الصمت والهدوء سياسة لا تعرفها فرنسا

نجاح انقلاب النيجر عقبة أمام مشروع القوة الفرنسية في المنطقة.
الخميس 2023/08/03
هل يلتزم ماكرون الصمت هذه المرة؟

لا تملك باريس إلا الصمت حلا ناجحا لمواجهة الانقلابات التي تهز دولا أفريقية، كاشفة عن سخط شعبي وغضب من تركة الاستعمار والتدخل الفرنسي، لكنها لا تلتزم به بل تطلق تصريحات ووعودا تزيد من غضب الانقلابيين وقد تهدد مصالحها في أكثر من بلد وفي مقدمتها النيجر.

نيويورك - لا يمكن أن تقف باريس مكتوفة اليدين وتراقب بصمت ما يجري في أفريقيا، وخاصة بعد قيادة رئيس وحدة الحرس الرئاسي الجنرال عبدالرحمن تشياني انقلابا عسكريا أطاح بنظام رئيس النيجر محمد بازوم، حليف فرنسا.

وباتت النيجر، التي تقوّضها هجمات جماعات مرتبطة بتنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة، ثالث دولة في المنطقة تشهد انقلاباً منذ العام 2020 بعد مالي وبوركينا فاسو.

وجراء مطالبة الإليزيه بإعادة بازوم إلى الحكم، هددت الدول الثلاث باريس بأن أي محاولة للتدخل عسكريا في شؤونها ستكون بمثابة إعلان حرب.

ويقول موسى مارا، رئيس وزراء مالي في عهد الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا حليف فرنسا الذي أطيح به في انقلاب عسكري عام 2020، إن على الفرنسيين “الالتزام بالهدوء والصمت بأقصى قدر ممكن، فكل كلمة ينطقونها ستسخدم ضدهم… لكن للأسف لا يستطيع الفرنسيون التزام الهدوء”.

موسى مارا: الفرنسيون لا يستطيعون الالتزام بالهدوء
موسى مارا: الفرنسيون لا يستطيعون الالتزام بالهدوء

وأضاف أن فرنسا أصبحت بمثابة كبش فداء يستخدمه حكام دول المنطقة لتسليط الضوء على أخطاء وتصرفات فرنسا لصرف الأنظار عن المشكلات الداخلية.

قبل أسبوعين فقط وقفت وزيرة خارجية فرنسا كاترين كولونا بجوار رئيس النيجر في عاصمة بلاده نيامي لتشيد بدور النيجر كشريك أساسي، في الوقت الذي تعهدت فيه بتقديم مساعدات جديدة لها.

واليوم أصبح الرئيس النيجري محمد بازوم محتجزا لدى قوات الحرس الرئاسي في أعقاب انقلاب عسكري ضد حكمه، لتنهار إستراتيجية فرنسا الأفريقية التي تستند إلى محاولة إقناع دول منطقة الساحل الأفريقي بأن الوجود العسكري للقوة الاستعمارية السابقة يمكن أن يكون مفيدا لها.

وذكر تحقيق أعده سامي أدجريني وأنيا نوسباوم وكاترينا هوجي ونشرته وكالة بلومبرغ للأنباء أن النيجر تعني الكثير بالنسبة لفرنسا، ليس فقط بحكم العلاقات الاقتصادية والثقافية الوثيقة بينهما، ولكن لأنها أصبحت قاعدة رئيسية للقوات الفرنسية التي تحارب المتطرفين الإسلاميين في المنطقة بعد انسحاب هذه القوات من مالي قبل أيام على غزو روسيا لأوكرانيا في أواخر فبراير من العام الماضي. ومع ذلك تواجه باريس احتجاجات وانتقادات محلية بسبب استمرار وجودها في مستعمراتها السابقة مع درجات نفوذ متباينة، في حين ترى النفوذ الروسي يتمدد في المنطقة التي تعتبر تقليديا جزءا من مجال نفوذها.

كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يراهن على النيجر لإعادة صياغة إستراتيجيته في منطقة الساحل وهي منطقة قاحلة تمتد عبر عدة دول في غرب أفريقيا. كما أصبحت المنطقة مركزا لطموح الرئيس الفرنسي في إقامة جسور بين الدول المتقدمة وما يسمى بالجنوب العالمي.

وكان محمد بازوم الذي انتخب في 2021 إثر عملية احتجت عليها المعارضة ونددت بعلاقاته مع باريس، قد اختار استقبال جنود قوة برخان الفرنسية بعد رحيلهم عن مالي عام 2022، رغم عداء فئة من السكان لذلك.

وبعد ساعات على انقلاب النيجر، هاجم المجلس العسكري باريس، واتهمها بالتخطيط للتدخل من أجل إعادة  تنصيب الرئيس بازوم وبالعودة إلى ممارساتها في العقود الماضية بما في ذلك استخدام القوة المميتة، وهي الاتهامات التي تنفيها فرنسا.

