الصور النمطية المرتبطة بالنوع الاجتماعي تضرّ بالصحة

طبعت الصورة التي اقترنت بالنساء على أنّهنّ مخلوقات ضعيفات المجال الطبي طويلا، ما أدى إلى إفرادهن بأمراض دون غيرها كالاكتئاب مثلا، في حين اقترنت السكتة القلبية بالرجال، وهو ما أثر على معالجة تلك الأمراض وعلى مجال الرعاية الصحية عموما. وتؤثر القواعد الاجتماعية المرتبطة بالذكور والإناث لدى المرضى على أعراض المرض واللجوء إلى العلاجات المناسبة.
باريس- تطال الأفكار النمطية المرتبطة بالنوع الاجتماعي المجال الصحي أيضاً، فبينما تُقرَن السكتة القلبية مثلاً بالرجال، يُنظر إلى الاكتئاب على أنه مرض يتعلق بالنساء، وقد تؤثر مثل هذه الأفكار التي لا تزال منتشرة على اللجوء إلى الرعاية الصحية ومعالجة الأمراض.
فبعدما شعرت إلينور كليغهورن بألم في ساقيها، لجأت إلى طبيب رجّح أنّها مصابة بالنقرس أو أنّ آلامها ناجمة عن الحمل، وقال لها “ربما لا يعدو الأمر كونه اضطراباً في هرموناتك”.
وتحمّلت إلينور الألم لسبع سنوات كانت خلالها هي نفسها تشكك في طبيعة ما تشعر به قبل أن تلجأ إلى قسم الطوارئ في أحد المستشفيات، حيث أكّد لها الأطباء كذلك أنّ آلامها مرتبطة بالطفل الذي أنجبته حديثاً، وتمثل أحد أمراض القلب التي تحدث بعد الولادة.
وبعد طول معاناة شخّص أحد اختصاصيي أمراض الروماتيزم حالة إلينور بأنّها ناجمة عن مرض الذئبة. واستناداً على تجربتها الخاصة نشرت إلينور وهي مؤرخة نسوية كتابا بعنوان “نساء مريضات: رحلة عبر الطب والخرافات في عالم من صنع الرجال” في يونيو الماضي. وروت المرأة البريطانية في الكتاب كيف أُسيء فهم صحة المرأة وتفسيرها عبر التاريخ.

◙ قد تؤثر الأفكار النمطية المرتبطة بالنوع الاجتماعي لدى العاملين في مجال الرعاية الصحية على تفسير العلامات السريرية ومعالجة الأمراض
وأكدت المتخصصة في بيولوجيا الأعصاب كاترين فيدال أن ما يسمى طبيعة النساء، والصورة التي اقترنت بهنّ على أنّهنّ مخلوقات ضعيفات، طبعت طويلاً المجال الطبي.
وأعدّت فيدال تقريراً للمجلس الأعلى للمساواة بين النساء والرجال في فرنسا نُشر العام الماضي وحمل عنوان “مراعاة الجنس والنوع لمعالجة أفضل: قضية صحة عامة” يلقي الضوء على هذا الموضوع.
وشرحت فيدال في التقرير أنّ القواعد الاجتماعية المرتبطة بالذكور والإناث لدى المرضى قبل كل شيء تؤثر على التعبير عن أعراض المرض وعلاقته بالجسم واللجوء إلى العلاجات المناسبة.
وقد تؤثر الأفكار النمطية المرتبطة بالنوع الاجتماعي لدى العاملين في مجال الرعاية الصحية على تفسير العلامات السريرية ومعالجة الأمراض. ويمثّل تصنيف الأمراض بـ”نسائية” و”ذكورية” خير دليل على ذلك.
والنساء في الواقع أكثر عرضة من الرجال للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، إذ تبلغ نسبة الوفيات جراء هذه الأمراض لدى النساء 56 في المئة مقابل 46 في المئة لدى الرجال. ورغم ذلك لا تزال النوبة القلبية تشخّص بنسبة أقلّ لدى النساء لأنّها تُعتبر خطأً مرضا يطال الرجال جراء الإجهاد في عملهم.
وتعاني النساء طبعاً من الاكتئاب ضعف ما يعانيه الرجال في المتوسط، لكنّ الأمر ليس ناجماً عن الهرمونات النسائية كما أشيع طويلاً، بل أظهرت أبحاث أن الاختلاف بين الجنسين في انتشار الاكتئاب يتفاوت بحسب البيئة الاجتماعية والاقتصادية للشخص.
