للأمم المتحدة. لكن محللين سياسيين أعربوا عن مخاوفهم من خطورة هذه الخطوة – إن لم تكن مدروسة – على استقرار الصومال.
وأكد أستاذ العلوم السياسية والخبير في شؤون منطقة شرق أفريقيا عبدالوهاب عبدالصمد على “ضرورة إيجاد قوات صومالية جاهزة فور خروج ‘أتميس’، بحيث تكون قادرة على الاضطلاع بشكل انفرادي بالمهام الأمنية في البلاد”.
وحذر عبدالصمد من “مخاطر خطوة انسحاب ‘أتميس’ ما لم تكن القضية مدروسة بشكل جيد من قبل كافة الأطراف السياسية بالبلاد، بمن فيهم زعماء الولايات والسياسيون المعارضون، والأعيان؛ للحيلولة دون الانزلاق نحو العنف”. وحذر المحلل السياسي عبدي حرسي من أن الانسحاب الكامل لقوات “أتميس” نهاية عام 2024 قد يؤدي إلى انهيار سريع للمؤسسات الحكومية.
◙ تأكيدات على ضرورة إيجاد قوات صومالية جاهزة فور خروج أتميس بحيث تكون قادرة على الاضطلاع بشكل انفرادي بالمهام الأمنية في البلاد
وأضاف حرسي أن الصومال “يحتاج إلى تشكيل قوات أمنية مجهزة بالأسلحة المتنوعة والمدرعات والطائرات، وتتمتع بخبرة عسكرية عالٍية، مع ضمان حصول هذه القوات على الدعم المالي الكافي الذي يجعلها قادرة على تعويض غياب قوات أتميس”. وأشار إلى أنه “لا توجد حتى الآن مؤشرات توحي بأن الصومال قادر حاليا على تشكيل هذه القوات، وضمان توافر التمويل اللازم لها”.
ومتفقا مع سابقه، أكد الأكاديمي والباحث السياسي سلطان عبدالله على أن “نجاح إستراتيجية الانسحاب من الصومال، مرتبط بإيجاد حل رسمي للفراغ الأمني المحتمل، حتى لا يدخل الوطن مرحلة من الفوضى والحروب الأهلية والطائفية من جديد”.
وكذلك، لخص الأكاديمي والكاتب الصحافي أنور محمد بري التداعيات المحتملة على الصومال لانسحاب “أتميس” في 3 بنود، أولها خطورة حدوث فراغ أمني، تستغله حركة الشباب، التي تشير التقديرات، بأن عدد مقاتليها المنضوين تحت لوائها قد يصل إلى 12 ألف مسلح. وحذر برى من "إمكانية بروز عناصر مسلحة أخرى بينها تنظيم داعش، الذي يوجد بالفعل في شكل فلول صغيرة منقرضة، ويمكن أن تنشط وتقوى من جديد". وأبدى خشيته من “عودة نفوذ الميليشيات القبلية للبلاد، والتي تنخرط حاليا بصورة شبه رسمية في صفوف الجيش، وهم مدججون بمختلف أنواع الأسلحة".
وتخشي دول مجاورة للصومال من مخاطر انسحاب “أتميس” على استقرارها. إذ ترجع هذه الدول استمرار تواجد قواتها في “أتميس” إلى مبررات عدة، أهمها منع عودة نفوذ الشباب في المناطق المحررة منها، وهو ما قد يؤثر على استقرارها كذلك.
وهذا الموقف أعرب عنه الرئيس الكيني وليم روتو خلال لقائه نظيره الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض، في مايو الماضي. إذ أبدى روتو قلقه الشديد من خطوة انسحاب “أتميس” من الصومال، والتي تضم قوات من بلاده. وشدد على خطورة الأمر بالنسبة إلى الأمن القومي الكيني؛ مخافة انتشار حركة الشباب والجماعات التابعة لها في عمق بلاده، عبر عبور الحدود بين البلدين.