Thumbnail

وردا على الانقلاب قررت فرنسا التي تنشر 1500 جندي في النيجر، تعليق المساعدات التي بلغت في العام الماضي 120 مليون يورو (132 مليون دولار)، وهددت بالانتقام إذا تمت مهاجمة أي فرنسيين في النيجر.

وبدأت فرنسا بالفعل الأربعاء في إجلاء مواطنيها من النيجر، حيث أقلعت أول طائرة تقل أكثر من 260 شخصا من العاصمة نيامي.

وثمة حاليا حوالي 600 فرنسي في النيجر. ويتمّ الإجلاء على أساس طوعي وفي طائرات نقل عسكرية صغيرة غير مسلحة.

ويقول صديق آبا، رئيس المركز الدولي للتفكير والدراسات لمنطقة الساحل، إن شراكة النيجر مع فرنسا لم تحقق للنيجريين النتائج المتوقعة، رغم وجود الآلاف من الجنود والمنشآت العسكرية الفرنسية الكبيرة.

وأشار إلى اختلاف المنهج والأهداف الفرنسية مقارنة بالولايات المتحدة. وقال “الفرنسيون على عكس الأميركيين على سبيل المثال، جاؤوا إلى هنا لاصطياد المتمردين… الولايات المتحدة تركز على الموقف في منطقة المغرب وتهريب المخدرات في الشمال وتدريب القوات الخاصة النيجرية”.

ويرى محللون أن الانقلابات في الدول الأفريقية مدعومة من قسم من الشعب الذي أظهر موقفا عدائيا تجاه الوجود الفرنسي.

و”هذه الخطابات المعادية لفرنسا أو للسياسة الفرنسية قائمة منذ زمن ومع ذلك فهي لم تعد محصورة كما في السابق بالنخب المثقفة بل تغلغلت بقوة في الطبقات الشعبية وخصوصا في المدن”، وفقا لدراسة أجراها المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية نشرت في يونيو الماضي.

وتقول ريم ممتاز، الباحثة في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بباريس، إن هناك نمطا ظهر في المنطقة، حيث تلت الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والآن النيجر، مهاجمة سفارات فرنسا والمنشآت الفرنسية الأخرى، والمطالبة بسحب القوات الفرنسية المنتشرة في تلك البلاد بدعوة من الحكومات الشرعية، ورفع الأعلام الروسية.

الانقلابات في الدول الأفريقية مدعومة من قسم من الشعب الذي أظهر موقفا عدائيا تجاه الوجود الفرنسي
الانقلابات في الدول الأفريقية مدعومة من قسم من الشعب الذي أظهر موقفا عدائيا تجاه الوجود الفرنسي

وفي مالي المستعمرة الفرنسية السابقة، تم التخلي عن استخدام اللغة الفرنسية كلغة رسمية في الأيام الأخيرة.

وخلق الانقلاب الأخير في النيجر قطاعا من الدول المحكومة بمجالس عسكرية يمتد من المحيط الأطلسي حتى البحر الأحمر، وأغلبها تنحاز بوضوح إلى روسيا وليس للدول الغربية. وكانت النيجر صوتا نادرا في أفريقيا عندما صوتت في الأمم المتحدة لصالح إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا.

في الوقت نفسه ترتبط مجموعة فاغنر العسكرية الروسية بعلاقات أمنية مع مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، وهو ما يؤكد تزايد النفوذ الروسي في المنطقة. وبحسب مصادر مطلعة، تجري مجموعة فاغنر محادثات مع الحكام العسكريين في بوركينا فاسو التي طردت أيضا القوات الفرنسية.

وفي يونيو الماضي حضر محمد بازوم  قمة عقدها الرئيس الفرنسي ماكرون في باريس لإعادة التوازن في العلاقات المالية بين الدول الغنية والدول الفقيرة. ومنذ أسبوعين أشادت وزيرة خارجية فرنسا بالعلاقات مع النيجر باعتبارها “علاقات يجب أن تزداد قوة وتستمر”.

وأخيرا، ينظر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى النيجر، وهي ثاني أكبر منتج لليورانيوم في أفريقيا، باعتبارها شريكا موثوقا فيه في منطقة الساحل التي تعاني من الاضطراب السياسي والاقتصادي.

وفي حين نجح ماكرون في الوصول إلى شركاء جدد غير فرانكوفونيين في أفريقيا ويحث المجتمع المدني على الدفاع عن مصالحه هناك، فإن خسارته لشركائه التقليديين يمكن أن تضعف موقفه الدولي.

وتقول ممتاز إن “انقلاب النيجر سيصبح في حال نجاحه عقبة مهمة أمام مشروع القوة الفرنسية في المنطقة… النيجر كانت واحة الديمقراطية في هذا الجزء من أفريقيا”.

7