ولا تُؤخذ أمراض أخرى متعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية للمرأة في الاعتبار كثيراً. فلطالما شُخّص الانتباذ البطاني الرحمي المعترف به حديثاً بنسب ضئيلة لأنّه ينطوي على موضوع الدورة الشهرية الذي يعتبر من المحظورات.
وعبرت كاترين فيدال عن أسفها كون هذا المرض “لم يُدرج في الدورة الثانية من دراسات الطب إلا عام 2020”، داعيةً إلى بذل جهد كبير لتدريب المتخصصين الصحيين على المواضيع المرتبطة بالنوع الاجتماعي. ويرتبط التأخير في علاج الأمراض أو في تشخيصها بالنساء أنفسهنّ أحياناً.
وأظهر استطلاع أُجري في فرنسا أنّ النساء يتّصلن بأقسام الطوارئ متأخرات بـ15 دقيقة في المتوسط عن الوقت الذي يتّصل فيه الرجال عند التعرض لنوبات قلبية، ما قد يرفع من خطر حدوث عواقب صحية أو يزيد احتمال الحدّ من فاعلية العلاج.
وقالت الطبيبة المتخصصة في أمراض القلب كلير مونييه – فييه إنّ النساء “يشعرن بقلق أقل حول صحّتهنّ، وغالباً ما يولين هذا الموضوع اهتماما ثانويا يأتي بعد الأسرة والعمل”.
وأثارت وفاة مئتي امرأة يوميا جراء أمراض مرتبطة بالقلب والأوعية الدموية قلق المسؤولة في مستشفى ليل الجامعي التي تقف وراء مشروع “باص القلب” المتنقّل الذي يهدف منذ انطلاقه في سبتمبر إلى توفير تشخيص ونصائح وقائية للنساء المعرضات لخطر أمراض قلبية.
ورأت أن “التشخيص يتيح تجنّب المرض لدى ثماني حالات من كل عشر”.وتختلف العلامات التحذيرية أحياناً في الواقع وتصبح خادعة أكثر عندما يتعلق الأمر بمرض لدى النساء، كالتعب المستمر مثلاً أو الاضطرابات في الجهاز الهضمي.
وأوضحت كلير مونييه – فييه أنّ افتقار المتخصصين في المجال الصحي إلى الوعي الكافي قد يؤدي إلى حدوث خطأ تشخيصي. وأضافت “علينا أن نتوقف عن الاعتقاد بأنّ انهيار الرجل مؤشر على سكتة قلبية، وأنّ انهيار المرأة يمثّل وعكة صحية مبهمة ليس إلاّ”.
وقد يبدو قلب المرأة عادة مثل قلب الرجل، إلا أن هناك بعض الاختلافات، فعلى سبيل المثال تكون الغرف الداخلية لقلب المرأة أصغر حجماً، كما أن الجدران التي تقسم تلك الغرف أقل سمكا.
وبينما يضخ قلب المرأة الدم أسرع من قلب الرجل، إلا أنه يُخرج 10 في المئة أقل من الدم مع كل انضغاط. وعندما تتعرض المرأة للإجهاد يرتفع معدل نبضها، ويُخرِج قلبها المزيد من الدم. بينما عندما يتوتر الرجل تضيق شرايين قلبه مما يرفع ضغط دمه. وتمثل هذه الاختلافات أهمية جوهرية في أعراض مرض الشريان التاجي بالنسبة إلى الجنسين.
القواعد الاجتماعية المرتبطة بالذكور والإناث لدى المرضى تؤثر على التعبير عن أعراض المرض وعلاقته بالجسم
ومرض الشريان التاجي هو المسبب الرئيسي للنوبات القلبية، فعندما تتراكم الدهون الزائدة المنتشرة في الدم في شرايين القلب، تشكل رواسب تسمى لويحات، وتستمر هذه اللويحات في النمو ببطء مما يسبب ضيق الشريان تدريجيا ويعيق تدفق الدم. وقد تكون الألواح لينة وتتمزق مما يسبب حدوث جلطة دموية.
وفي كلتا الحالتين، سواء أدت اللويحات إلى ضيق الشريان أو تمزقت وأحدثت جلطة دموية، فالنتيجة واحدة وهي حدوث أزمة قلبية.
وتشارك النساء أيضاً عوامل الخطر التقليدية مع الرجال كارتفاع ضغط الدم، وارتفاع مستويات السكر في الدم، وارتفاع مستويات الكوليسترول والتدخين والسمنة.
ومثل الرجال أيضاً يمكن أن تتأثر النساء بسجل عائلي لأمراض القلب، لاسيما عندما يُصاب الأب أو الأخ بأمراض الشريان التاجي قبل سن 55 عاما، أو تُصاب الأم أو الأخت قبل سن 65 عاماً.